تمخضت الرباعية الدولية في موسكو لتلد بيانا جاء شبيها بالكثير مما سبقه من بيانات خالية من أية آليات للتأثير والرقابة, وهو ما يعني ضمنا تزايد احتمالات العودة إلي المربع صفر. ثمة بوادر تشير إلي ان الأوضاع في الشرق الأوسط جاءت تالية في قائمة اهتمامات اطراف بعينها لقضيتي معاهدة الحد من الاسلحة الاستراتيجية, وملف البرنامج النووي الايراني برغم ان اجتماعا خاصا جري تخصيصه لمناقشة سبل تحقيق التسوية واستئناف المباحثات بين الاطراف المعنية في الشرق الأوسط, ولذا كان من الطبيعي ان تقتصر نتائج هذا الاجتماع الذي لم يستغرق اكثر من ساعتين علي بيان لم يختلف في جوهره عما سبقه من بيانات شجب وإدانة ومناشدة للاطراف المعنية بضبط النفس والابتعاد عن العنف والإجراءات احادية الجانب والعودة إلي المباحثات والالتزام بالشرعية الدولية. واذا كنا قد اختزلنا ما سبق الاجتماع من جهود كبيرة بذلها الجانب الروسي تحديدا في مثل تلك الكلمات السابقة فإننا ننطلق في ذلك من تاريخ طال لعقود طويلة سجلت تعرجات مسيرة البحث عن السلام الضائع واستعادة الحق المسلوب, وبهذا الصدد نذكر الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف الذي فتح باب الهجرة إلي إسرائيل سبيلا وكما قال لنا آنذاك, إلي ان يكون المهاجرون السوفيت خير وسيط لتقريب وجهات النظر وتحقيق السلام, فذهب هؤلاء ليكونوا الاكثر تطرفا وعدوانية بعد ان استقروا في الارض التي تعترف موسكو بانها محتلة بمن فيهم افيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلية الذي يجوب العواصم المختلفة ومنها موسكو انطلاقا من مستوطنة نوكديم في الضفة الغربيةالمحتلة ولا احد يسأله اين تقيم؟ أو من اين جئت؟ فيما يتيه به البعض فخرا لكونه احد مواطنيهم. ونذكر ثانيا ان جورباتشوف حرص قبل سفره إلي مدريد علي تعيين أول سفير للاتحاد السوفيتي في إسرائيل بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية التي سبق أن قطعها الاتحاد السوفيتي عقب عدوان يونيو1967 ونذكر ثالثا مؤتمر مدريد للسلام في اواخر عام1991 وكنا منه علي مقربة, لقد ذهب إليه جورباتشوف لابحثا عن السلام للفلسطينيين, بل كمحاولة لاستعادة بعض وقاره الذي تبعثر عقب انقلاب اغسطس وتحت وقع ضربات خصومه التي أجهزت عليه وعلي الاتحاد السوفيتي بعد اقل من شهر من انعقاد مؤتمر مدريد الذي كان ورغما عن كل ذلك انفراجة وضعت اسس التسوية وأهمها الارض مقابل السلام وتمضي الايام ويتوالي اصدار البيانات وتوقيع الاتفاقيات مثل اوسلو وخطة تينيت وخطة الطريق وقرارات انابوليس مرورا ب واي بلانتيشن قبيل رحيل الرئيس الاسبق بيل كلينتون ومبادرة السلام العربية وكلها طالبت بوقف الاستيطان في الاراضي المحتلة واقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية!! اذن المسيرة طويلة وتشهد ان المجتمع الدولي لم يقصر يوما في اصدار بيانات الشجب والادانة او البحث عن حلول وخطط كثيرا ما تدثرت بالشرعية الدولية وقرارات الاممالمتحدة ومنها242 و833 لكنها تشهد ايضا انه ما من احد فكر في فرض عقوبات او قرارات ملزمة مثلما فعلوا مع العراق وغيرها ويفعلون لليوم مع ايران. ومن هذا المنظور جاء بيان الرباعية الدولية وحسبما تأخير كان متوقعا بعيدا عن اية آليات وأشار البيان إلي ادانة استمرار إسرائيل في نشاطها الاستيطاني في منطقة القدسالشرقية وشدد علي إزالة كل المستوطنات التي اقيمت بعد عام2001 في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة. وناشد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي استئناف مباحثاتهما في غضون42 يوما دون شروط مسبقة بما يكفل انهاء احتلال عام1967 واقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وبعيدا عن اية اجراءات احادية الجانب, وأشار إلي ضرورة وقف عمليات هدم المنازل وطرد السكان في القدسالشرقية, كما دعا الجانبين إلي ضبط النفس والتحلي بالصبر والهدوء والامتناع عن القيام بأعمال استفزازية. وعن القدس نص البيان علي ادراجها في قائمة مفاوضات الوضع النهائي, وقال بضرورة حلها عن طريق المفاوضات بين الجانبين فيما اعتبرها مدينة ذات أهمية خاصة للإسرائيليين والفلسطينيين واليهود والمسلمين والمسيحيين, وان احتلالها غير معترف به دوليا, وأشار إلي ان الرباعية الدولية تؤيد الادارة الوطنية الفلسطينية في مسألة بناء دولة فلسطينية خلال24 شهرا وتدعو دول المنطقة كلها والاسرة العالمية إلي دعم عزمها علي انشاء الدولة المستقلة. وأعلنت الرباعية الدولية تأييدها لفكرة عقد مؤتمر دولي خاص بالشرق الأوسط في موسكو دون تحديد موعده وقالت ان عقد اتفاقيات سلام بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان قد يساعد في احلال الاستقرار في المنطقة. وكانت الانظار قد تعلقت بهيلاري خلال زيارة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي لإسرائيل وكانت قد تلقت اتصالات من بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية قبيل اجتماع الرباعية, لكنها اكتفت بالقول انه تعهد باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة, وأكدت ان العلاقة مع إسرائيل خاصة ووثيقة وهو ما قال مثله الرئيس الامريكي اوباما في واشنطن ما يبدو غضا للطرف عن توجهات نيتانياهو الذي جاهر بالقول ان كل رؤساء وزراء إسرائيل بداية من ليفي اشكول وجولدا مائير وحتي رابين وبيريز ومرورا ببيجين وشاميروباراك واصلوا بناء المستوطنات في القدسالشرقية وانه لن يكون رئيس الحكومة الذي يمكن ان يخرق مثل هذا التقليد, هل تريدون بجاحة أكثر من ذلك ولم لا مادام المجتمع الدولي لايمضي اكثر من اصدار البيانات والاعراب عن الآمال بعيدا عن اية اجراءات عقوبية.