أنهى الإعلان المفاجئ للرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة ترشيح نفسه لولاية رابعة فى انتخابات الرئاسة المقبلة بالجزائر تكهنات استمرت عدة شهور حول مستقبل بوتفليقة بعد أن زادت رحلاته العلاجية الى العاصمة الفرنسية باريس . وجاء إعلان الترشيح بالوكالة، على لسان رئيس الوزراء الجزائرى عبد المالك سلال، بمدينة وهران (غرب) عن ترشح بوتفليقة لولاية رابعة معتبرا أن هذه الخطوة تأتي تلبية لمناشدات المواطنين، وبعد تفكير طويل من بوتفليقة، ومن أجل استكمال جهود الإصلاح والاستقرار.. ونفى الوزير الجزائرى ما يروج عن أن الانتخابات ستكون محسومة مسبقا، مشيرا الى أنه لا وجود لأى حسم مسبق للانتخابات الرئاسية: وفى إشارة واضحة لانتقادات المعارضة المتعلقة بصحة بوتفليقة قال سلال فى تصريحات أوردتها وكالة الانباء الجزائرية إن الرئيس فى حالة صحية جيدة ويتمتع «بكل طاقاته الفكرية والرؤية اللازمتين لتولى هذه المسئولية». وفيما يتعلق بالحملة الانتخابية قال سلال أن الرئيس ليس ملزما بفعل كل شيء وان أعضاء لجان المساندة يمكنها التكفل بالعملية. لكن المنتقدين يقولون إن بوتفليقة الذى لم يظهر علنا إلا نادرا منذ عودته من العلاج فى فرنسا العام الماضى ليس فى حالة صحية تسمح له بالترشح ويجب أن يتيح الفرصة لجيل جديد من الزعماء لتولى المسئولية. وطالب أحد زعماء المعارضة بوتفليقة بالكشف عن سجلاته الطبية قبل السعى للترشح مرة أخرى. وقال عبدالله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامى للصحفيين، إن الدليل على أن بوتفليقة ما زال مريضا هو انه غير قادر حتى على أن يعلن بنفسه قرار ترشحه لفترة رئاسية رابعة. ودعا جاب الله إلى مقاطعة الانتخابات. وعلى الأمد القصير يعنى تولى بوتفليقة الرئاسة لولاية جديدة الاستقرار لدولة شريكة فى حملة أمريكية على المتشددين الإسلاميين فى منطقة ما زالت تعانى الاضطرابات بعد انتفاضات فى دول أخرى بشمال إفريقيا مثل تونس وليبيا ومصر. لكن الجزائر فى حاجة ايضا إلى إصلاح اقتصادى جاد لجذب المزيد من الاستثمارات إلى قطاع النفط والغاز وتقليص القيود على الاستثمارات خارج قطاع النفط فى اقتصاد ما زال يعانى آثار سنوات من التحكم المركزي. وكانت جبهة التحرير الوطنى الحاكمة فى الجزائر، ومعها حليفها فى البرلمان والحكومة التجمع الوطنى الديمقراطي، وأحزاب أخرى عدة، أعلنت دعمها لاستمرار الرئيس فى الحكم ضمانًا للاستقرار ولإتمام المشاريع الاقتصادية. وفى أول ردود الفعل على قرار ترشح بوتفليقة، سارع رئيس حزب جيل جديد، جيلالى سفيان، الذى تقدم منذ أسابيع لخوض الاستحقاق إلى الإعلان عن انسحابه من الانتخابات، وبرر قراره برفضه ترشح بوتفليقة لولاية رابعة. أما بالنسبة لأحزاب التيار الدينى أعلنت 3 أحزاب اسلامية فى مقدمتها حزب حركة مجتمع السلم -الاخوان المسلمين-و حزب العدالة و التنمية مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة 17 شهر ابريل المقبل. وقال القيادي، فى حركة النهضة الإسلامية، إن ترشح بوتفليقة كان متوقعا ، مشيرا إلى أن هذا السيناريو كان معدا مسبقا، والطريقة لا تليق، لأن المعمول به هو أن المعنى بالأمر هو الذى يقوم بالإجراءات وليس بتفويض شخص آخر. وأكد أن الاعتداء الذى استهدف الدستور فى العام 2008 من طرف بوتفليقة بفتح باب تعدد العهدات الرئاسية، كان من أجل البقاء فى السلطة. كما أعلن حزب الصحوة الحرة السلفى غير المعتمد من قبل السلطات الجزائرية مقاطعة هذه الانتخابات بحجة أن بوتفليقة سيفوز فى الانتخابات المقبلة. وجاء قرار ترشح بوتفليقة لولاية رابعة مفاجئا للرأى العام وللطبقة السياسية، التى كانت تأمل فى ابتعاده عن المشهد والسماح بفتح الاستحقاق الانتخابى أمام المتنافسين من أجل إحداث التغيير المنشود. خاصة فى ظل التحليلات التى ذهبت لمصلحة سيناريو مرشح إجماع يقود مرحلة انتقالية، بهدف سن دستور جديد، وبناء مؤسسات دولة قوية وديمقراطية. وقال مراقبون محليون إن الطبقة السياسية الواقعة تحت الصدمة والخيبة من حدوث التغيير المنشود سترغم على البحث عن البدائل المتاحة لديها، بعد ميل الكفة لمصلحة بوتفليقة.. وينظر الموالون لبوتفليقة للرئيس على أنه الرجل الذى أعاد للبلاد السلام والاستقرار الاقتصادى بعد صراع دموى مع الاسلاميين فى التسعينات. ويشعر كثير من الجزائريين بالقلق من حدوث أى اضطرابات بعد تلك التجربة الدموية خاصة أن المعارضة لاتزال ضعيفة فى الجزائر. ويرى المحللون أن إعلان قرار ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة ورد فعل المعارضة عليه يعد حدثًا كاشفًا عن وجود تصدعات حقيقية داخل بنية النظام السياسى الجزائرى سواء فى السلطة أو فى المعارضة. فعلى صعيد حزب جبهة التحرير الوطنى الحاكم، كشف القرار عن وجود خلافات وعدم تنسيق داخل أروقة الحزب، وهو ما انعكس فى تصريحات عبدالرحمن بلعياط وعبدالكريم العبادة الرافضة لإعلان أمين عام الحزب عمار سعدانى ترشيح بوتفليقة، مؤكدين أن سعدانى يعبر عن آراء شخصية لا تلزم أنصار الحزب مادام القرار لم يصدر بعد من الجهة المنوطة بذلك، وهى اللجنة المركزية للحزب، والتى لم تجتمع بعد. أما على مستوى المعارضة، فقد كشف رد فعلها المشتت عن ضعفها الشديد، وعدم قدرتها على التنسيق فيما بينها، وبطئها فى اتخاذ القرار، وذلك على الرغم من أن قرار إعادة ترشيح بوتفليقة كان متوقعًا منذ فترة، خاصة بعد عودته من رحلة العلاج، وظهوره فى العديد من المناسبات الوطنية والعامة، واتجاه نظامه إلى تعديل الدستور بشكل يغلب عليه قدر كبير من عدم الشفافية والغموض، وهو ما يتزامن مع إجراء تعديلات جوهرية فى قيادات أجهزة الاستخبارات، فى محاولة واضحة لإحكام قبضته والسيطرة عليها. كما أن المعارضة لم تستطع التنسيق فيما بينها لاختيار مرشح واحد تدعمه فى مواجهة بوتفليقة فى حالة ترشحه، حيث تعددت الأسماء بين على بن فليس، وأحمد بن بيتور، وأحمد أويحيي، ليس هذا فحسب، بل إن المعارضة لم تتبن سيناريو موحدًا للتعامل مع ترشح بوتفليقة. فقد قرر البعض الاستمرار وخوض العملية الانتخابية بمرشح توافقي، خاصة حزب جبهة التغيير بقيادة عبد المجيد مناصرة، فى حين طرح البعض الآخر خيار المقاطعة، لا سيما حزب العدالة والتنمية بقيادة عبد الله جاب الله، علمًا بأن أيا من خيارى المشاركة أو المقاطعة لن يؤتى ثماره إلا باتفاق شامل بين كل أطياف المعارضة عليه.