للنجومية ضرائب عدة، وعلى من يتبوأها أن يراعي شيئين أساسيين؛ أولهما، الحذر من فرط الغرور، ثانيهما، أن يكون على يقين تام من أن الجمهور شديد اليقظة، مضاد (للتصنع)، متقلب المزاج، قادر على الهبوط في لمح بالبصر بأعلى النجوم من عنان السماء، كمثل ما رفعها يوما في الاتجاه المعاكس!! استمعت أخيرا إلى ألبوم (أنا كتير) للفنانة المطربة شيرين عبد الوهاب وكانت لي هذه الملاحظات: على جميع الواردة أسمائهم في هذا المقال فيما عدا الفنانة شيرين قطعا التيقن من أنني لم أكتشف الأسماء إلا و أنا أنسخ المقال في شكله النهائى؛ أما في أثناء فترة الاستماع والتحليل، فلم أكن أعرف من فعل ماذا؛ وإنما كنت أدون ملاحظاتي و انطباعاتي بشكل مجرد تماما بعيدا كل البعد عن أي شائبة تحيز أو مجاملة. الألبوم ضم أغنيات عديدة جيدة، ولكن الأمر لم يخل من عدة أغنيات أدخلت شيرين (بقوة) في المساحة (الرمادية) الواقعة بين أداء الراحلة ثريا حلمي في اسكتشاتها (المستظرفة) في تياتروهات أفلام زمان، وأداء اللبنانية (قمر) التى انطفأت جذوتها فور توهجها بعد أغنيتها الوحيدة (أوه كيسكليا..أوه لا لا لا) منذ عامين تقريبا!! صورة الغلاف لا علاقة لها من قريب أو بعيد بشكل شيرين الذي نعرفه؛ ولولا أن (اسمها مكتوب) عليه لما تعرفت عليها أبدا، وهذا ينم عن فرط غرور.. من جانبها!! الموزع الموسيقى توما اعتمد في مستهل أغنية (ومين اختار)على نغمة شديدة الاستفزاز أعتقد أن مقصدها تجاري يستهدف عالم رنات الموبايل وليس المستمع، راح يسكب عليها الباص جيتار والجملة الإيقاعية بقوة، وإن جاءت جملة الفاصل الموسيقى بين الكوبليهات شجية سرعان ما تداهمها الجملة المستفزة إياها! الملحن وليد سعد صاغ اللحن مستسهلا في فكرتين في مقام الكرد. الشاعر خالد تاج الدين صاغ فكرته عن قدرية الحب بسلاسة، وإن أربكت شيرين قافيته بتكرار بعض الالفاظ في غير مكانها تمشيا مع اللحن كمثل تكرار لفظ (أعيش) في نهاية مقطع (أعيش أنا عمرى.. أعيش) والذي تممه! نموذج لاسكتشات ثريا حلمي التي أشرنا إليها سالفا يتجسد في أغنية (عنده داء السيطرة) للشاعر عمرو الجارم، وزاد الحسن حسنا اختيار الموزع توما لمذاق إيقاعي أعاد للأذهان الجمل الإيقاعية لبدايات الفنان هاني شنودة في نهايات السبعينيات،سكب عليها مردات مذيلة لخط الغناء بواسطة الوتريات جاء معظمها مستنتجا، ثم مردات أخرى لآلة الترومبيت أمعنت في الإيحاء بأجواء الهزل قبل أن تنطلق هذه الآلة في تقاسيم على خطى فرقة حسب الله الشهيرة! الفنانة شيرين استبدلت حرف الزاء بحرف الظاء في لفظ (فظيع) فجاء نطقها (فزيع) بصراحة! الملحن إيهاب عبد الواحد أجاد في وضع لحن أغنية (متاخدة م الأيام) في مقام نهاوند؛ حيث نجح في التعبيرعن عمق معاني كلمات الشاعر محمد سرحان، والذي جسد مشاعر حيرة الحبيبة بحرفية بالغة. و كم كان إيهاب موفقا في الانتقال إلى مسافة الأوكتاف في كلمة (خايفة) ثم إلى مسافة التاسعة في كلمة (أخاف) بعدها. الموزع أحمد إبراهيم استهل الأغنية بافتتاحية رائعة في حد ذاتها استخدم فيها جيتار شريف فهمى الذي أجاد في العزف عليها والتآلفات تنهمر بينما تزخرفها التقاسيم ترد عليها وتريات سعيد كمال العريضة، إلا أن المقدمة كانت تصلح لأغنية أخرى؛ حيث جاءت منفصلة عن اللحن تماما، وكان من الأفضل أن تبدأ الأغنية بجزء الجملة الإيقاعية التى تلت هذه المقدمة تدعمها صرخات الوتريات، تمهد لدخول خط الغناء. غناء شيرين جاء متفردا. الملحن خالد عز أجاد في وضع لحن (ياليالي) في مقام نهاوند كردي؛ حيث تعامل مع معاني الكلمات بحرفية ويتجلى ذلك في حراك الاتجاه النغمي لشطري(ياليالي روحى..) و(روحي رايحة عليه). الموزع أحمد إبراهيم أجاد أيضا في المدخل النغمي للأغنية بنقرات الكيبورد يتسرب إليها الإيقاع المقسوم، تدعمه أشجان الوتريات فتسلمه إلى خط الغناء، ترد عليه الوتريات ببورتامنتو موفق، وترتكز معه الآلات على الإيقاع المصمودى ركوزا. شيرين تفوقت على نفسها في الأداء، وجاءت ارتجالاتها متمكنة، ثم كم كانت همهماتها مع نهاية الأغنية قوية شديدة الإحساس!! عودة إلى المساحة الواقعة بين المغنية قمر والراحلة ثريا حلمي في أغنية(شكرا ياشهم). الكلمات اقتربت من مستوى لغة العوام كثيرا على غرار (ماتخدهاس على قلبك) و(قصر شطبنا خلاص ياللا ملاكش حظ). وقد أخفقت شيرين في كثير من مخارج الألفاظ فجاءت الكلمات غير واضحة تحتاج إلى تركيز شديد لفهم أو قل استنتاج المعاني. توزيع توما جاء جيدا، وقد أعجبني مدخل القانون على الأوكتافات المنخفضة يتسرب إليه خط الغناء تصحبه تآلفات الكيبورد وبعض ملامح الإيقاع، وسرعان ما تنتظم الخطوط جميعا إلا من خط الباص جيتار والدرامز واللذان يدخلان بقوة بعد ذلك لحن محمد يحيى جاء مناسبا في مقام الكرد. لحن (خاينين) للفنان الملحن خالد عز أراه متربعا على قمة ألحان الألبوم. ولقد جاء اللحن رقيقا مختلفا معبرا غير نمطي في مقام حجاز عجمي عن كلمات صاغها الفنان نصر محروس، وأرى هذا اللحن نموذجا ومقياسا فاصلا للألحان التي يجب أن تستهدفها شيرين حين الخروج على الناس. الموزع توما أجاد في اختيار نوعية الآلات المستخدمة وبخاصة آلة الجيتار الأسباني تزخرفها إيقاعات آلات البركاشن ويمتلك زمامها عزف متمكن على آلة الكلارينيت؛ ثم ما أجمل جملة آلة العود ومرداتها في الفاصل الموسيقي. إحساس شيرين بالكلمات واللحن جاء شديد التميز. لحن الفنان عمرو مصطفى جاء (شقيا) شديد الحراك في أغنية (في ليلة) في مقام نهاوند. ويعد اللحن نموذجا للألحان الخفيفة (الشقية) التي ترنو شيرين إلى تأكيد خطواتها على طريقها. الموزع توما أجاد أيضا في اختيار الجملة الإيقاعية المناسبة يصاحبها خط باص جيتار حي جيتار حي و نقرات موفقة للجيتار الإليكتروني. إحساس شيرين و أداؤها جاء منطلقا وشطحاتها الغنائية جاءت في السياق ببراعة، ولقد أضافت للحن كثيرا من الشجن.كلمات خالد تاج الدين عبرت بحرفية عن صدمة المحب في حضرة حبيبه. لحن إيهاب عبد الواحد في أغنية (مش خايفة)عكس حالة اليأس والإحباط التي تملكت الحبيبة المصدومة بحسب كلمات محمد سرحان، وإن كنت أتصور أن اللحن كان بحاجة إلى انتقال أو ربما تصوير ما على نغمات أعلى يجسد الحراك الدرامي للمعاني المغناة ليخلص اللحن من قيده اتساقا مع ما توحي به الكلمات من عدم خوف في مواجهة واقع عاطفي أليم. توزيع توما جاء استاتيكيا بالتبعية يعتمد على النغمات العريضة وأعتقد أن التوزيع كان بحاجة إلى خط كونترابنطي يوحي بكثير من الحراك.. ولكنها أذواق! مهندس الصوت و الموزع الموسيقي أجادا معا في اختيار لحظة الصمت الآلى مع شطر (يضيق نفسي كأني باموت) ما نقل إلى المستمع إحساس الاختناق. أغنية (قلة نوم) جاءت نموذجا للميل ناحية أغنيات المغنية قمر بحق دونما أي تعليق من جانبي! أغنية (تجربة مؤلمة) جاءت بحق تجربة مؤلمة تذكرني بتسجيلات استديو 35 إذاعة التي تذاع في فترة الظهيرة لملء الفراغات البرامجية!! الملحن خالد عز أجاد مرة أخرى في وضع لحن أغنية (أنا كلي ملكك)؛ وقد جاء اللحن رصينا متمكنا في مقام العجم، وعبر خلاله عز بحرفية عن كلمات الشاعر الرقيق أمير طعيمه، والذي جسد معاني الذوبان في المحبوب بإحساس صادق، وإن أختلف معه في تعبيره (الحب كلمة قليلة بالنسبة ليك)؛ وكان الأنسب(ق ليلةعليك) مع مراعاة الوزن طبعا؛ ذلك لأن (بالنسبة ليك) تعطي إحساسا بأن المحبوب يحتقر الكلمة، وليس ما قصده الشاعر من أن الحب يعد وصفا غير كافيا لما يشعر به الحبيب. أجمل ما في توزيع أحمد إبراهيم أنه لم يفرض نفسه وأخلى الساحة بحرفية للاستماع دونما استعراضات لا معنى لها. مهندس الصوت الفنان محمد صقر عرف كيف يضع كل آلة في نصابها الصحيح، وبرغم اعتماد التوزيع على الوتريات، ترى صقر أفسح المساحة للسمع دون أن يفقد المستمع حقه في الاستمتاع بخط الوتريات.. وبقية الآلات! إحساس شيرين بالأغنية جاء رائعا. الموزع الموسيقي حسن الشافعي هو نجم أغنية (أنا كتير) بتقاسيم منطلقة عفية لآلة الكلارينيت في مقام حجاز أويج بأنامل المحترف التركي حسنو.. يمهد لدخول الأغنية في مقام الحجاز عجمي تتسرب إليه الأربيجات وتلاحقه إلى أن تسلمنا لخط العناء؛ وجملة درامز عفية يدعمها خط باص جيتار قوي التركيبة، ودخول قوى للتآلفات الوترية شديدة التجانس تصرخ في نهايات أشطر الغناء بجمل غير مستنتجة، ولم يزل الكلارينيت هائما في المشهد السمعي . وكم كان الشافعي موفقا في اختيار لحظة الصمت مع شطر (وباسرح فيه..) فسرحنا معه! الشاعر(الحقيقي) أحمد الحبشي أجاد بحق في التعبير عن حالة إنسانية مغلقة على ذاتها، مزهوة بنفسها، قوية الإرادة، شديدة الإحساس بالكبرياء.. وهو نوع من بشر قليل العدد، لايفهمه إلا الأذكياء الأقوياء، يتصوره الناس غير موجود بينهم، لكنه موجود، مكتفي، لايفصح عن ذاته.. احتراما لهذه الذات!!