بادىء ذى بدء.. فإن الحديث هنا مقصود به تسويق (بالقاف).. وليس لا سمح اللَّه تسويء (بالهمزة).. يعنى المقصود هنا هو النطق بالعربية الفصحى وليس بالعامية.. كى لا تذهب الظنون بأحد.. فيتخيل كده ولا كده.. إذ الفرق كبير جدا بين القاف والهمزة. أصل الموضوع.. تصريح أدلى به خبير الدعاية والإعلان الشهير طارق نور.. متحدثا عن عدم كفاية مبلغ العشرة ملايين جنيه للدعاية للرئيس الجديد فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.. قال الرجل: إن تسويق (بالقاف!).. الرئيس سيحتاج إلى 40 مليون جنيه على الأقل.. ثم تساءل: كيف تكفى عشرة ملايين جنيه لتسويق الرئيس.. بينما تسويق منتج المياه الغازية يتكلف 580 مليون جنيه؟ وللذين قد لا يعرفون.. فإن اصطلاح المياه الغازية يعنى بالبلدى «الحاجة الساقعة» التى يتناولها المرء بعد سندويتش فول بالزيت الحار والليمون والبصل بالهناء والشفاء.. وقد جاءت منها المقولة التاريخية للممثل الراحل سيف اللَّه مختار حين قال: «حلوة وساقعة ما اشربش ليه».. وهى أيضا التى بنت عليها ليلى نظمى تحفتها الرائعة: «ما اشربش الشاى.. أشرب أزوزة أنا»! إذن نحن هنا بصدد مقارنة فلسفية ومقارعة عقلية بين الرئيس والحاجة الساقعة.. فلنقارن: أولا: يا سيدى.. إن الرئيس فى أى دولة وفى أى زمان ومكان.. يجب أن يكون دافئا.. ولا يمكن أن يكون «حاجة ساقعة».. والدفء هنا ليس فقط الدفء العاطفى الرومانسى.. بمعنى أن يحب الرئيس شعبه وأن يحبه شعبه.. بل يجب أن يكون دفئا عقليا قائما على رجاحة العقل وسكينة الروح، واتزان القرارات.. حتى لا نفاجأ برئيس «عنترى».. انفعالى مغرور.. يوردنا موارد التهلكة والعياذ باللَّه. وثانيا: يا أستاذنا.. فإن الحاجة الساقعة مملوءة بالفقاعات الغازية الفارغة الناتجة عن الصودا المكثفة الممزوجة بالماء والسكر والخلطة السرية.. ويقينا فإن الشعب لن يقبل بعد ثورتين مجيدتين رئيسا مملوءا بالفقاعات، سواء كانت فقاعات كلامية أو شعارات جوفاء لوذعية.. أو فرقعات تليفزيونية وإذاعية.. ثم نصحو بعد مازال الرحيق.. فإذا (نحن وهو) كل فى طريق.! وثالثا: يا خبير الخبراء.. فإن الحاجة الساقعة لا تسمن ولا تغنى من جوع.. ولا تزيل الخوف.. أننا نشربها (كما سبق أن شربنا نحن الطيبين المستسلمين رؤساء عديدين من قبل).. متصورين أنها سوف تساعدنا على الهضم.. فإذا بها لا تهضم ولا حاجة. إن الرئيس الجديد يا سيدنا يجب أن يساعدنا على الهضم بجد .. هضم الآلام والمتاعب والمخاوف والمشكلات التى لا حدود لها.. سواء على مستوى الانفلات الأمنى، أو التدهور الاقتصادى أو دوامات الفساد والبيروقراطية أو التدنى الفاضح لخدمات التعليم والصحة والطرق والمرور والاتصالات.. فضلا عن الانترنت البطىء الذى طلعت معه وبه أرواحنا فى الأيام الأخيرة. ورابعا: فإن الحاجة الساقعة قد تكون ساقعة أكثر من اللازم أو ساخنة راكدة أزيد من المطلوب.. فنضطر لركنها بجوار الحائط ثم نمضى ولن نخسر شيئا. وطبعا سيادتك تعلم أننا نحن الشعب قد ركنا فى السنوات الثلاث المنصرمة رئيسين اثنين.. أحدهما أسبق والثانى سابق.. وقد سئمنا لعبة «الركن» هذه ونتطلع إلى رئيس «عليه القيمة».. نبدأ معه رحلة بناء حقيقية.. تأخذ بيد البلد لتخرجه من ظلمات التخلف والهيافة الحضارية.. إلى نور الشفافية والرقابة و المحاسبة و الجدارة التاريخية. وخامسا: فإن الحاجة الساقعة تظل طلعت أو نزلت مجرد مكملات أو فواتح للشهية أو ترفا يمكنك الاستغناء عنه فلا يفوتك الكثير.. ولذلك تجدهم ينفقون 580 مليون جنيه لتسويقها بيننا.. أما الرئيس فهو بالنسبة لنا فى مصر الآن احتياج اساسى وضرورة حياة أو موت.. نحن نريد رئيسا يدرك إيقاع العصر وأسراره وآلياته.. رئيسا لا ينام.. وكيف ينام وعياله جائعون نائمون فى البرد تحت الكباري؟ وخلاصة القول يا أستاذ طارق.. فإن المقارنة بين التسويق للمياه الغازية و التسويق وليس التسوئ للرئيس الجديد هى مقارنة «غريبة حبتين». ونعلم يقينا أنك أبدا لم تقصد إلى هذا المعنى.. لكن من أدرانا أن يكون ثمة آخرون يفكرون بهذه المعانى.. بل يسعون لتحقيقها على الأرض.. ليكون الرئيس القادم فى جيوبهم.. ربنا يستر! لمزيد من مقالات سمير الشحات