تنعقد القمة العربية بالكويت هذا العام وسط أجواء وتحديات غير مسبوقة من داخل العالم العربى ومن خارجه, وإذا كان من المنطقى عدم الرهان على القمة, التى تنعقد خلال يومين, فى مواجهة كل تلك التحديات, فإن السؤال هو ماذا بعد القمة العربية, وما هو المطلوب للسير على طريق استعادة العمل العربى المشترك وإطفاء الحرائق والأزمات المشتعلة حاليا. فالتحديات الجديدة تفوق ما واجهه العالم العربى من تحديات تقليدية كانت تتمثل فى مساعى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية ووقف عدوانه على الشعب الفلسطيني, والخلافات العربية بين الأنظمة السابقة, وتعثر خطوات التعاون العربى المشترك واستكمال منظمة المؤسسات الوحدوية العربية, بل أضيف إليها تحديات غير تقليدية خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربى وما نتج عنها من بعض التداعيات السلبية، سواء فى حالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى، وتعثر عملية التحول الديمقراطى فى غالبية دولها، أو سواء فيما أدت إليه من زيادة حدة الاستقطاب بين بعض الدول العربية, وهو ما يعنى أن تلك التحديات تتطلب حلولا غير تقليدية تتجاوز النمط التقليدى لأسلوب مؤسسة القمة التى تختزل فى مجرد تجمع للقادة والمسئولين العرب, الذين يتراجع تمثيلهم من عام لآخر, وتصدر ذات التوصيات والقرارات تتناول كل القضايا والموضوعات, حتى أصبح استمرار انعقاد القمة بشكل دورى الإنجاز الوحيد حتى الآن وبخلاف ذلك لا توجد أية إنجازات. بل إن قمة الكويت حاولت الإبقاء على الحد الأدنى من التماسك العربى عندما تجنبت القضايا الخلافية القديمة والمستجدة, مثل الخلاف بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين بعد سحب السفراء, وركزت على القضايا التوافقية التقليدية مثل دعم القضية الفلسطينية ومحاربة الإرهاب, لكنها لم تتطرق إلى القضايا الجوهرية الكبرى من قبيل كيف يمكن تحقيق المصالحة العربية وتسوية الخلافات؟ وكيف يمكن إطفاء الحرائق المشتعلة فى سوريا وليبيا واليمن والعراقوالصومال والسودان؟ وكيف يمكن مساعدة دول الربيع العربى على تجاوز التعثر الديمقراطي؟ وكيف يمكن تفعيل ودفع التعاون الاقتصادى المشترك وغيرها. وبغض النظر عن الجدل العقيم حول ما إذا كان تردى الأحوال العربية نتيجة لضعف مؤسسة القمة والجامعة العربية, أم العكس, وبدلا من أن تنفض القمة ويذهب كل إلى حال سبيله ثم الالتقاء بعد عام فى قمة القاهرة, وتكون التحديات والتهديدات والمشكلات قد استفحلت وتفاقمت تداعياتها, فإن أضعف الإيمان هو التحرك, ليس لمعالجة كل المشكلات, وإنما على الأقل وقف تصاعدها وحل القضايا ذات الأولوية القصوي, وهنا يمكن أن تنبثق عن مؤسسة القمة ما يسمى بلجان أزمة تعمل تحت إشراف الجامعة العربية, تتولى معالجة ملفات وقضايا محددة وملحة, ويتم عرض ما تم التوصل بشأنها خلال القمة المقبلة, وتعمل على تقليل الدور الخارجى فى إدارة الأزمات والمشكلات العربية لصالح تزايد الدور العربى فى حلها, مثل لجنة خاصة بالأزمة السورية تتولى العمل على وقف دوامة القتل والتدمير المستعرة, والتوسط بشكل مباشر بين النظام والمعارضة للتوصل إلى حل سياسى عبر المفاوضات, باعتبار أن الحل العسكرى الذى يراهن عليه الطرفان لحسم الصراع لصالحه, قد فشل بعد ثلاث سنوات من اندلاع الثورة. ولجنة أخرى تقوم بتسوية الخلافات العربية وتحقيق المصالحة خاصة بين الدول الخليجية حتى لا يتزايد الخلاف بينها مما يؤثر سلبا على مسيرة مجلس التعاون الخليجى فى تحقيق الوحدة الخليجية, كذلك المصالحة بين الدول العربية الأخرى كمصر وقطروالعراق والسعودية, وسوريا والدول الخليجية, حيث تنبع أهمية هذه المصالحات من كونها الشرط الضرورى لانطلاق أى عمل عربى مشترك تجاه معالجة القضايا والأزمات الأخري. ولجنة ثالثة تساعد دول الربيع العربى على تجاوز عقبات المرحلة الانتقالية عبر دعمها اقتصاديا وسياسيا والمساهمة فى تحقيق المصالحة الوطنية بين أنصار الأنظمة الجديدة والأنظمة السابقة, ولجنة رابعة تقوم بوضع استراتيجيات محددة لمحاربة وحصار الإرهاب المستشرى حاليا فى كثير من الدول العربية مثل مصر والعراقوسوريا واليمن وليبيا, وتتبناه العديد من الجماعات المتطرفة, وعلى رأسها تنظيم القاعدة بفروعه المختلفة كجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) وتنظيم القاعدة فى جزيرة العرب وتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب العربى وحركة شباب المجاهدين فى الصومال, حيث بات الإرهاب الخطر الأول على ثورات الربيع العربى فى تحقيق أهدافها وطموحات شعوبها فى التقدم الاقتصادى والحرية والديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والفساد. مؤسسة القمة العربية بحاجة إلى إصلاح حقيقى وتغيير جذري, سواء فى نمط عملها أو أهدافها وآلياتها, لتكون مواكبة لمستوى التحديات والتهديدات والأزمات التى يعيشها العالم العربي, وهذا لن يتحقق بدوره إلا بتوافر إرادة سياسية عربية حقيقية ورغبة صادقة فى التئام الجراح وإطفاء الحرائق وإنهاء الخلافات, ولتكن الملفات الأربعة السابقة أجندة عمل لما بعد القمة العربية خلال العام المقبل, يمكن من خلالها إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يتعاظم المرض، ويصعب معه العلاج بعد ذلك, ويصبح العرب ضحايا للخارج بأجنداته ومصالحه وبخلافاته وأزماته. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد