لا تزال محفورة فى وجدان المصريين ذكرى استعادة طابا من الاحتلال الإسرائيلى والتى تعتبر أحد أهم المناطق السياحية والاستراتيجية لمصر على خليج العقبة ، وانتهى الحديث عن أى نزاع على أرض طابا حتى نكسة 5 يونيو 1967 حينما احتلت إسرائيل جميع أراضى سيناء. ورفض المصريون الهزيمة وصاغوا النصر الأكبر الذى حطم أسطورة الجيش الذى لا يقهر فى حرب أكتوبر 1973 والتى انتهت بعودة سيناء البالغ مساحتها 62 ألف كيلو متر مربع إلى السيادة المصرية فيما عدا منطقة طابا التى تبلغ مساحتها 10 كيلو مترات مربعة فقط . وفى 13 / 1 / 1986 أعلنت إسرائيل موافقتها على قبول التحكيم ، وبدأت المباحثات بين الجانبين وانتهت إلى التوصل إلي» مشارطة تحكيم « التى وقعت فى فندق مينا هاوس فى 12سبتمبر1986, وهى تحدد شروط التحكيم ، ومهمة المحكمة فى تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود محل الخلاف وقد أخذت مشارطة التحكيم بشأن طابا بالنظام الخماسي، حيث اتفق الطرفان على اختيار المحكمين وقد اختير هذا المحكم الأخير ليكون رئيسا للمحكمة وكانت مهمة المحكمة تقرير مواضع علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب وقضية طابا كانت مواجهة وملحمة حضارية قادتها الأجهزة المعنية فى مصرمن خلال لجنة قومية تضم خبراء مصريين على أعلى مستوى فى جميع التخصصات ذات الصلة من وزارات العدل والدفاع والبترول والتعليم والجمعية التاريخية والجمعية الجغرافية والمساحة الجيولوجية وإدارة المساحة العسكرية ، الى جانب خبراء فى القانون الدولى , لتضع أمام المحكمة الدولية ما لديها من أدلة تساند موقفها وتدحض موقف الخصم, واستخدم فى هذه المواجهة كل الأدلة والأسانيد القانونية والجغرافية والتاريخية والمساحية، التى كانت نتاج بحث متعمق ودراسة متأنية فى أعماق الملفات والوثائق فى الخرائط المصرية المحفوظة فى مختلف أجهزة الدولة، وأيضا فى ملفات الأممالمتحدة والأرشيف البريطانى والتركى والسودانى . وإسرائيل كانت تعلم تماما أين يقع خط الحدود عند نقطة طابا، وكان فى جعبتها البيانات الدقيقة حول موقع العلامة رقم 91، وهى نفسها التى قامت بطمس معالمها عند إزالة الشق الجنوبى للهضبة الشرقية لوادى طابا بعد بضع سنوات منذ بدء الاحتلال, ولابد أن هدفها كان إفشال قدرة المحكمة على إصدار حكم,. وسعيا وراء تحقيق هذا الهدف: تقدمت إسرائيل بمكانين للموقع الذى تدعيه للعلامة 91 القاسم المشترك بينهما أنهما يتركان منطقة طابا فى أيدى إسرائيل وقامت إسرائيل بطمس معالم العلامة 90 بعد أن تركتها فى موقعها ولم تدمرها ولم تخطر مصر بأنها قد أزالت جزءا من الهضبة وأبقت على الرقم 9 فقط لإيهام مصر أنها العلامة 91, وطوال سنوات المفاوضات والتحكيم أبقت اسرائيل موضوع إزالة جزء من الهضبة سرا، ولم تصارح مصر بأنها أزالت العلامة الأخيرة عندما شقت الطريق، الذى يربط طابا بميناء إيلات على الجانب الإسرائيلى من الحدود لكن شهادة ضباط يوجوسلاف خدموا فى قوات الطوارئ الدولية UNEF بمنطقة طابا ، التى أنشئت بقرار الجمعية العامة رقم 1000 (ES) نوفمبر 1956 كشفوا الموقع الحقيقى للعلامة . وتقدمت اسرائيل بموقع العلامة 91 طبقا لاتفاقية 1906 ونجحت مصر فى إقناع المحكمة أن إسرائيل لا تستمد أى حق من اتفاقية 1906 التى لها قيمة تاريخية فقط وأن معاهدة السلام ومشارطة التحكيم يمثلان المرجعية القانونية الوحيدة،ويلاحظ فى هذا الصدد أن هيئة التحكيم اعتمدت تفويض المحكم الفرنسى بيير بيللية لتولى مسئولية اجتماعات فى جنيف للتوفيق بين مصر وإسرائيل ، وبعد ما يقرب من شهرين اقترح بيللية فى آخر اجتماع عقد فى باريس فى مايو 1988 قبول الموقف المصرى مع السماح بتأجير إسرائيل منطقة طابا لمدة 99 عاما عوضا عن الاستمرار فى التحكيم وهو الاقتراح الذى رفضته مصر فورا مؤكدة الاستمرار فى التحكيم لأن مبدأ التأجير يتعارض مع سيادة مصر من جهة وتخوفا من الانزلاق إلى هاوية المساومة حول مدة التأجير بالرغم من الإغراء الظاهرى بأن العرض ينطوى على الاعتراف بموقع العلامة المصرية. وفى 29 سبتمبر 1988 أعلنت هيئة التحكيم الدولية فى الجلسة العلنية التى عقدت فى برلمان جنيف حكمها فى قضية طابا ، وذلك على النحو التالي: بالنسبة للمجموعة الأولى من علامات الحدود المتنازع عليها، وهى العلامات التسع الواقعة فى الجزء الشمالى من خط الحدود من جهة البحر المتوسط وفى اتجاه الجنوب (العلامات: 7، 14، 15، 17، 27، 46، 51، 52، 56)، صدر الحكم فيها بالإجماع وعلى الوجه الآتي: بالنسبة للعلامات الخمس التالية: 7، 17، 27، 51، 52 كان الإجماع لصالح مصر وبالنسبة للعلامات الأربع المتبقية وهى العلامات 14، 15، 46، 56 كان الإجماع فيها لصالح إسرائيل أما بالنسبة للمجموعة الثانية من علامات الحدود والتى شملت العلامات الأربع التالية: 85، 86،87،88 والتى تقع فى المنطقة التى تعرف برأس النقب فقد صدر الحكم فيها بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد (هو صوت القاضية الإسرائيلية روث لابيدوث) وكان لصالح مصر وأخيرا وبالنسبة للعلامة 91 فقد صدر الحكم فيها أيضا بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد (وهو أيضا صوت القاضية الإسرائيلية روث لابيدوث) وكان لصالح وجهة النظر المصرية بشأن تحديد موضع العلامة المذكورة . وحكمت المحكمة بالإجماع أن طابا أرض مصرية إلا أن إسرائيل أعلنت رفضها تنفيذ القرار وهو الأمر الذى دفع إلى الدخول فى المفاوضات بين أعضاء الوفدين المصرى والإسرائيلى الذى كان يضم وقتها بنيامين نيتانياهو، نائب وزير الخارجية, وعولت الدبلوماسية المصرية على أسلوب المفاوضات الثنائية أساسا بالإضافة إلى تلك التى تمت بحضور ودعم أمريكيين فى تناولها مسألة تنفيذ حكم محكمة التحكيم الصادر فى 29 سبتمبر 1988 بشأن طابا وتم التوصل إلى عقد ما سمى باتفاق روما التنفيذى فى 29 نوفمبر 1988 والذى نص فيه على تحديد علامات الحدود الأربع عشرة وفقا للحكم الصادر عن محكمة التحكيم وعلى الانسحاب الإسرائيلى من الأرض المصرية إلى ما وراء هذه العلامات فور تحديدها .