« السوارس صدمتنى يا سى السيد « تكاد تكون أشهر جملة عرفتها شاشة السينما الفضية تلك التى قالتها الست أمينة المغلوبة على أمرها لزوجها الحمش « سى السيد» كما تحب أن تناديه وهى تبرر إصابتها التى أرقدتها على فراش المرض فى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة ، وبالطبع كان مشاهدى أفلام تلك الحقبة يفهمون معنى كلمة « السوارس « التى صدمت الست أمينة ، والسوارس هذه هى موضوع وثيقة هذا الأسبوع ... والوثيقة التى أعرضها هى عبارة عن طلب مكتوب ومرفوع من 60 فردا من طائفة ( ساقة ) سائقى عربات الركوب بالإسكندرية عام 1882 الى مجلس النواب فى ذلك الوقت ونصه كالتالى : عرض مقدم للمجلس من نحو 60 نفراً من ساقة عربات الركوب بالإسكندرية يتضمن أن جملة خواجات تجار أسسوا قومبانية ( شركة ) عربيات الركوب فى شوارع الإسكندرية ، تحمل العربية عشرين شخصاً أو أكثر وبهذه الحالة توقف حال هذه الطائفة وتأخرت فى سداد عوائد الميرى المربوطة عليها وعلى العربيات والمواشي ، ولفقرهم وإقتراضهم أثمان المواشي والعربيات وعدم وجود حرفة لهم خلاف ذلك ، يلتمسون النظر فى إرجاع هؤلاء التجار عن مقاصدهم المؤدية لإضمحلال الوطنيين أو الزامهم بمشترى عربيات العربجية المذكورين وخيولهم ليسعوا على معاشهم فى مهنة أخرى ... وبنظر هذا الطلب بالمجلس صدر قرار لجنة العرضحالات بمجلس النواب برفضه لأنه مقدم لغير جهة الإختصاص ولا صلاحية للمجلس للنظر فيه . ثم قام محمد باشا سلطان رئيس مجلس النواب فى ذلك الوقت بمخاطبة ناظر المالية بشأن هذه القصة ليخطره بالمشكلة التى نشبت بالإسكندرية بين سائقى عربات الركوب والاوروبيين الذين أسسوا شركة الركوب الجديدة والحديثة والتى من الممكن أن تضر أعمال وتجارة الوطنيين . فما كان من ناظر المالية إلا ان قام هو الآخر بإخطار ناظر الداخلية بهذا الموضوع فى وثيقة رسمية بإعتبار أنها ليست من إختصاصه هو أيضاً و لابد من الرجوع للداخلية وإن كان يرى أنه لابد من مخاطبة محافظة الإسكندرية باعتبار ان هذه المشكلة تقع فى نطاق أراضيها .... ويبدو أن هذه الشكوى لم تجد أى إستجابة فى أروقة الحكومة فى ذلك الوقت بل على العكس كثرت هذه الشركات وتطورت وصارت لها خطوط سير محددة قبل ظهور إختراع التروماى أو «العفريت الكهربا» كما كان يطلق عليه. وبهذا يتضح لنا ان هذه الوثيقة هى عبارة عن شكوى مرفوعة من سائقى العربات المصريين ضد الشركات الجديدة والحديثة التى أوشكت على القضاء على مصدر رزقهم مطالبين الحكومة بالتدخل إما لإجبار الشركة على شراء بغالهم وعرباتهم البسيطة ليعملوا فى مهنة أخرى أو لإيقاف نشاطها من أساسه . والسوارس لمن لا يعرف هو اسم كان يطلق على العربات التى تجرها البغال أو الخيول - وهى التى ورد ذكرها فى الشكوى الموجودة بالوثيقة - وكانت تستخدم كوسيلة مواصلات لنقل الركاب فى أواخر القرن ال 19 أوائل القرن العشرين قبل اختراع السيارات ووسائل النقل الحديثة وجاءت هذه الوسيلة كتطور طبيعى لاستخدام الحمير والبغال فى التنقل بشكل فردى مما دعا مجموعة من الناس الى التفكير فى استحداث وسيلة نقل تتسع لعدد أكبر من الأفراد وتكون على شكل عربة خشبية تجرها البغال والخيول وسميت « إمنيبوس » أما اسم سوارس فقد أطلقه الركاب والمواطنون عليها نسبة الى صاحبها والذى ينتمى الى إحدى أشهر العائلات اليهودية فى ذلك الوقت وهى عائلة « سوارس » والتى احتكرت هذا النوع من المشروعات مع عدد قليل من العائلات اليهودية الأخرى التى كانت تعيش بمصر . المثير فى هذه الوثيقة هو وجود إمضاء محمد سلطان الذى عين مرتين رئيساً لمجلس النواب فى عهد الخديو توفيق ويعتبر شخصية مهمة بسبب ما أثير حوله من أقاويل حول علاقته بالانجليز وخيانته لعرابى ، وقد سجل له التاريخ تقدمه بهديةٍ فاخرة من الأسلحة، إلى قائد الأسطول الإنجليزي الذي دمر الإسكندرية بقنابله والقائد العام للجيش البريطانى وذلك «شكراً لهم على إنقاذ البلاد من غوائل الفئة العاصية» كما ورد في جريدة «الوقائع المصرية». وقد أنعمت عليه ملكة بريطانيا فيكتوريا برتبة «سير» جزاء لخدماته لبلادها، وأنعم عليه الخديو بعشرة آلاف من الجنيهات الذهبية كمكافأة الغريب أن سلطان باشا كان يُحسب في البداية على العرابيين، حتى جعله قنصل فرنسا العام وسيطاً بينه وبين العرابيين بهدف قبول مطالب انجلتراوفرنسا الخاصة بطلب استقالة وزارة البارودي وخروج عرابي من مصر مؤقتاً مع احتفاظه برتبه ومرتباته، وتحديد إقامة علي باشا فهمي وعبد العال باشا حلمي – وهما من زملاء عرابي وكبار قادة الجيش- في الريف ..... وقدم سلطان باشا – كما ذكر عبد الرحمن الراف عي في كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي»- هذه المقترحات وكأنها من أفكاره، فرفضها العرابيون، بل وفقدوا من بعدها ثقتهم في الرجل الذي انضم بدوره إلى صف الخديو توفيق و بالمناسبة محمد باشا سلطان هو والد ناشطة الحركة النسائية نور الهدى محمد سلطان، المعروفة باسم هدى شعراوي نسبة لزوجها شعراوى باشا. [email protected]