صاحب قريحة مبدعة اعتادت أن تدحر الصعاب وتنافح من أجل المبادئ.. عينان متقدتان بالحكمة والتأمل.. نبرات صوت مليئة بالشجن المنغم.. خيال فني متوهج, يؤمن إيمانا عميقا بقداسة رسالة الكاتب ومدي أهميتها في تشكيل الوجدان العام.. فالروائي الكبير محفوظ عبدالرحمن اسم يقرع الأسماع بما صنعه من ملاحم درامية تاريخية وأعمال فنية خالدة, استخلصت من ثنايا التاريخ أروع القصص والبطولات, فقد اعتاد الارتحال في هذا العالم السرمدي.. ينجذب إليه بحكم حسه التاريخي المرهف..يستجمع أقصي ما يمكن الحصول عليه سواء كان حادثة أو نصا أو مسندا أو شعرا أو كتابا قرأه ثم يحتشد ويتفاعل مع لحظات الإلهام الفني ليخرج علي جمهوره ونقاده بتلك الدرر التي تحصد إعجابها برمية واحدة.. عميد الرواية التاريخية كما أطلق عليه مهرجان روتردام.. تناديه شخصيات ولحظات تاريخية بعينها.. معظمهم من دنيا الفن والعزة والوطنية والكرامة: من أم كلثوم والخديو إسماعيل وسعد زغلول إلي محمد عبده, مرورا بأحمد رامي وبيرم التونسي وحليم وعبدالناصر حبيب الملايين.. روائع هزت الوجدان وتعلمت منها الأجيال.. الدراما لديه جسر مضيئ بين الماضي والمستقبل.. يوقظه من سباته.. ويتعمق في شخصياته ويستخرج منها الألوان والظلال وخطرات الذهن وخفقات القلب وعواطفها الكامنة صعودا وهبوطا, ويقدم روح عصر بأكمله في كل أعماله.. وهو في ذلك يكابد مكابدة عسيرة ويبلغ دائما ذروة الصدق الفني التي ينشدها الكبار دائما.. قومي الهوي.. يحظي الإنسان في أعماله بدفء الشمس دون لسعتها فهو ملما بقوانين الدراما إلماما بارعا.. اللحظة التاريخية تناديه وتدفعه.. ومن أبرز آرائه أن كل لحظة تفرض نفسها إبداعيا وقد فعلها كثيرا في أعماله التي جسدت ثورتي1919 و1952 وهاهي ثورة25 يناير التي اكتحلت بها عيناه والتي كان من أوائل المبشرين بها في مسرحيته بلقيس تناديه وتداعب وجدانه بكل ما تحمله من وقود فني.. يتمني الجمع بين البطلين مهران1956 وحرارة2011, فمصر دائما ولادة وإن غاب البدر فيها فالنجوم طوالع.. فانثر قلمك يا صاحب الفوارس واغترف إبداعا أصيلا من تلك الثورة التي انتظرتها طويلا مع ندمائك من أهل الهوي الذين تجمعوا في الميدان وفاتوا مضاجعهم. هل تطلعنا علي أسرار صندوقك الأسود افترة طفولتكب حيث يمتاز مخزونك الثقافي في كتاباتك وأعمالك بالخصوصية الشديدة فيما يتعلق بالتاريخ والمأثور الشعبي بصفة خاصة؟ يجيب بسلاسة وجدية وعمق شأن أعماله: ولدت بالبحيرة عام1933 حيث كان الوالد ضابطا بالشرطة.. طبيعة عمله تحتم تنقلنا من مدينة لأخري ربما كل عامين تقريبا فعشت في معظم محافظات مصر وأعرف جيدا جغرافيتها وعادات أهلها كانت فترة الطفولة ثرية بالأحداث السياسية والروح الوطنية المناهضة للإنجليز فعرفت قدماي دروب المظاهرات وتفتحت الحنجرة بالهتافات وأنا لم ابلغ الثالثة عشر وحين تم إلقاء القبض علينا في مركز سمالوط لم استطع الإفصاح عن اسم الوالد أو عنواني لكونه ضابطا. فضاق المأمور من صمتي وصاح قائلا: طلعوه بره أحنا هنعيلب وساهم الرحيل المستمر ومفارقة الأصدقاء علي الدوام في تأجيج فضيلة القراءة حتي أن والدي كان يقول: ابني مريض بداء القراءة وكان العشق إزاء اللغة العربية جليا خاصة في موضوعات التعبير وفي مناقشات لغوية اعتبرها الأستاذ مشاغبات طلابية وتمرد لغوي علي القوالب والصيغ البلاغية الجاهزة وتنوعت مجالات القراءة في التراث والتاريخ والشعر والأدب والقصة والأدب العالمي وجذبني جلال الأسطورة وثراؤها كنت أهوي مشاهدة الأفلام السينمائية والمسرح ولم أترك مسرحية في تلك الفترة لم أشاهدها ثم ترددت علي نادي القصة للاستماع إلي محاضرات طه حسين ولا أنسي مدي تأثري بأول عرض مسرحي شاهدته في حياتي وأنا في الثامنة من عمري وكان اثلاثين يوم في السجنب وبالرغم من نومي إلا أنه ترك أثرا عميقا وحبا جارفا للمسرح في كياني زادته الأيام رسوخا ثم كتبت قصة نشرت في اقصص للجميعب وعقب حصولي علي التوجيهية التحقت بكلية الآداب- جامعة القاهرة قسم تاريخ وكنت في البداية أفاضل بينه وبين قسمي اللغة العربية أو الفلسفة ثم عملت بالصحافة في عدة مجالات خاصة مجلة السينما التي كان يرأسها سعد الدين وهبة ومن خلاله تعرفت بيحيي حقي ذلك الروائي العظيم أفضل من صك التعبير الشعبي بحنكة وبلاغة وتدريجيا بدأت المسيرة تنسج خيوطها بصورة أكثر منهجية وبروح الهاوي التي لا تعبر جسر الاحتراف الذي يحيل الإبداع لمنتج ولم تكن يد القدر بعيدة في كل الأحوال فلم أسع يوما لأن أكون كاتبا سياسيا لكن كان يتم تصنيفي أحيانا كاتبا سياسيا غير مرغوب في أعماله فاضطررت للابتعاد عن مصر بعد وفاة عبد الناصر ولمدة أحد عشر عاما. أعمالك تمتاز بتفاصيل دقيقة ومشغولات فنية أخذت مساحتها من الجودة والإتقان. فما هي الأجواء الملهمة لك؟ لكل شخصية وسيرة ذاتية مفاتيحها الخاصة التي يتوصل الكاتب لفك شفرتها وصياغتها دراميا من خلال توازن الشخصيات واستحضار اروح العصرب وللموسيقار محمد عبد الوهاب عبارة شهيرة تقول اإذا لم يأت إليك الإلهام فأذهب أنت إليهب وهي عبارة صحيحة إلي حد بعيد لأن المبدع شأنه شأن التلميذ الخائب يلتمس دائما الأعذار لنفسه ليؤجل عمله للغد بل وللعام المقبل فلو جاءت الرغبة في الكتابة يتعلل بأن علم القلم المريح غير موجود فالكتابة دأب ونظام ومثابرة وليست فوضي خلاقة ونجيب محفوظ كان أفضل نموذج للأديب المنضبط في إبداعه فله أوقات محددة في السنة وساعات مخصصة للكتابة والكتابة التاريخية عموما تتطلب مراجعات عديدة وموسوعات وقراءات فرعية وساعات طويلة من البحث والتقصي قبل بدء الكتابة الدرامية عموما نصف أعمالي تقريبا كتبت في المقاهي اليونانية الطابع التي كانت منتشرة حتي الستينيات وتمتاز بحديقة خاصة إلي جانب المشروبات والمأكولات فالمبدع يجب أن يبحث عن مفاتيح إبداعه ويحتشد بالمعرفة والإطلاع ويخلق بنفسه لنفسه الجو الملائم دون البحث عن محفزات خارجية فأقوي المحفزات بداخل كل مبدع. منذ عدة أعوام قلت أن بلطجية ساقية مكي يستطيعون الوصول للحكم فنحن أمام خريطة عجز عن قراءتها الجميع كيف استشرفت هذه الرؤية وهل كنت تتوقع الثورة بالرغم من قبضة الأمن المحكمة؟ يضحك ويسترسل قائلا: لو تأخرت ثورة يناير كان بلطجية ساقية مكي سيلعبون دورا في الأحداث ومازلت أتحسب ردود أفعالهم وأشباههم من الذين مازالوا يعانون الجوع والفقر بصورة أكثر درامية من أي مشهد فحين اقرأ أن فتاة صغيرة في إحدي مدارس الإسكندرية فقدت وعيها وحين كشف عليها الطبيب وسألها هل تناولت إفطارك؟ أجابت: بلا لأن اليوم ليس دورها في الإفطار هذا نموذج واقعي من صفحات الحوادث يمثل الآلاف ممن لا يأكلون اللحم إلا مرة في العام افالبلطجةب حالة نفسية لأناس يملكون كما هائلا من الحقد إزاء آخرين ودولة تركتهم فريسة لكل ما يغتال آدميتهم يوميا فإذا لم نصلح هذه الأحوال البشعة فستقوم ثورة ثانية من الجياع لا تبقي ولا تذر فأنا توقعت حدوث الثورة لأن الحياة وقفت وتحجرت عند هذا المشهد الذي كانت خلفيته الأساسية منظومة فساد عنكبوتية فالجو العام وعصا الأمن الغليظة لم تتعارض مع توقعاتي ففي ثورة1919 كانت قبضة الأمن أشد وطأة وانفجرت أعظم ثورة شعبية. الم تعترض علي اختيار يوم25 يناير( عيد الشرطة) كنقطة تزامن لانطلاق المظاهرات؟ لا بل أنني أشعر بالتلاقي بين الحدثين يتمثل في نبل الهدف والوطنية الصادقة فمعركة بلوكات النظام في الإسماعيلية التي وقعت في25 يناير1952 وراح ضحيتها المئات من ضباط وعساكر الشرطة مع القوات البريطانية الغاشمة بكل عنادها في مواجهة ضباط يقاومون ببسالة ويعلمون أنهم شهداء لأنهم سيدافعون عن وطنهم وأرضهم لآخر طلقة أمام جحافل المدرعات والدبابات. كتبت مسرحية زبلقيسس قبل الثورة بثمانية أعوام وحين عرضت بعد الثورة استشعر الناس أنها كتبت خصيصا للثورة فهل كنت حريصا علي تسجيل لحظة التنوير الشخصي وتجسيدها في عمل فني يستشرف الأحداث من غياهب المجهول؟ مبدئيا فلنتفق علي نقطة أساسية تتمثل في مدي الإحساس بالصدق الذي يغمر أي عمل إبداعي فالكتابة الشديدة الصدق التي يختفي معها أي غرض( مقبول أو غير مقبول) من شأنها أن تمنح أي نص الشفافية وتصل به للب الحقيقة كما يفعل الصوفيون ومن المفارقات أن هذا النص ظل بالمسرح عدة سنوات يتنقل من مكان لآخر ومحور المسرحية يدور حول فكرة بسيطة وخالدة لكننا نتغافل عنها أو لا ندركها أحيانا لعدم الوعي بها ومفادها أن أي عدو أو سلطة ليست له قوة مطلقة ولا يمكن التصدي لها وكنت منشغلا في فترة كتابتها بقراءة زمذكرات غانديس واستغرقتني فكرة المقاومة السلبية( اللاعنف) سلاحه المتاح أمام القوة الإنجليزية الطاغية والذي اخضع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لمنطق الحق والقوة الجماهيرية فالأقوي لا يعني أننا الأضعف فنحن نبالغ دائما في ذلك وفي نهاية المسرحية حدث تحالف بين الكسيح والأعمي فكلاهما بعاهتين مختلفتين ولكنني كنت أنشد التكامل والتحالف الذي أصبحنا نهدره بسهولة تنبئ بالخطر!! من هو زياجوس الثورة الذي يوغر صدر عطيل ضد ديدمونة؟ يضحك عاليا: أيهم فهم كثرب كلهم اياجوب لا يأخذون مسلكه من حب الشر للشر ولكنهم يقدمون النصيحة مصحوبة بالمديح والثناء بهدف إغراق جميع الأطراف وعدم تلاقيها علي التوازي ليظل الجميع بلا رابط. المشهد يغري بسؤالك عن ست شخصيات في ميدان التحرير تبحث عن مؤلف؟ يفكر قليلا وكأن الشخصيات حاضرة في ذهنه بمفرداتها وأدواتها الأول: لواء رتبة عسكرية يحلم بكرسي عبد الناصر. والثاني: شخصية شاب يحلم بأن الأمور ستتغير للأفضل. والثالث: يتمني وجود نظام جديد يلغي السينما والتليفزيون ويغلق المسارح والمقاهي والشخصية الرابعة: لسيدة استشهد أبنها وتدعي علي الجميع والشخصية الخامسة لرجل يبحث عن ملابس شبيهة بملابس الحكام ويتهيأ استعدادا للدور الذي ينتظره.. والشخص السادس والأخير: يشاهد كل من حوله من مشاهد وشخصيات ثم يقول:( وأنا مالي) وهو حزب الأغلبية الكنبة وهو حزب لا يريد المشاركة ولن يتغير بسهولة.. لأن ثقافة المشاركة تتطلب( تجربة) ومحاولة لكن الأغلبية تريد التغيير وهي بمعزل عن الأحداث.. ولكن أي ثورة تصنع نفسها وكل ثورة لابد لها من ثوار ودليلي نسبة الحضور المرتفعة في الاستفتاء الدستوري وفي المرحلة الأولي لانتخابات مجلس الشعب نتيجة لانتشار معلومة الغرامة وتراجع نسبة المشاركة بصورة ملحوظة في المرحلة الثانية. متاعب العمل السياسي ومضايقات الأمن وانشغال الناس بأعمالهم لابد أن تترك آثارها علي المشاركة وتوجد مشكلة في الحوار بين شباب الثورة وجميع الأطراف ؟ المثقفون هم أشخاص غير مرغوب فيهم في النظام السابق واضطهاد المثقفين ولد نوعا من القمع والتقوقع داخل الذات.. وأنا شخصيا عانيت من مضايقات عديدة واضطررت للسفر إلي الخارج لأكثر من عقد.. وفي عهد السادات كتبت اليلة سقوط غرناطةب وكانت تدين التطبيع بصورة غير مباشرة وتحمل إسقاطا علي الأوضاع العربية.. فتم التحقيق معي بمجرد عودتي من السفر في مطار القاهرة ومنع المسلسل من العرض ومنعت فترة زمنية من الظهور في التليفزيون وفي إحدي المرات دعيت لندوة بنقابة الصحفيين احتشد لها عدد غير قليل من رجال الأمن.. وتندر السياسي الكبير ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصري ذ رحمة الله ذ بأنه كان يدعو لندوة يحضرها ثلاثون فردا تقابلهم ثلاثون سيارة من الأمن المركزي.. فيما يتعلق بالحوار بين الجميع فالعمل أهم.. فألمانيا حين تهدمت تماما في الحرب العالمية الثانية استطاعت التغلب علي خسائرها المادية.. فهي دائما يمكن تعويضها بالعمل الدءوب والبناء دون( ثرثرة) الساحة السياسية الآن تعج بالمزايدة وتطرح كل شئ للانتخاب.. أما شباب الثورة فهم انقياء قدموا تضحيات واحدثوا تغييرا أثر فينا جميعا.. لكنهم ليسوا مثقفين وليس لديهم مشروعا أو رؤية إزاء ما يحدث.. ولا يوجد بينهم ثلاثة أشخاص يتفقون في الرأي وهم سعداء بأنهم بلا قيادة بالرغم من أن المأثور العربي يوصي كل اثنين يسيران في الصحراء باختيار أحدهما( أميرا) أو مرشدا.. يقرر خط السير ويتبعه الآخر وفي معظم الأفلام الأجنبية يجلس رئيس الجمهورية في هذا المشهد الكلاسيكي وحوله الوزراء والمستشارين يعرضون الأحوال حتي في حالة الحرب وفي النهاية يتخذ الرئيس قراره ويعلنه ويتحمل نتائجه. مشكلة الثقافة في مصر طالت الإبداع نفسه وبعض الفئات المحسوبة علي الثقافة.. ولكن قبل ثورة1919 كان هناك تدن فني فهل يوجد أمل في تغيير واقعنا الثقافي ؟ الثقافة في مصر تم تجريفها بصورة عنيفة والمشكلة تتمثل في وجود واقع ثقافي يضم الأدعياء ومهضومي الحقوق والمكانة وراكبي الموجة وهذا الواقع لا يغري كثيرا بالاقتداء لأن الثقافة تعمل بنماذجها وبالقدوة الحسنة فقد أحببنا الحكيم وطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ والعشرات وقرأنا ما قرأوا.. فالتكوين الثقافي للمبدع شيئا أساسيا يتجلي في أعماله ويتسرب من خلال اللاوعي وإذا قرأت أجزاء من أدب نجيب محفوظ فستجدين بعض الأحاسيس المكتوبة شعرا فتقول أمينة مثلا: ياانكسار القلب الذي هو الحسرةب فاللغة ليست تقريرية أو أدبية ولكن فيها شئ من وزن الشعر والأمر كذلك بالنسبة للثقافة الموسيقية والتشكيلية تأتي تلقائية.. هل تتخيلي أن أحد طلبة معهد السينما قدم لي دراسة سينمائية وكتب كلمة دراسة بحرف( الضاد) فأنا احتفظ بهذه النماذج الإبداعية السيئة ذ للذكري والتاريخ.. فالتجريف شئ خطير جدا حتي بالنسبة للسلطة واتحدي لو كان أحد في النظام قد قرأ كتاب مثل الأمير باستثناء ذ أسامة ألباز ذ فعبد الناصر كان لديه جهاز لترجمة الكتب العالمية والسادات قرأ كثيرا وخاصة في صدر شبابه وفترة المعتقل.. لذلك أقول دائما أن عبد الناصر تأسيسه ثقافيا في المقام الأول وهو يحسب علي السياسيين وليس العسكريين لأنه ارتدي البدلة بضع سنوات أما بقية أعضاء مجلس قيادة الثورة فهم عسكريون.. فالمثقف لديه رؤية ويري أن الآخرين يملكون رؤية ويستطيع تجاوز واقعه إلي نقطة أبعد.. فيما يتعلق بثورة1919.. كان سيد درويش وزكريا أحمد ويونس القاضي شبابا صغارا حين غني سيد دوريش اشفتي بتاكلنيب في أوبريت وكتب يونس القاضي اارخي الستارة اللي في ريحناب ومن الطريف أنه عندما أصبح رقيبا منع إذاعة الأغنية.. وهم انساقوا مع عصرهم ولم يكملوا في نفس المنحني الذي فرضته اللحظة الزمنية ونحمد الله أنها لم تستهويهم لكن حين جاءت الثورة وطرحت شيئا جادا جاء القاهرة وتحايل علي الرقابة وغني لسعد زغلول ازغلول يا بلح زغلولب. الوضع المسرحي في مصر لا يرضي عنه الكثيرون.. والمسرح كان منبرا في الستينيات.. فهل لديك روشتة علاجية ؟ قمة البيروقراطية تتجلي في مسرح الدولة فكل فنان أمامه(11 موظفا) وكلمة فنان قد تكون تجاوزا لأنها تعني تعيين خريجا من معهد الفنون المسرحية قد لا يكون موهوبا وأحيانا يتقاضي راتبه ويحال إلي المعاش دون أن يقف علي خشبة المسرح وهذا العبء البشري والمادي يكبل المسرح بلا شك والحل في الاستعانة بالإدارة الواعية مثلما فعل المسرح القومي في بدايته واستعان بالشاعر الكبير خليل مطران. مسلسل أم كلثوم يعد بمثابة بداية لسيل من مسلسلات السير الذاتية.. فما الذي صنع أسطورته وماذا عن مسلسلك القادم اأهل الهويب ؟ ربما تندهشين إذا علمت أن اأم كلثومب خرج للنور بصعوبة شديدة رفضته الدولة في البداية وقيل سيتكلف5.5 مليون جنيها وكان يتم الانفاق علي مسلسلات أخري أضعاف هذا المبلغ والفضل يعود لإيجابية ممدوح الليثي مدير قطاع الإنتاج.. لأنهم اعتقدوا في البداية أنه سيخسر ولم يعرضوه علي المحطات العربية بعد إنتاجه وكان المسئولون بها يطلبونه بأنفسهم لشرائه أما ابوابة الحلوانيب فقد ظلت علي الرفوف مدة طويلة وحين عرضت أعمال سيئة في رمضان تذكروها وسألوا عنها ونفضوا عنها غبار النسيان ثم توالت عروض السير الذاتية وأصبحت اتجاها عاما في الدراما العربية فأنا لدي مشاريع تكفي300 عاما ولكن الموضوع يفرض نفسه فيما يتعلق ابأهل الهويب فهو عن بيرم التونسي وقد قابلته وأنا طالبا في الجامعة والأسم كما يبدو لأغنيته الشهيرة التي غنتها أم كلثوم ولحنها زكريا أحمد ومن المفارقات أنها كانت آخر عمل لبيرم وزكريا الذي كان يعامل بيرم مثل ابنه وتوفي في أربعين بيرم ولم يسمع بيرم الأغنية من أم كلثوم وسمعها زكريا في المقهي وهي حالة من التوافق الروحي توجد في الحمام ووليفه حين يموت فيموت صاحبه وأهل الهوي اسم حقيقي أطلقه زكريا أحمد علي مكان يضم أصدقائه من المحبين والفنانين وأهل السياسة وكل المغرمين وهذه الأعمال تتطلب أوقاتا طويلة من البحث ودقة التحري.. إضافة إلي أنني أكتب لأنني مدفوعا برغبة الكتابة بأكبر قدرة من الاستمتاع. ما رأيك في الدراما التركية وهل تحتوي علي عناصر جذب تطيل بقائها أم أنها مجرد انجذاب عارض مللا من مسلسلاتنا؟ توقعت صعود منحني المسلسلات التركية حينما كنت في زيارة لموسكو عام1990 وكان الموضوع( ساذج للغاية) ميلودراما عادية جدا.. لكنهم عادة يكتبون السيناريو بطريقة ذكية ويحاولون إظهار جمال الطبيعة والصورة بصفة عامة.. لكننا لا نأخذ قضية الدراما بصورة جادة والتي أري أنها تستحق ثورة مثل ثورة يناير لتصحيح أوضاع الأجور المليونية وسيطرة الإعلان علما بأننا لو اشتغلنا بجدية يمكننا مضاعفة دخلنا من الدراما التليفزيونية ثلاثة مرات وفقا لتقديرات الخبراء الاقتصاديين. قصة البطل الشاب اأحمد حرارةب مليئة بالدراما ألم تفكر في استلهامها أو كتابة عمل فني عن ثورة يناير ؟ الثورة مازالت في طور التكوين.. فلابد أن أهضم الفكرة حتي يكون عملا له قيمة ويؤسفني أن معظم الأعمال التي قدمت متواضعة فنيا حتي الأغنية التي نجحت ايا بلاديب الكوبليه لبليغ حمدي.. أذكر حينما قامت ثورة يوليو1952 تم إقحام بعض المشاهد علي الأفلام التي تم تصويرها قبل الصورة ولم تكن النتيجة جيدة.. فلابد من الاختبار والمعايشة فالروائي الروسي الكبير تولستوي مكث أربعين عاما لكي يكتب رائعته االحرب والسلامب فيما يتعلق بأحمد حرارة فأنا بالفعل انفعلت جدا بشخصيته وبطولته المتفردة.. وفكرت في أن أجمع بينه وبين الفتي مهران وكان عضوا في الحرس الوطني ببورسعيد أثناء عدوان1956 حيث أخذه الإنجليز أسيرا وعذبوه لكي يتحدث أو يسب وطنه فرفض بإباء فقاموا بأخذ القرنية من كلتا عينيه وزرعوهما لضابط إنجليزي وقرأت قصته سيدة بسيطة مثله وعرضت عليه أن يأخذ عينيها فقال لها الطبيب: هذا العرض لا يصلح طبيا واقترح عليه الزواج منها لكي يري بعينها وتزوجها بالفعل وهو الآن في السبعين من عمره وفي رأيي أن بطولة هذه السيدة أعظم من بطولته وقد فكرت في الجمع بين البطلين حرارة ومهران فبطولتهما بلا إدعاء وما أندرها في زماننا وبطولة حرارة جعلته أيقونة الثورة. ما هي رؤيتك المستقبلية لمصر سياسيا وفنيا بعد25 يناير ؟ أعتقد أن الشخصية المصرية حدثت بها تغيرات في أشياء كثيرة.. سيحدث حصار شديد للفساد لأنه أصبح( عقدة الشعب المصري) علما بأن دولة بها نسبة فساد يفوتها الشعب طالما أن الأمور تجري لكن في مصر سنتشدد كثيرا ولو حوصر الفساد سنصبح بلدا آخر التقدم لا يعبر عنه إلا بمقدار استثمار إمكانياته موارد أو بشرا.. خاصة إذا تم الاهتمام بالتعليم وهي القضية الأم ويجب أن تأتي في قمة أولوياتنا.. وانتشار العدل سيحصر الظلم لأنه يقضي علي إنسانية الإنسان.. فأنا متفاءل والعجلة لن تعود للوراء إضافة إلي أن الفن يزدهر حين يعلو الشعور بالكرامة والعزة وكل فترات ثراءنا الفني كانت تعج بأرقي المعنويات وستخف وطأة الرقابة.. وأخيرا لست متخوفا من الاتجاهات الإسلامية لأن الواقع أقوي من أي قوي أخري في بلد احترف الإبداع ونثر نجومه في سماء العالم العربي.. حتي الأعوام الثلاثين الماضية سينتج عنها أدبا عظيما لأنها لم تكن منطقية.. أنها عودة الروح.