أول مسرحية قدمها الفنان محمود الجندى كان إسمه فيها (مبروك حسين على حسنين البلقاسى) وكان يغنى الإسم وهو يقدم نفسه كفنان ناشئ قادم من الريف يبحث عن فرصة فى القاهرة هوليوود الشرق بحكم طبيعة الدور داخل المسرحية. وعندما أحس بالإحباط وهزمت المدينة القاسية أحلامه البريئة قدم أغنية تقول : أنا مالى ومال الدنيا ومال الفن ومال الناس .. أحسن لى ان أنا أتلم واشوف مصلحتى واروح بلقاس .. تسببت نبرة الصدق والشجن فى صوته إلى إحداث عاصفة من التصفيق للممثل الشاب وقتها محمود الجندى. وفى عرض اللى بنى مصر يقف النجم الكبير الجندى محتضنا مجموعة من الشباب الموهوب ليقدم بينهم دور تمثال طلعت حرب الواقف فى الميدان الشهير يتأمل التحولات الاجتماعية والاقتصادية لمصر، حزينا متحسرا .. ثم يقرر أن يهبط من فوق قاعدة التمثال فى محاولة للإصلاح وتذكير المصريين بضرورة أن يبنوا وطنهم . كتب المسرحية الراحل الكبير محسن مصيلحى أحد شهداء محرقة بنى سويف دون أن يرى ما آل إليه حال ميدان طلعت حرب من عشوائية وانتشار للباعة الجائلين وإن كان قد تنبأ بحالة الانفلات الحالية . وأخرج المسرحية الفنان الشاب الواعد إسلام إمام الذى استطاع المزج بين خبرة الجندى وطاقة وحماس الممثلين الشباب ليقدم عرضا مليئا بالحيوية والفرجة المسرحية الجذابة مع الحفاظ على القيمة الفكرية للنص . مضيفا لمسته الإخراجية مستعينا بديكور حازم شبل وموسيقى وليد الشهاوى وأزياء مها عبد الرحمن ..وتألق الفنان هشام إسماعيل فى دور الشاب الباحث عن وظيفة أو شقة أو هدف فى الحياة القاسية التى تدفعه إلى العمل فى الإعلانات المسفة .. كما تألقت سحر علام فى دور الفتاة المخطوبة التى تطول خطبتها وترى أجمل سنوات عمرها تذبل أمامها دون بارقة أمل فى الزواج أو إيجاد فرصة عمل . وقدم مدحت تيخة باقتدار شخصية المثقف الواعى بقيمة رجل الاقتصاد العظيم طلعت حرب لكن المعرفة الأكاديمية شئ والواقع المرير شئ أخر يجعله أقرب للمجاذيب فى الشوارع . ونجح أحمد فتحى بحضوره الكوميدى فى تجسيد شخصية ضابط الشرطة المهتم بإتمام الإجراءات الشكلية والخروج من دائرة المسئولية حتى لو أدى الأمر إلى ضياع تمثال طلعت حرب أو مشروعه الوطنى . ولمع أيضا فى العرض أحمد عبد الهادى ومحمد ثروت وعلى كمالو والوجوه الصاعدة سعاد ومدرونة و أبو زيد ومحمد مصطفى ومحمد اكرام .. ولعل من أهم ما يطرحه عرض اللى بنى مصر مشهد محاكمة الشباب المتطرف دينيا للزعيم طلعت حرب باعتباره رجلا فاسدا من وجهة نظرهم لأنه أنشأ بنكا والبنوك ربوية كما أنشأ ستوديو مصر والسينما حرام .. حسب رؤيتهم القاصرة .. ويرد محمود الجندى المجسد لشخصية طلعت حرب ليشرح لهم ما كان يظن أنه بديهيات.. ثم يتركهم غاضبا متحسرا لأن فى زمنه القديم كان أفق الناس أكثر اتساعا .. واعتزازهم بوطنهم أقوى رغم وجود الاستعمار وحماسهم للبناء أعظم .. ويعود تمثالا صامتا وقد دلنا برحلة كفاحه إلى أول طرق البناء.