أكد سيرجى كيربيتشينكو سفير روسيا الاتحادية بالقاهرة أن التعاون فى مجال الطاقة هو الملف الأهم فى العلاقات بين مصر وروسيا فى الفترة المقبلة ، مشيرا إلى أنه تم بحث التعاون العسكرى بين البلدين خلال المحادثات التى جرت فى موسكو الشهر الماضى بين المشير عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والإنتاج الحربى والرئيس الروسى فلاديمير بوتين. وقال السفير خلال ندوة تحت عنوان «العلاقات المصرية الروسية فى عالم متغير» نظمتها مجلة السياسة الدولية ب«الأهرام» إن الوضع الحالى للعلاقات بين البلدين يمثل واقعا جديدا تماما يستدعى بناء قاعدة جديدة لهذه العلاقات، وهو ما يجرى الآن بالفعل. حضر الندوة الدكتور أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة «الأهرام» والدكتور أبو بكر الدسوقى رئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية» واللواء سامح سيف اليزل الخبير والمحلل الاستراتيجى والعسكرى والدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والسفيرة هويدا عصام نائب مساعد وزير الخارجية لجنوب وشرق أوروبا. وخلال الندوة، أشاد السفير الروسى بالعلاقات التاريخية بين البلدين على مر العصور، مشيرا إلى صعوبة عودة العلاقات إلى سابق عهدها فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى نظرا لاختلاف ظروف البلدين فى الوقت الراهن، وموضحا أن روسيا الآن ليست فى حجم الاتحاد السوفييتى السابق. وعن أوجه التعاون المستقبلية بين البلدين، قال السفير الروسى إنه يرى أن مجال الطاقة هو الملف الأهم فى العلاقات خلال الفترة القادمة وأنه فى حالة نجاح التعاون فى هذا المجال ستكون روسيا شريكا مميزا لمصر، متمنيا ألا تختفى «موضة» الاهتمام بروسيا حاليا فى مصر على حد قوله وأن يستمر هذا الدعم والتشجيع الشعبى والرسمى للعلاقات وهو مؤشر قوى على تغير الرأى العام المصرى تجاه روسيا. واعتبر كيربتشينكو أن تداول الإعلام لصفقات عسكرية مصرية روسية أمر سابق لأوانه وما زال فى طور البحث ، مشيرا إلى أنه تم الحديث بالفعل عن التعاون العسكرى بين البلدين خلال لقاء بوتين مع السيسى الشهر الماضى ، غير أنه لم يتم بعد الإعلان عن هذه الصفقات ، كما أن ما يتم تداوله فى الإعلام بشأن تلك الصفقات يحمل قدرا من المبالغة سواء فى أنواع الاسلحة أو فى كميتها. وحول الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، أكد كيربتشينكو أن روسيا ليست لديها نية للغياب عن الساحة الدولية ، إلا أن المباحثات الثلاثية التى تجرى الآن بين الأطراف الثلاثة : فلسطين وإسرائيل وأمريكا ، أمر تتابعه روسيا وتتمنى له التوفيق لأن بلاده تؤمن بضرورة التسوية والحل الدائم للصراع. وحول الأزمة التى تمر بها علاقات بعض الدول العربية مع قطر ، قال السفير أن الاتحاد السوفييتى السابق لعب كثيرا دور الوساطة فى خلافات نشبت بين بعض الدول العربية فى السابق ، إلا أن الوضع الآن يختلف، «فنحن نرى أن العرب أدرى بأمورهم ولا نريد التوسط إلا فى حالة الضرورة القصوى» مشيرا الى حدوث شروخ كثيرة فى ماسماه بالجسم العربى واصفا ما يحدث الان بمرض عام أصاب الكيان العربى وتأتى مشاكل الدول العربية مع قطر خير دليل على هذا. وحول تداعيات أزمة أوكرانيا واستفتاء القرم ، قال السفير الروسى إن موسكو ليست سببا فى انفصال القرم عن كييف ، وشدد على أن بلاده ستدافع عن الروس فى القرم وأوكرانيا وفى أى مكان ومهما كلفها الأمر ، مشيرا إلى أنه إذا حصل صدام من أى نوع فالتبعات لن تتحملها روسيا وحدها وإنما الغرب ، واستبعد احتمال اللجوء للخيار العسكرى فى معالجة الأزمة. ومن جانبه ، أكد الدكتور أحمد سيد النجار رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» فى كلمته أمام الندوة أن هناك وضعا خاصا للعلاقات المصرية الروسية ، حيث أن التعاون بين البلدين له تاريخ طويل بدأ منذ دعم الاتحاد السوفييتى السابق لمصر فى بناء السد العالى عن طريق القرض الروسى ، وعادت تلك العلاقات من خلال التعاون الاقتصادى فى مشروعات ، كمصانع الأسمنت والكيماويات ومفاعل أنشاص النووى. وأشار النجار إلى أن العلاقات مع روسيا قائمة على تبادل المنافع ، حيث يأتى من روسيا 2،5 مليون سائح سنويا، مشددا على أهمية أن يمتد هذا التعاون للجانب الصناعى والتجارى أيضا. كما أكد النجار أن أزمة إقليم القرم الحالية تكشف أن ضمير الغرب مزيف، فهو يتحدث عن الأقليات وضرورة تطبيق القانون الدولى فقط عندما يصب الأمر فى صالحه ، مشيرا الى أهمية التعامل مع مشكلة اوكرانيا بدون معايير مزدوجة، حتى لا تتكرر مأساة العراق وسوريا . وقد قام النجار بتكريم السفير الروسى وأهداه «مفتاح الأهرام». من جانبه ، قال اللواء سامح سيف اليزل المحلل الاستراتيجى والعسكرى أن العلاقات الروسية المصرية مرت بأربع مراحل وهى : الازدهار فى فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر ، والفتور فى عصر الرئيس الراحل أنور السادات ، والجيدة فى فترة حكم مبارك ، وما بعد ثورة 30 يونيو ، حيث بدأت فى التحسن. وأشار سيف اليزل الى أن الجانب الروسى استطاع استغلال حالة الفتور واضطراب العلاقات المصرية الامريكية فى تحسين العلاقات مع مصر ، وظهر ذلك جليا فى زيارة وزيرى الدفاع والخارجية الروسيين إلى مصر بعد ثورة يونيو ، ورد الجانب المصرى على الزيارة برحلة وزيرى الدفاع والخارجية المصريين إلى روسيا. وأضاف سيف اليزل أن مصر لن تستبدل علاقتها بأمريكا بعلاقة أخرى مع روسيا لأن الجانب المصرى يجب أن يكون على علاقة قوية مع الجميع. وأعربت السفيرة هويدا عصام نائب مساعد وزير الخارجية لجنوب وشرق أوروبا عن ارتياحها للتطور الذى تشهده العلاقات الروسية المصرية هذه الأيام ودعم روسيا لمصر فى المرحلة الانتقالية ، متمنية مزيدا من التعاون لمكافحة الإرهاب فى مصر. وأشارت السفيرة إلى أن روسيا لن تصبح أبدا مجرد «موضة» فى مصر كما ذكر السفير الروسى لأنها مترسخة فى الوعى المصرى سواء بالدعم العسكرى أو من خلال الوفود السياحية الكبيرة التى تزور مصر. من جانبها، أكدت الدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن التطورات التى تحدث فى المنطقة تميزت ب»الصبغة الآسيوية» ، ولعل خير دليل على ذلك الدعم الروسى لمصر بعد ثورة 30 يونيو الذى عاد بقوة وبسرعة فائقة ، فروسيا شريك طبيعى لمصر وهى أكبر من أن تكون بديلا لأى دولة ، موضحة أن على مصر أن تنوع شركاءها فى الفترة القادمة وعلى رأسهم الشريك الروسى الذى اختار عدم التدخل فى الشأن الداخلى المصرى خلال الثلاثة أعوام الماضية هى عمر الثورة المصرية. وأشارت إلى أن عام حكم الإخوان لمصر أضر كثيرا بالعلاقات الروسية المصرية ، حيث أصيبت القيادة الروسية بالاحباط عقب إعلان نتيجة الانتخابات بفوز الدكتور محمد مرسى ، وذلك لأن الجانب الروسى كان قد أدرج الجماعة على قائمة المنظمات الإرهابية بحكم قانونى منذ عام 2003 ، إلا أن الوضع الآن تغير للأفضل بالتأكيد.