فى ظل الدعوات المتكررة للتصدى للعنف وأحداث القتل والتخريب التى يشهدها المجتمع، وبرغم الجهود التى تبذلها القوات الأمنية من الجيش والشرطة فى الحد من الإرهاب الذى بات يجتاح بلادنا بشكل غير مسبوق، تأبى يد الإرهاب الآثمة إلا أن تبدد تلك الجهود وتنال من أمن واستقرار هذا البلد. حتى إن دروعنا الأمنية وعيون الوطن الساهرة لم تنج هى الأخرى من بطش ذلك الإرهاب، وكأننا أصبحنا مع بزوغ كل فجر جديد على موعد مع حادث مفجع وتشييع ضحايا وأبرياء. ولأن شيوع الفكر التكفيرى كما يرى علماء الدين يعد السبب الرئيس فى أحداث الاغتيالات والتفجيرات التى يشهدها المجتمع المصرى مؤخرا، مما أدى بأنصار هذا الفكر إلى حمل السلاح فى وجه الأنظمة، واستهداف المقار والمؤسسات الأمنية، واستباحة دماء الأبرياء من أبناء الوطن أو الوافدين إليه من السائحين المسالمين، فقد أكد العلماء أنه لا مقاومة للإرهاب، ولا خلاص من تلك الأحداث المؤلمة إلا بتصحيح المفاهيم المغلوطة التى يستند إليها التكفيريون فيما يذهبون إليه، من خلال برامج متعددة تقوم على الحوارات الفكرية والمناظرات الفقهية، واعتبر العلماء أن السلاح «الفكري» هو الأكثر فاعلية فى التعاطى مع ملف التكفير، لاسيما أن النبى صلى عليه وسلم حاور الكفار، حتى تحولوا من حاملى سلاح إلى أرباب صفوف فى الصلاة. الدكتور القصبى زلط عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر حذر من خطورة التكفير وانتشاره بين الشباب، وقال إن ذلك أخطر على المجتمع من أعدائه الخارجيين، لأنه يحول أبناء المجتمع إلى أعداء، وهى صورة من صور الغلو والتطرف الفكرى نتيجة التعصب لرأى أو مذهب معين ورفض ما عداه، بل وتكفير من يخالف هذا الرأي.. لذلك فلابد من التصدى للتكفير بكل السبل وعدم التهاون أو القليل من خطورته، وقال إن ذلك واجب المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر) فى المقام الأول، بما تتميز به من وسطية واعتدال. وبالرغم من الهوة الشاسعة بين دعاة التكفير وبين الأزهر، نتيجة كراهية التكفيريين لمنهج الأشاعرة الذى يتبناه الأزهر، إلا أن الدكتور القصبى يرى أن ذلك لا ينبغى أن يكون عائقا أمام الأزهر للقيام بهذا الدور، لأن مجابهة التكفير لن تصلح بالسلاح الأمنى فقط، وأن السلاح الفكرى أهم وأولى عند التعامل مع هذا الملف الخطير بحسب رأيه. وقال القصبى إنه بالرغم من أن رموز وأعضاء الفكر التكفيرى قل أن يستجيبوا للحوار فى الوقت الحالى خشية التعرف عليهم وملاحقتهم أمنيا، إلا أنه لا ينبغى أن نستسلم لهذا ونتركهم يضلون ويضللون غيرهم، بل علينا أن نبادر نحن أى علماء الأزهر بعرض الحوار والجدال والمناظرات الفكرية فى الأمور والقضايا التى يتكئون عليها فى تكفير غيرهم، بالإضافة إلى بيان خطورة التكفير للشباب والأجيال الجديدة التى من الممكن أن تنجر وراء هذا الفكر المتطرف وتتبناه.. حتى لو لم يستجب رموز وأعضاء الفكر التكفيري، فعلى الأقل نقى الشباب من الوقوع فى براثن التطرف، وأن نعلن لهم بالحجة والدليل الساطع أن كل ما يقال ليس هو الحقيقة. التكفير السياسى من جانبه قال الدكتور الأحمدى أبو النور وزير الأوقاف الأسبق عضو هيئة كبار العلماء إننا اليوم أمام فصيلين فى المجتمع: فريق يمارس العنف والتكفير ولا سبيل للحوار معه، وهؤلاء يتم التعامل معهم بالقانون، وفريق آخر لا يمارس العنف ولكن يمكن له أن يتأثر بالفكر التكفيرى إذا لم يتم استنقاذه وتبصرته، وهؤلاء الذين يجب التحاور معهم أو بيان خطر التكفير وضرورة الابتعاد عنه، ودعا أبو النور إلى ترسيخ المفاهيم الصحيحة وبيان خطر وطرق الوقاية من التكفير من خلال المقررات الدراسية لدى الشباب فى المدارس والجامعات، كما طالب بتوجيه الدراما والسينما المصرية لخدمة هذا الأمر والعكوف على أعمال فنية تصحح المفاهيم المغلوطة وتبين خطر التكفير على الأمة، وتتضافر جهود الجميع من أجل استنقاذ الوطن والتصدى لأعدائه والمتربصين به من الداخل والخارج. مرض فكرى وفيما يعتبر الدكتور محمد أبو زيد الأمير، أستاذ الفقه وعميد كلية الدراسات العربية والإسلامية بالمنصورة التكفيريين شريحة مريضة من المجتمع، مرضهم فكري، يمكن علاجهم والتعامل معهم وتقويمهم، يرى أنه لابد من تضافر جميع الجهود من قبل أجهزة الدولة مجتمعة فى سبيل التصدى للتكفير بدءا من العلاج الأمنى فالدعوى والتثقيفى وغيرها . وأشار الأمير إلى أن الفوضى والانفلات فى الفتاوى التى تصدر عن غير المتخصصين تعد عاملا خطيرا للترويج للآراء الغريبة وشيوع الفكر المنحرف لدى البعض، مطالبا أجهزة الدولة بسرعة التصدى لذلك وعدم تقديم غير المؤهلين للفتوى بالمنابر أو وسائل الإعلام وتقديم المخالفين للعقوبة الفورية. وقال إن علماء الدين مطالبون بالتركيز على نشر العقيدة الصحيحة برؤية أهل السنة والجماعة الأشعرية التى يدرسها الأزهر منذ ألف عام، ولابد من تقديم المعلومة الصحيحة للتكفيريين سواء ارتضوا الحوار والمناظرات أم أبوا، فنحن اليوم وفى ظل عالم السموات المفتوحة يمكننا أن نصل إليهم أينما كانوا، وإن هم أبوا ذلك، من خلال وسائل الإعلام والإنترنت وسائر وسائل التكنولوجيا الحديثة. كتب لتفنيد الشبهات واقترح الأمير أن يقوم الأزهر والأوقاف بإعداد وطبع كتب ومطويات يتم فيها حصر جميع الشبهات والآراء التى يستند إليها التكفيريون، وتفنيد تلك الآراء وتصحيح الآراء المغلوطة وبيان الأحكام الصحيحة، من خلال نخبة من العلماء المعتدلين وتقديمها للناس والشباب بأسلوب علمى مقنع بسيط يدحض الحجة بالحجة والدليل بالدليل. ويرى الدكتور ناجح إبراهيم القيادى السابق بالجماعة الإسلامية، أن الفكر لا يرد إلا بالفكر، والعنف لا يرد إلا بقوة القانون، وقال إن هناك مساحة أخرى غائبة عن كثير من الناس وهى وقاية الآخرين الذين لم يتلبسوا بالتكفير. والتصدى للتكفير كما يرى الدكتور ناجح إبراهيم يقتضى أمورا عدة يجب أن تتم بالتوازي، أولها: الفصل بين المتظاهرين وبين الذين يكفرون ويفجرون ويقتلون..فبدلا من الاهتمام المبالغ فيه بالمتظاهرين، يجب التركيز الأمنى على سبل الوقاية، مع الحرص على عدم إعطاء التكفيريين ذريعة لاستمرارهم، فلا شك أن الصراع السياسى يؤجج من التكفير، من خلال ما نشاهده يوميا من صراع بين قابيل المصرى وأخيه هابيل المصري، ولا ننسى أن التكفير نشأ فى الأساس على خلفية الصراع السياسى بين سيدنا على ومعاوية رضى الله عنهما. ومما يساعد على الحد من التكفير أيضا: إحداث انفراجة فى المجتمع على جميع المستويات بدءا بالمستوى الاقتصادى والسياسى والفكرى وغيرها، لأن تلك الانفراجات تشغل الشباب وتخفف الاحتقان ولا شك أن غياب المشروع كان من العوامل التى جرفت الشباب نحو التكفير، لأنه حينما لا يجد الشاب شيئا مفيدا يشغله ويكون بلا هدف، فى هذه الحالة التكفير يريحه، وتكون النتيجة أنه يكفر عُشرة ملايين جندى فى الجيش او الشرطة. تغيير الأسلوب الدعوى وطالب ناجح إبراهيم بتغيير الأسلوب الدعوي، والعمل على تقديم دعاة الوسطية الذين نلمس لهم قبولا لدى أصحاب الفكر التكفيري. وهنا يجب على الأزهر والأوقاف التوسع فى القوافل الدعوية وتطوير دورها وأسلوبها بعيدا عن الدور الروتينى والتقليدي..فنحن نحتاج إلى مزيد من الندوات والمؤتمرات العامة فى الشوارع والميادين والمنتديات والمصانع والنوادي، وأن تمتد تلك القوافل لتشمل جميع المناطق لاسيما المناطق البدوية التى يكثر فيها التكفير، وأشار إلى أن الداعية يجب ألا ينتظر من يدعوهم، بل ليذهب هو إليهم. وهذا يتطلب تغيير أساليب وطرق الدعوة التقليدية والنمطية، وابتكار أساليب يقبل عليها الناس وتجذبهم وتؤثر فيهم وتقنعهم بما يقوله الداعية أو المحاضر. فهناك قاعدة مهمة فى الدعوة وهى أن تذهب أنت للناس لتدعوهم ولا تنتظر إلى أن يأتيك الناس. ودعا القيادى السابق بالجماعة الإسلامية إلى إعداد برامج ثابتة للدعاة والعلماء، لبيان حقيقة الأحكام الشرعية التى يستند إليها التكفيريون والتى تدور حول التدمير والتخريب والتكفير لبعض فئات الشعب، وبيان أن كل إنسان مسئول عن نفسه، وأن الكفر والإيمان مناطه القلب، وتوضيح الدلائل الشرعية حول موضوع السياحة، وعقد الأمان الذى يخول عدم المساس بالسياح.. فكثير ممن يتبنون الفكر التكفيرى لو شرح لهم ذلك لتغير فكرهم.