إيران: " فوردو" النووية لا تحتوي على مواد مشعة    برلماني يطالب بإحالة مقيم الطعن ضد "جمعية الرسوم القضائية" للتأديب    حدث منتصف الليل|تفاصيل مكالمة الرئيس السيسي ونظيره الإيراني.. وسيناريوهات تعامل الحكومة مع الحرب    ممثل المستأجرين: تعديلات قانون الإيجار القديم تفتقر إلى العدالة وتتجاهل ظروف البسطاء    بعد قصف إيران ب 6 قنابل خارقة.. ترامب: إسرائيل أصبحت أكثر أمانا    مركز الأزمات في " قم " الإيرانية: تعرض جزء من فوردو النووي لهجوم من قبل العدو    الحرب الإيرانية الإسرائيلية.. موجة صواريخ ومسيرات والاحتلال الصهيوني يستهدف أصفهان وقم    مدرب يوفنتوس يحذر من قوة الوداد ويؤكد: المفاجآت واردة بمونديال الأندية    الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية: لن نسمح بوقف تطوير صناعتنا النووية    ترامب: عملنا مع إسرائيل كفريق واحد وأخذنا على عاتقنا حمايتها    كأس العالم للأندية.. تعادل سلبي بين ريفر بليت ومونتيري في الشوط الأول    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة ريال مدريد ضد باتشوكا اليوم.. والمعلق    "مشفق عليه".. محمد بركات يرد على انتقادات ميدو للأهلى    أزمة مخدرات وإيقاف.. أبرز المعلومات عن يوسف البلايلي نجم الجزائر والترجي التونسي    خلال ساعات.. إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بالإسماعيلية اليوم (استعلم عنها من الرابط الرسمي)    11 ضحية .. انتهاء رحلة البحث عن متوفين أسفل عقارات حدائق القبة المنهارة    دون إصابات.. السيطرة على حريق داخل شقة في البساتين    مخرج «لام شمسية» يكشف رد فعل رئيس الرقابة بعد مشاهدته أول خمس حلقات    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟.. أمين الفتوى يجيب    صديقة طبيبة طنطا الراحلة: خدمت مرضى كورونا وتوفيت أثناء عملها    د. هاني أبو العلا يكتب : استثمار الطاقات.. شعار ترفعه جامعة الفيوم    براتب 9200 جنيه.. 200 وظيفة للشباب في مجال الأمن و الحراسات    يونس: يجب توفير المناخ المناسب لنجاح "جون إدوارد"..والموسم المقبل فارق في مستقبل الزمالك    محسن صالح يطالب بعدم إشراك زيزو في مباراة بورتو بكأس العالم للأندية    التعليم تعلن عن رغبتها في التعاقد مع 9354 معلم لغة إنجليزية    إيران وإسرائيل تتبادلان الضربات    30 يونيو.. تأكيد وحدة مصر    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    بدء الموسم الصيفي ينعش فنادق البحر الأحمر والإسكندرية    وزير الشباب والرياضة يتفقد نادى نقابة المهن التمثيلية فى حضور أشرف زكى    الصحف المصرية.. تحركات متسارعة وبرامج انتخابية طموحة    أخبار 24 ساعة.. نقل بعض رؤساء لجان الثانوية العامة لإحكام السيطرة على سير اللجان    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    هل سيتم رفع سعر رغيف الخبز؟.. وزير التموين يجيب    الخطيب يوجه رسالة طارئة للاعبي الأهلي.. سيف زاهر يكشف    ب 1450 جنيهًا من البيت.. خطوات استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (رابط مباشر)    استهداف مجمع نووي في أصفهان للمرة الثانية منذ بدء الهجمات على إيران    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    «موازين» يطلق فعاليات دورته ال 20 تحت شعار «إيقاعات العالم»    «المشروع X» يواصل الصدارة.. و«في عز الضهر» إيرادات ضعيفة    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 22 يونيو 2025 (تحديث الآن)    سعر البصل والليمون والخضروات بالأسواق اليوم الأحد 22 يونيو 2025    استمرت لأكثر من 12 عامًا.. «مصالحات الأزهر» تنهي خصومة ثأرية بأسيوط بين «آل الشهاينة» و«آل العقل»    وجهات نظر    من غير مكملات.. أهم الأطعمة الغنية بفيتامين د    ابعد عنها بعد الساعة 10مساءً.. 6 أطعمة تسبب الأرق    بسبب حكم غيابي.. احتجاز زوجة مدرب منتخب مصر في الإسكندرية    تصل للمؤبد.. احذر عقوبات صارمة لبيع المنتجات المغشوشة    وزارة التضامن الاجتماعي بكفر الشيخ يشهد فاعليات ختام البرنامج التدريبي    إنطلاق امتحانات المواد الأساسية لطلاب الثانوية العامة بأداء اللغة العربية اليوم    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات من شوارع عاصمة البحيرة.. صور    كأس العالم للأندية| التشكيل الرسمي ل فلومينينسي وأولسان في الجولة الثانية    صبحي موسى ومأزق التنوير العربي    د.حماد عبدالله يكتب: السينما المصرية!!    كيف تحافظ على برودة منزلك أثناء الصيف    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُدهشات اليهودية
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 03 - 2014

فى مطلع العام الحالى، افتتحتُ أولى محاضرات «سنة اليهودية» بمقدمات رأيتها ضرورية ومهمّة،
منها أنه لا يجب أن نثور عندما نسمع رأيا مخالفا لما نعتقده، وإنما الواجب أن نصبر عليه قليلا ونتدبره، فلعله يكون أصوب مما هو فى أذهاننا.
ولما سبق، رجوتُ الحاضرين أن يقاوموا ولو مؤقتا، الميلَ التلقائى لقراءة التواريخ والوقائع العبرانية والتوراتية، على ضوء المعتقدات الإسلامية والقصص القرآنى. نظراً لوجود التباسٍ فادح المفارقة وعظيم الاختلاف، بين الصيغ التوراتية (والإنجيلية من بعد) من جهة، والسِّيَر القرآنية لحياة الرُّسل والأنبياء، من الجهة الأخرى.. بل هناك تفاوت كبير فى مفهوم «النبوة» ذاتها، بين اليهودية (والمسيحية من بعد) والإسلام. فضلاً عن عدم الانطباق فى التوصيف العام لبعض الشخصيات الدينية المهمة، هنا وهناك، مثلما هو الحال فى شخصية (داود) الذى يحكى عنه العهدُ القديم فى سِفرىْ «صموئيل» على اعتبار أنه واحدٌ من الملوك، بينما هو فى القرآن الكريم من كبار الأنبياء. وكذلك الحال مع ابنه ووريثه (سليمان) وغيرهما من الشخصيات المحورية كالسيدة العذراء، التى هى عند المسيحيين «مريم ابنة يواقيم» وعند المسلمين (مريم ابنة عمران) وعند اليهود لا وجود لها أصلا، ولا اعتراف بها أساسا.
وقد طُرحت فى السنوات الأخيرة عدة رؤى تاريخية، جريئة، لفضِّ هذا التفاوت وإنهاء ذاك الالتباس. منها كتابات الباحث العراقى فاضل الربيعى (منها : المسيح العربى، فلسطين المتخيَّلة، القدس ليست أورشليم ) وكتابات الباحث اللبنانى كمال الصليبى (منها: خفايا التوراة، البحث عن يسوع، التوراة جاءت من جزيرة العرب).. وتنطلق هذه الكتابات من نقاطٍ افتراضيةٍ محدَّدة، مفادها أن ما ورد فى القرآن الكريم من قصصٍ عن الأنبياء، يتحدَّث فى واقع الأمر عن أشخاصٍ آخرين، وعن أنبياء يختلفون عن أولئك الذين تحدثت عنهم التوراةُ وبقيةُ أسفار العهد القديم، واعتمدتهم الأناجيلُ من بعد.
وكانت هذه المقدمات والإشارات السابقة ضروريةً، ومهمة، نظراً للمُدهشات الكثيرة التى تُفاجئنا عند النظر المتعمق فى التاريخ العبرانى والروايات التوراتية، لا سيما إن كانت نظرتنا تنطلق من أساسٍ بحثىٍّ ومنطقى، قد يأتى بغير ما استقر فى أذهان الناس..
اللغة العبرية من أمهات اللغات السامية، كانت شائعة قبل نشوء بنى إسرائيل وظهورهم فى العالم، إذ كانت لغة أهل فلسطين هى الكنعانية.. إلى أن ظهر تأثير إحدى اللهجات الكنعانية وهى الآرامية، فأخذت اللهجات الأخرى (العبرية والكنعانية الأصلية) تضمحل مع التغيرات السياسية، إلى أن أصبحت أغلب بطون (قبائل) فلسطين وسوريا والعراق وطور سيناء، تتكلم باللهجات الآرامية. ثم أخذت هذه اللهجات فى القرون الأولى بعد الميلاد، تتدهور تدريجياً فى أطراف الجزيرة العربية، وتنكمش وتتضاءل أمام اللغة العربية، التى كانت فى ذلك الحين تمتد وتنتشر بسرعة. .
وهذا الكلام السابق، المنشور فى كتاب صدر بالعربية فى مصر سنة 1927 (مطبعة الاعتماد) يعنى أن الجماعات اليهودية التى نزحت على فترات متباعدة من جنوب العراق، فاستقرت قديماً فى منطقة فلسطين. صارت مع الوقت تتكلم اللغة السائدة فى مستقرهم الجديد، واختارت لهجةً خاصةً هى (العبرية) التى هى واحدة من اللهجات الجارية على ألسنة الناس فى ذاك الزمان، كالآرامية التى كانت أكثر انتشاراً بين اليهود. ولذلك، فإن «السيد المسيح» الذى كان واحداً من اليهود، وكذلك أمه «مريم العذراء» كانا يتكلمان بالآرامية التى سوف تتطور إلى صيغة أحدث هى اللغة السريانية، المستمرة إلى اليوم ولايزال الناسُ تتكلم بها فى بلدة «معلولة» السورية المعاصرة.. وهى البلدة التى يحرص المتقاتلون اليوم فى سوريا، على تدميرها ومحوها من الوجود (ألا ساء ما يحكمون).
والعجيب هنا، أننا لا نعرف اللغة التى كانت تتكلمها هذه الجماعات النازحة من بلدة «أور» فى جنوب العراق! هل كانت إحدى اللغات المندثرة، أم لهجة من لهجات اللغة السومرية العتيقة، أم هى مزيج من لغاتٍ كانت آنذاك مستعملة؟ ليس بمقدور أحد أن يؤكّد بيقين. ولكن ما يهمنا هنا، هو أن الارتباط بين العبرية (باعتبارها لغةً) واليهودية (باعتبارها ديانة) ليس ارتباطاً ضرورياً، ومن غير الصائب أن نُطابق بين «عبرى ويهودى» باعتبارهما شيئاً واحداً. فما العبرية إلا لهجةٌ كنعانية تطوَّرت فصارت لاحقاً مستقلة، مثلما تطورت بقية لهجات اللغة الكنعانية فأصبحت لغات مستقلة ذات انتشار أوسع، حتى بين اليهود أنفسهم، ومنهم السيد المسيح والذين كانوا حوله من يهود ذاك الزمان.
ومن مُدهشات اليهود أنهم لم تكن لهم (ديانة) إلا بعد أن مرت خمسة قرون على قيام مملكة لهم، وهو ما تحقّق على يد (داود) فى حدود سنة ألف قبل الميلاد، ثم اعتلى ابنه (سليمان) عرش هذه المملكة، ثم انهارت .. وقد لاحظتُ أن مملكة داود كانت تضم غير اليهود، إذ ذكر العهدُ القديم أن «أوريا الحثّى» الذى أنجب داودُ سليمانَ من زوجته، كان جندياً فى جيش داود! وكان يسكن فى بيت مجاور لبيت الملك! ولذلك رأى داود «امرأة أوريا» من فوق سطح بيته، فاشتهاها، فكان ما كان من قصة اغتيال داود للزوج (الذى هو من: الحيثّيين) ثم ضمّ زوجته إلى حريم داود، وإنجابها سليمان.. إلى آخر الوقائع المذكورة فى العهد القديم، المقدس عند اليهود والمسيحيين. ومن شأنها أن تصدم المسلمين لأنهم يعتقدون اعتقاداً آخر فى داود وسليمان (عليهما السلام) مع أن القرآن الكريم أشار إلى هذه الواقعة، ورَمَزَ لزوجة «أوريا» بالنعجة، وإلى بقية نساء داود بالنعاج.
والمهم هنا، أن التوراة ذاتها (وهى الكتاب الأصل فى اليهودية) كُتبت بعد زمن «داود» بخمسة قرون، وما كانت لتظهر لولا أن مَنَحَ مرسومُ الإمبراطور الفارسى «كسرى الثانى» لليهود حق العودة إلى فلسطين وبناء هيكل أورشليم الذى كان قد تم تدميره سنة 587 قبل الميلاد، وصدر هذا المرسوم الإمبراطورى الفارسى سنة 538 قبل الميلاد، أى بعد قرابة نصف قرن من الزمان. لكن اليهود الذين كانوا آنذاك قد استقروا بمدينة بابل، تباطأوا فى العودة إلى فلسطين، بل رفضوا! حتى مرت قرابة المائة عام، فأعاد «نحميا» بناء سور الهيكل سنة 445 قبل الميلاد..
والعجيب هنا، أن يهود اليوم يودون لو يهدمون المسجد الأقصى، لإعادة بناء هذا (الهيكل) الذى هو شعار سياسى، وليس رمزاً دينياً أو أصلاً من أصول (العقيدة) اليهودية.. فيتقاتلون، ويَقتلون، ويُقتلون؛ من أجل مطلب سياسى وليس لهدف دينى، حسبما يتوهم معظم الناس. والأعجب مما سبق، أن «اليهودية» ليست شيئاً واحداً قائماً بذاته! فهى تتداخل مع «السامرية» التى سأتحدث عنها الليلة فى ندوة صالون الإسكندرية، و«الأسينية» التى سأتحدّث عنها يوم الأربعاء المقبل فى صالون القاهرة الذى ينعقد شهرياً بساقية الصاوى.
لمزيد من مقالات د.يوسف زيدان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.