كشف تقربر التنمية البشرية لعام 2013 الذى صدر عن برنامج الأممالمتحدة الانمائى بعنوان «نهضة الجنوب تقدم بشرى فى عالم متنوع» عن حقيقة مذهلة هى انه وللمرة الأولى منذ مائة وخمسين عاما ومع حلول عام 2020 سوف يناهز انتاج الاقتصادات الثلاثة النامية الرئيسية وهى البرازيلوالصينوالهند مجموع الناتج المحلى الاجمالى للقوة الاقتصادية العريقة فى الشمال وهى ألمانيا وايطاليا وفرنسا وكندا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية.. وهذا التطور يمثل تغييرا جذريا فى ميزان القوة الاقتصادية العالمى ففى عام 1950م كانت حصة البرازيلوالصينوالهند مجتمعة لا تتجاوز 10% من الاقتصاد العالمي, بينما كانت البلدان الستة المذكورة فى الشمال تستأثر بنصف الاقتصاد العالمي، والمصدر الرئيسى لهذا النمو هو «المشاركات الجديدة» فى التجارة والتكنولوجيا القائمة بين دول الجنوب، ومن الرسائل التى يطلقها التقرير ان النمو الاقتصادى وحده لا يحقق تقدما تلقائيا فى التنمية البشرية فالسياسات المناصرة للفقراء والاستثمارات فى امكانات الأفراد والتركيز على التعليم والتغذية والصحة والتشغيل هى العوامل التى تتيح للجميع امكانات الحصول على العمل اللائق وان التقدم يتطلب أكثر من ارتفاع فى قيمة دليل التنمية البشرية، فارتفاع قيمة الدليل يبقى غير مكتمل وغير مستدام فى حالة ترافقه مع اتساع الفوارق فى الدخل وانتشار انماط الاستهلاك غير المستدامة وارتفاع الانفاق للأغراض العسكرية وضعف التماسك الاجتماعي.. أيضا لم تعم نهضة الجنوب بعد جميع الدول النامية فبعض البلدان مازالت خارج إطار المشاركة الكاملة فيها.. غير أن دولا كثيرة بدأت فى الاستفادة من حركة التجارة والاستثمار ورأس المال ونقل التكنولوجيا بين دول الجنوب وتسريب اثار النمو الايجابية على سبيل المثال من الصين الى البلدان المتقدمة، واستفادت بلدان عديدة من الاثار الايجابية بين القطاعات التى تسهم فى التنمية البشرية ولا سيما فى الصحة، وتزود شركات من الهند مثلا بلدانا فى افريقيا بالأدوية والمعدات الطبية ومنتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بأسعار معقولة. وركز التقرير على أهمية المساواة بين الرجل والمرأة فهى ضرورة لتحقيق مختلف أبعاد التنمية البشرية ومن الأدوات الفاعلة لتحقيق هذه الغاية التعليم الذى يزود الأفراد بالثقة فى النفس ويتيح لهم فرص عمل أفضل ويمكنهم من المشاركة فى المناقشات العامة ومطالبة الحكومات بالرعاية الصحية والأمن الاجتماعى وسائر الحقوق، فتحسين تعليم المرأة مثلا أكثر أهمية لحياة الطفل من رفع دخل الأسرة، كما أن المرأة المتعلمة تنجب عددا أقل من الأطفال، وهم بذلك يحظون بالرعاية الصحية الجيدة والتحصيل العلمي. ولا يخفى على أحد أن التقدم التكنولوجى والصناعى الذى تشهده كوريا الجنوبية يرجع الى ارتفاع كبير فى مستويات التحصيل العلمى خاصة بين النساء فالشابة فى كوريا الجنوبية هى من أكثر النساء تعلما فى العالم، وقد أتم نصف النساء هناك الدراسة الجامعية. فأين يقف العالم العربى وسط هذه التحولات التاريخية الكبرى وكيف يواجه الثورة الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية الراهنة؟ يرى التقرير ان العرب لا يعبأون بهذين السؤالين ولا يتعاملون معهما بجدية, واعتقد أن عدم المبالاة هذه هى المعضلة الكبرى التى تضعف الأمل فى اللحاق بركب العالم المتقدم: والارقام التى تضمنها التقرير فى كل المجالات تؤكد ذلك بوضوح. والأسئلة التى تحتاج الى إجابة هى كيف سيلبى العالم العربى حاجات سكانه الذين سيبلغ تعدادهم 480 مليون نسمة فى 2030. وكيف سيلبى تطلعاتهم وأحلام شبابهم وهو على هذا القدر من التخلف فى مقابل عالم يخطو خطوات جبارة فى كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، الأمر الذى سيحيل العرب الى هامش التاريخ، إذا استمروا على هذا المنوال غير عابئين بتحديات المستقبل وما يعد به من مفاجآت! د.عماد إسماعيل