يبدو أن الأقدار تدفع بالمشير عبد الفتاح السيسي الي مقعد الرئاسة في مصر وللأمانة فأنا اشفق علي الرجل كثيرا من تحمل هذه المرحلة بكل اعباذها وهي غاية في الإرتباك والفوضي فلم تعد السلطة في مصر مغنما بل اصبحت عبئا ثقيلا. الشواهد تضع المشير السيسي في مقدمة المشهد امام اصرار شعبي وضرورة لا بديل عنها, وإذا كانت الأقدار تلعب في حياتنا دورا فإن المقدمات خاصة إذا كانت صحيحة تدفع بنا الي نتائج مقبولة ولا شك ان المشير السيسي استطاع في فترة زمنية قصيرة جدا ان يحصل علي تأييد ودعم كبيرين من الشارع المصري. لقد دخل المشير السيسي في مواجهة كبيرة وهو يواجه متحديا تجربة فاشلة في الحكم كادت تؤدي الي انهيار مؤسسات الدولة المصرية بالكامل.. كانت هذه المعركة قادرة علي ان تطيح بالرجل وكل رفاقه في المؤسسة العسكرية وللإنصاف فإن الرجل لم يقدم علي ذلك الا بعد ان خاض معارك دامية لكي تمضي السفينة في امان كما اراد لها.. من اجل إثبات حسن النوايا كانت دعوته الي غداء عمل بين القوي السياسية المتناحرة ربما وصل الحال الي اتفاق او مصالحة.. وقبل ميعاد الغداء بساعة واحدة صدر امر رئاسي بإلغاء المبادرة رغم ان جميع اطراف المشهد السياسي وافقوا علي الحضور لعلها تكون مخرجا امام افق سياسي تلبد بالغيوم.. كانت قراءة المشير السيسي للمشهد ان مصر علي ابواب كارثة قد تصل الي حرب اهلية امام فشل تجربة الإخوان في الحكم وغياب الحوار وإقصاء جميع القوي السياسية وارتفاع صيحات التطرف وترهيب المصريين امام زعامات دينية من ارباب السوابق خرجت من السجون لتكفير المصريين وترويعهم.. لم ييأس المشير السيسي من محاولات النصح والإرشاد فذهب مع قادة جيوشه الي الرئيس المعزول ناصحا ثم محذرا من خطورة اللحظة التي تعيشها مصر.. ولم يسمع احد.. ولم تقتصر الأمور علي محاولة واحدة بل انها امتدت الي خمس محاولات كان شاهدا عليها جميع قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة وكان الهدف توضيح الصورة والخطر الذي يحيط بمصر شعبا ودولة وضرورة لتعديل المسار حتي لا تغرق السفينة.. وهنا ايضا لم يسمع احد. كان فشل الإخوان في إدارة شئون الدولة امرا واضحا امام الجميع إلا الرئيس المعزول الذي لم يدرك هذه الحقيقة.. علي جانب آخر كانت صراعات النخبة المصرية قد وصلت الي اعلي درجات الإرتباك والفوضي والصدام امام غياب الرؤي والحسابات الشخصية وعدم ادراك خطورة اللحظة التي تعيشها مصر.. كان فشل تجربة الإخوان في الحكم وظهور رؤوس التطرف الديني في المشهد وتكفير الملايين من البسطاء وغياب الحلول الحقيقية لمشكلات وازمات المواطن المصري اكثر ما يؤرق السيسي, وكان موقف النخبة وصراعات رموزها يدفع بالمجتمع كله الي مواجهة غير محسوبة النتائج.. وامام جماعة وصلت الي تكفير شعبها ونخبة غير قادرة علي مواجهة تحديات المرحلة لم يكن امام السيسي غير ان يطلب من الشعب تكليفا بمواجهة الأزمة التي تعيشها مصر واستجاب المصريون لدعوته وخرج الملايين يوم30 يونيه ثم كان الإعلان الدستوري وتنصيب الرئيس المؤقت المستشار الجليل عدلي منصور وتشكيل حكومة مدنية ثم إعلان لجنة العشرة ثم لجنة الخمسين ثم الإستفتاء علي الدستور.. هذه المقدمات جميعا تؤكد اننا امام رجل تحركه في كل شئ دوافع وطنية صادقة حين دعا الي الحوار بين النخبة ولم يستجب له صاحب القرار ثم كانت النصائح والمطالب والتحذيرات من خطورة الموقف ثم ترتيب اوراق المرحلة الإنتقالية واولوياتها ومع هذا كله مواجهات دامية في الشوارع من فلول الإخوان ومواجهات خارجية ضارية ترفض خروج مصر من اطار التبعية الذي فرضته سنوات عجاف ثم التزامات سرية لجماعة الإخوان المسلمين تجاه اطراف دولية شملت تنازلات عن الأرض وادوار سياسية مشبوهة. في المرة الأولي التي شاهدت فيها المشير عبد الفتاح السيسي كنا مجموعة من الكتاب والمفكرين في لقاء مع عدد من اعضاء المجلس العسكري في الأيام الأولي بعد رحيل نظام مبارك ويومها لفت نظري ان محور الحديث يدور حول المشير السيسي وكانت امامه اوراق كثيرة ولاحظت انه يتجاوز في حدود معرفته ومعلوماته ما يتعلق بشئون القوات المسلحة واذكر يومها انه قدم عرضا مستفيضا لنا عن موقف السلع الإستراتيجية في قطاعات كثيرة منها التموين والوقود والخدمات العادية.. كان ذلك بالدلائل والأرقام.. بقي عندي انطباع عابر عن شخصية المشير السيسي انه رجل عسكري يقدر قيمة المعلومات ولديه قدرة علي قراءتها قراءة صحيحة وهو حاسم ومحدد فيما يقول او يفعل.. وانه لا يؤمن بظواهر الأشياء وحدها ولكنه قادر علي ان يقرأها بكل التفاصيل.. بعد ذلك ادركت ان الرجل قدم نفسه وروحه في لحظة كان من الممكن ان يدفع ثمنها غاليا وان لديه من الشجاعة والجسارة كرجل مقاتل ان يتخذ القرار الصعب في التوقيت الأصعب وبجانب هذا فإن آداء السيسي في تطوير المؤسسة العسكرية كان إنجازا كبيرا منذ تولي مسئولية وزارة الدفاع في تقديري ان الأقدار هي التي حملت السيسي الي مقدمة المشهد ومثل هذه اللحظات التاريخية قد لا يملك الإنسان فيها شيئا غير ان يستجيب لقدره.. وقد حدث هذا في تاريخ مصر مرات كثيرة.. حدث عندما جمع الشيخ عمر مكرم كبراء مصر وذهبوا الي محمد علي ليكون واليا عليها, وحدث مع عرابي عندما وقف امام الخديوي توفيق وهو يصيح متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا.. وحدث عندما جاء سعد زغلول المحامي المجهول ليقود ثورة شعب.. حدث هذا مع رموز حقيقية في تاريخ المصريين.. لا بد ان اعترف بأنني اشفق كثيرا علي المشير السيسي وهو يواجه قدره بكل ما فيه من الأعباء والتحديات ورغم ثقتي الشديدة في قدراته الإنسانية وإخلاصه لهذا الوطن إلا ان امامه تحديات كبيرة عليه ان يواجهها.. امام المشير السيسي معركة مع فلول النظام الأسبق وهؤلاء وان بدت منهم روح التعاون إلا ان فيهم امراضا قديمة ينبغي التخلص منها.. انهم يريدون سلطة تحقق لهم مصالحهم وقد تعارضت كثيرا مع مصالح هذا الشعب وافتقدوا العدالة في توزيع ثروات هذا الوطن وسوف يكونون عوامل هدم إذا تمسكوا بأساليبهم القديمة في استنزاف موارد مصر ونهب ثرواتها.. كان هناك زواج باطل بين اثرياء الحزب الوطني والسلطة وكان هناك زواج عرفي بين سلطة الحزب الوطني وامواله والإخوان المسلمين ومطامعهم وكان ذلك كله علي اطلال هذا الشعب وليس من المستحيل ابدا ان تجمع الأحداث والمصالح بين اعداء الأمس بين الوطني والمحظورة مرة اخري إذا اقتضت المصالح ذلك. امام المشير السيسي فقراء مصر وهم اكبر احزاب مصر عددا وهم يعانون الفقرين, ذل الحاجة. وذل المرض والبطالة.. ان الملايين التي خرجت يوم30 يونيه وشاركت في الإستفتاء علي الدستور واحتفلت بثورة يناير لم تخرج لأسباب سياسية فهي لا تعرف الأحزاب ولم تشارك في الصراعات السياسية انها تبحث عن الأمن في بيوتها والإستقرار في حياتها وان تتوافر لها اساليب الحياة الكريمة عملا ومسكنا وغذاء وكرامة.. هؤلاء لم يخرجوا طوال سنوات ثلاث ولم يتظاهروا رغم الحاجة والظروف الصعبة وقد طال صبرهم ما بين عهد بائد ظل ثلاثين عاما وعهد مستبد وثورة لم تحقق لهم شيئا.. امام المشير السيسي حسابات دولية فرضت علي مصر ادوارا لا تتناسب مع شعبها تاريخا ودورا وهي لن تتسامح في محاولات الخروج من هذه الدائرة الجهنمية من المصالح المشبوهة.. ان عودة مصر الي دورها يهدد اطرافا كثيرة اقليمية ودولية سوف تسعي جميعها الي بقاء مصر في حدودها ولن تنهض مصر إلا من الداخل اولا بأن تواجه مشاكلها وازمات شعبها وان تستعيد قدراتها.. ان التاريخ يقول لنا ان مصر إذا قامت فهي تغير حسابات كثيرة وانها لا تقوم ولن تقوم إلا بشعبها وعلي المشير السيسي ان يعيد روح البناء والإنتاج والإبداع لهذا الشعب.. يجب ان يعود المصريون الي انفسهم لأن هذا هو اول الضمانات لإسترداد دورهم.. لابد ان نسترد مصر اولا حتي تسترد مكانتها. هناك اطراف دولية كثيرة تري ابقاء مصر علي حالها ونحن كشعب ودولة ونظام نستطيع ان نخرج من هذا الحصار ولدينا عشرات المشروعات التي يمكن ان ننطلق منها نحو مستقبل وحياة افضل.. لدينا مشروع قناة السويس وتنمية سيناء والساحل الشمالي وتوشكي وآلاف الكيلو مترات علي البحار ولدينا بحيرة ناصر وقبل هذا لدينا ازمة كبري مع اثيوبيا حول سد النهضة ومياه النيل وهي قضية لا تقبل المساومة والتأجيل. امام المشير السيسي ازمة الإعلام المصري ولا بد ان اعترف إنني اخاف علي كل صاحب قرار في هذا البلد صغيرا كان ام كبيرا من شطط الإعلام المصري بكل وسائله وانتماءاته.. لقد اصبح الإعلام دولة داخل الدولة وله ذيول خارجية كثيرة يجب قطعها وهناك اخطار كثيرة تمتد داخل العقل المصري وتعبث فيه كما شاءت.. ان الإعلام الأن قوة قادرة علي تحطيم ثوابت كثيرة وهدم كل مقومات الدول والشعوب وقد وصل الإعلام المصري الي درجة من الخطورة يحتاج معها الي حكمة العقلاء واصحاب الضمائر. يتهيأ المشهد المصري الأن لاستقبال السيسي رئيسا ولا اتمني ان اري فيه ظلالا من ماضي مصر حتي وان كان جميلا.. نريد ان نراه مستقبلها الذي حلمنا به ولم يتحقق.. لقد اثبت وبالتجربة انه مقاتل شرس وهو يقود معركته ضد تفكيك الدولة المصرية وتقسيم شعبها ثم رأيناه يتصدي بجسارة لحشود الإرهاب في سيناء فقد كان جسورا وهو يواجه محنة وطن في لحظة تاريخية صعبة, والظروف التي تعيشها مصر الأن تحتاج الي هذه الجسارة لكي نواجه المستقبل بكل تحدياته.. وهو يعرف الكثير من ازمات ومشاكل المواطن المصري وهو يدرك حجم التحديات التي يواجهها القرار المصري بكل مستوياته.. انا شخصيا لا اريده زعيما نحمله علي الأعناق.. ولا اريده فرعونا يحيط به الكهنة والحواريون, لا اريده اسطورة يصنعها خيال او احلام او حشود او مواكب ولا اريده امبراطورا يحلق في سماء الكون اريده انسانا مصريا بسيطا كما هو يقتسم معنا رغيف الخبز ويشاركنا احلامنا الصغيرة ويمضي معنا لنواجه همومنا الكبيرة ويحقق الأمان والإستقرار لشعب عاني كثيرا من الظلم والقهر والإستبداد. انه لن يصنع شيئا وحده ولكن مع وحدة هذا الشعب سوف ينجز الكثير.. احلم وانا اعيش خريف العمر ان اري في سماء وطني يوما حلما قديما يسمي الديمقراطية وإحساسا رائعا يسمي الكرامة ومعركة انتخابية تكون حديث العالم.. وإنسانا آمنا في بيته ورزقه واسرته وحياته.. نريد مصر التي حلمنا بها يوما ومن حق ابنائنا ان يعيشوا هذا الحلم. .. ويبقي الشعر فلتسألوا التاريخ عني كل مجد تحت أقدامي ابتدا.. أنا صانع المجد العريق ولم أزل في كل ركن في الوجود مخلدا.. أنا صحوة الانسان في ركب الخلود فكيف ضاعت كل أمجادي سدي.. زالت شعوب وانطوت أخبارها وبقيت في الزمن المكابر سيدا.. كم طاف هذا الكون حولي كنت قداسا.. وكنت المعبدا.. حتي أطل ضياء خير الخلق فانتفضت ربوعي خشية وغدوت للحق المثابر مسجدا.. يا أيها الزمن المشوه لن تراني بعد هذا اليوم وجها جامدا .. قولوا لهم إن الحجارة أعلنت عصيانها والصامت المهموم في القيد الثقيل تمردا.. سأعود فوق مياه هذا النهر طيرا منشدا.. سأعود يوما حين يغتسل الصباح البكر في عين الندي.. قولوا لهم بين الحجارة عاشق عرف اليقين علي ضفاف النيل يوما فاهتدي وأحبه حتي تلاشي فيه لم يعرف لهذا الحب عمرا أو مدي.. فأحبه في كل شئ في ليالي الفرح في طعم الردي.. من كان مثلي لا يموت وإن تغير حاله وبدا عليه.. ما بدا.. بعض الحجارة كالشموس يغيب حينا ضوؤها حتي إذا سقطت قلاع الليل وانكسر الدجي جاء الضياء مغردا.. سيظل شئ في ضمير الكون يشعرني بأن الصبح آت.. أن موعده غدا.. ليعود فجر النيل من حيث ابتدا.. ليعود فجر النيل من حيث ابتدا. 'من قصيدة حتي الحجارة أعلنت عصيانها سنة1998' لمزيد من مقالات فاروق جويدة