مع اقتراب استحقاقات الانتخابات الرئاسية والنيابية، وتنصيب وزارة جديدة تعد للانتخابات، من الواجب إعداد استراتيجية طويلة الأجل تهتم بعلاج المشاكل الهيكلية للاقتصاد المصري، وتستجيب لمطالب الجماهير. هذا ولقد انشغلت الحكومات المؤقتة المتتالية بتداعيات الموقف السياسي، واتصفت بردود الأفعال بدلا من التخطيط طويل الأجل. وقدمت مجموعة من الحلول العاجلة لبعض مشاكل الاقتصاد القومي. ومن ذلك الإسراع بسداد متأخرات المقاولين وتحسين سلامة السكك الحديدية بتطوير المزلقانات وأيضا بتقديم دعم محدود للمصانع المتعثرة وتشجيع السياحة الداخلية. ومع أهمية هذه المبادرات، إلا أنها تظل حلولا محدودة وجزئية. ذلك أن الاقتصاد المصرى يعانى مشاكل هيكلية يحتاج علاجها الى خطة طويلة الأجل و إجراءات أكثر حسما وأعمق أثرا. ولاتختلف قائمة التحديات الاقتصادية التى نواجهها اليوم كثيرا عن الوضع السابق لثورة 25 يناير. مع ذلك فقد زادت حدة بعض هذه المشاكل ، وارتفعت مطالب الجماهير. وتتضمن قائمة التحديات الاقتصادية المزمنة التى يواجهها المجتمع المصرى ثلاثة بنود هامة. أولا الهدر الكبير فى استخدام الموارد الاقتصادية. ولعل أهم صور هذا الهدر هو البطالة المرتفعة التى يعانى منها المصريون وبالذات الشباب. حيث وصلت معدلات البطالة الى معدلات قياسية قد تقترب من 20% من القوة العاملة، والى ما يقرب من 45% بين الخريجين الجدد والشباب. ونحن فى حاجة الى برنامج عاجل لإيجاد فرص العمل. ونوصى بوجود جهاز خاص أو حتى وزارة للتشغيل. ويمتد الهدر الى ثلاثة موارد إضافية كانت مصر تتميز فيها بوفرة وميزة نسبية واضحة، وهى الأراضى الزراعية الخصبة، والسياحة، والبترول. أما الأراضى الزراعية فمن المعروف أنها تتآكل تحت وطأة الزحف العمراني، ونحن نعيش على فقط 5% من أراضى الجمهورية. ولقد فشلت بامتياز جهودنا للحد من البناء العشوائى على الأرض الزراعية، وكذلك محاولات الخروج من الوادى الضيق. وتعثرت مشروعاتنا الكبرى فى الوادى الجديد وفى سيناء. ويحتاج الأمر الى استراتيجية فعالة لتنظيم استخدام الأراضى القديمة، وللخروج من الوادى الضيق. ترشيد الطاقة ايضا قضية هامة. ولقد تمتعت مصر بالاكتفاء الذاتى من الوقود حتى عام 2005، ومنذئذ زاد استهلاكنا عن الإنتاج المحلي. أما إهدار موارد السياحة فحدث ولا حرج. فبالرغم من أن مصر لديها مايربو على ثلث آثار العالم، وما تتمتع به من مناخ طيب، وشعب مضياف وبنية سياحية قديمة فإن عدد السائحين فى أفضل السنوات لم يزد على نصف ضيوف ماليزيا. ثانيا، الاختلال المالى الداخلى والخارجي. وليس غريبا ونحن نهدر مواردنا الأساسية أن نعانى عجزا مستديما فى الموازنة العالمة للدولة وفى ميزان المدفوعات فنحن ببساطة نعيش فوق قدراتنا. وقد أكد الكثير من المسئولين أن العجز المرتقب قد يصل الى 200 مليار جنيه فى نهاية العام المالى الحالي، أو حوالى 14% من الناتج المحلى الإجمالي. ولن يتم التعامل مع هذه المعضلة دون بدء برنامج قومى للتقشف العام والخاص على حد سواء. ويجب أن يكون التقشف هو سمة العصر الثورى الجديد. أما بخصوص العجز الكبير فى الميزان التجاري، حيث نصدر نصف ما نستورد، فمن الواجب العمل على زيادة تنافسية الاقتصاد المصري. ويحتاج الأمر الى تحسين المرافق العامة بما فى ذلك السكك الحديدية والنقل النهري، وإصلاح جهاز الخدمة المدنية، وتحسين مستوى التعليم الأساسى والجامعي، مع تبسيط إجراءات التقاضي، والقضاء على الممارسات الاحتكارية. ثالثا، من المحزن أن ملف العدالة الاجتماعية مازال يراوح فى مكانه، وهناك مخاوف أن تعود امتيازات الأغنياء ورجال الأعمال التى سادت فى عصر مبارك مرة أخرى. وتمتع هؤلاء أيضا بإعفاءات ضريبية ودعم مباشر ساهم فى تفاقم عجز الموازنة. ومن الواجب، فى المرحلة الجديدة، أن تسارع الحكومة الى جانب زيادة مشاركة الطبقات القادرة فى موارد الدولة عن طريق زيادة الضرائب التصاعدية وتتبع الدخول الخفية فى مجالات المضاربة والعقار والأرباح الرأسمالية، بتطبيق الحد الأدنى للأجور، ووضع برنامج فعال للدعم الاجتماعى إضافة إلى جانب المعونات المادية للفقر والبطالة، وترقية فرص التعليم والتدريب للطبقات المحرومة مع تحسين منظومة الإسكان، والصحة للجميع. لمزيد من مقالات د. علي عبد العزيز سليمان