لم تكن مفاجأة كما يتخيل الكثيرون، إعلان البرادعي انسحابه من سباق الرئاسة، فالرجل دائما ما يعلن أنه تحت أمر الوطن في رئاسة الحكومة تارة، وأخري في ترشيحه لأي منصب، ولكن لم يحدث، فهل أحبط أم تراه آثر السلامة في وقت نحتاج فيه لكل عقل مخلص؟ أم استبق الأحداث، وقرر اعتزال المنافسة خوفا من القيل والقال، أم وجد أن أرضيته لدي رجل الشارع لا تكفي للإتيان به رئيسا لمصر، ولماذا اختار البرادعي هذا التوقيت تحديدا للانسحاب؟ هل من هدف لديه؟ لقد أعلن احباطا أو إن صح التعبير يأسا من عدم تطبيق ما يؤمن به اتفقنا أو اختلفنا معه ليس مهما، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يقاوم البرادعي؟ ما الذي منعه من النضال كي يحقق ما يصبو إليه للوطن، ثم ألا تستحق مصر المثابرة والتحمل والجلد؟ إن كان ما يطرحه الرجل سيجعلنا في مصاف الدول المتقدمة، فلماذا يبخل به علينا، وهل من السهولة أن يتخلي عن بلده الذي يملك له مفاتيح التفدم والرقي؟ ما أعرفه ويؤمن به كل صاحب هدف، أن هناك صعوبات، والطرق دائما ليست مفروشة بالورود بل بالمطبات، وما رحيل النظام السابق إلا خير دليل علي هذه الصعوبات التي بذل فيها الثوار الحقيقيون أرواحهم النبيلة، وفقدوا مع مطالبهم عيونهم؟ فهل هناك أغلي من النفس؟ فما بالك بتنافس علي رئاسة دولة كمصر ألا يستحق هذا التنافس البذل والعطاء وكثيرا من الإيثار؟ ليته أخبرنا عن اكتشاف جديد دعاه للانسحاب، أو قل سببا يجعلنا نجتمع لمطالبته بالرجوع عن قراره، الرجل لم يفعل إلا أن تمني للشباب إن يتقدموا لأخذ المناصب، وتشكيل ما يسمونه حكومة يرضون عنها، فكل الحكومات باطلة، لأنهم لم يقوموا بتشكيلها،لا أعتقد أن تشكيل الحكومات مثلا يخضع للهوي، وليست مصر كلها الآن علي الأقل كقلب رجل واحد، فما أوافقك عليه يا سيدي، قد يختلف عليه آخرون، فلماذا إذن لابد أن يكون هؤلاء المختلفون فلولا أو علي أقل تقديرلا يفهمون مصلحة مصر؟ كل الفئات في مصر صارت فجأة صاحبة الرأي الصواب،وما عداها هو الباطل بذاته، هذا إن نجاه المولي عز وجل من تهمة الخيانة لأنه يختلف وتجب محاكمته، لقد اشتقنا بالفعل لمن يعلن أمامنا أنه كان علي خطأ وعاد الي صوابه، وكأن للوطنية صكوكا صارت توزع لمن يستحق حسب رؤية مانح صك الوطنية، وهذا غير حقيقي، ولن يكون، لأن مصر ليست ملكا لأحد، ولا يملك فيها فرد يمنح ويمنع، فهذا زمن مات لا أرجعه الله، اتركونا نختلف دون رهبة، لنقول كلمة حق في سبيل الله، وليس من الضروري أن تكون كلمة موافقة لما تؤمن به من رؤية أو موقف، المهم ألا ننزلق للمنافع والمصالح، والمهم جدا ألا نتفرغ لمحاربة أنفسنا تحت وطأة المفهوم الضيق المنطلق من باب أن من يختلف معي فهو عدوي، وكيف أصبح فجأة عدوا لك وبالأمس القريب كنا نتمي معا سرا، وأحيانا قليلة جهرا، أن يموت النظام؟ لقد قال الشعب كلمته في انتخابات مجلس الشعب، ولن أحاسب شعبا اختار، لن أكون وصيا علي شعب أعطي صوته لمن أراد وسيختار رئيسه أيضا بالكيفية التي يريدها، فهل معني أن يختار الناس من أرادوا أنهم علي خطأ؟ ليست القضية إذن في الخطأ ولا في الصواب،ولا في الاختيار، إنما القضية الحقيقية أن الشعب هو الذي اختار وبحرية وديمقراطية أذهلت من يراقبون الانتخابات من الغرب أو الشرق، فما الذي يدعونا للوصاية إذن؟ وما الخوف في أن نستكمل مسيرة الديمقراطية دون فرقعة إعلامية؟ الساحة أمامنا وليتقدم كل من يجد في نفسه القدرة وفي عقله الرؤية، ولنترك للناس أن تحكم بما تريد، هذا هو دورنا المنوط بنا أن نقوم به، وليس معني أن يفوز تيار معين أن ننسحب خوفا من كثرتهم، هي الديمقراطية يا سيدي التي أتت بأوباما وسط دهشة العالم حينها فلماذا نندهش إذا أتت بمن لا نتفق معه أو نختلف؟ أعتقد أن د.البرادعي يدرك أكثر مني هذه المعاني التي عاشها سنين طويلة في الغرب، ويدرك معني أن الاختلاف ليس بالضرورة أن يكون مرادفا للعداء، في وقت كان ينعم هو فيه بكل معاني الديمقراطية والليبرالية، كنا هنا في مصر نعاني القهر والزيف الديمقراطي والمرض النفاقي، نعاني الخوف والظلم، فلماذا إذن تنسحب يا دكتور؟ لقد ولي الظلام إلي غير رجعة، وكنا نتمني أن يكتمل العرس ولكنك أبيت وانسحبت إن سمحت لي وإن صح اللفظ انسحبت دون مبررات مقنعة لفئة ليست بالقليلة، فهل لنا أن نطلب منك بيان الحقيقة أم أن المعني في بطن الشاعر وعلينا البحث عنه؟ إن كان ذلك كذلك، فلن نبحث وسنكتفي بما صرحت به. المزيد من مقالات أيمن عثمان