ختم الفيلسوف الإغريقي أرسطو كتاب( الأخلاق إلي نيقو ماخوس) بقوله عن تأثير الأخلاق علي المجتمع: في الشئون العملية ليس الغرض الحقيقي هو العلم نظريا بالقواعد بل تطبيقها, ففيما يتعلق بالفضيلة, لا يكفي أن يعلم ما هي, بل يلزم رياضة النفس علي استعمالها, ولو كانت الخطب والكتب قادرة وحدها علي أن تجعلنا أخيارا, لاستحقت أن يطلبها الناس بأغلي الأثمان, لكن كل ما نستطيع هو أن نشد عزم بعض فتيان كرام علي الثبات في الخير, ونجعل القلب الشريف بالفطرة صديقا للفضيلة وفيا بعهدها. مازالت كلمات المعلم الأول سارية المفعول حتي الزمن الراهن, خاصة في مجتمعاتنا العربية, التي تتكلم كثيرا عن الفضائل ومكارم الأخلاق فأصبحت يا للعجب الرجل المريض في عالم اليوم, وفي اعتقادي أن العيب ليس في الكلام, بل في صاحب الكلام, الذي لا يعرف تنفيذ هذه الفضائل, ليخلق مجتمعا فاضلا, بأهله وناسه, لا بشعاراته وأيديولوجياته المغلقة, إلا أن الشعلة المصرية تنبئ بمسار جديد بدأ بثورة(30 يونيو), وتعزز بالتصويت علي دستور جامع للمصريين, بنسبة غير مسبوقة, وروح اجتماعية عامة مصممة علي حماية الوطن من الوقوع في فخ التخلف الأزلي, ومن تحوله إلي مجتمعات للاجئين,بديلا عن دولة وطنية حديثة تحفظ كرامة مواطنيها. كتابة دستور يضم جماع القانون الأخلاقي, الذي ينظم حياة الجماعة ويحمي حقوق الفرد والمجتمع, فلا يجور أحدهما علي الآخر, ليس بالطبع غاية المني, بل كما قال المعلم الأول: أن الأهم هو التطبيق, ولا تصبح هذه القواعد حبيسة الكتب, فالأهم أن نراها سلوكا اجتماعيا للكبير والصغير, فإن أعطانا التوافق علي الدستور تفاؤلا عاما وعميقا, إلا أن في مرحلة إعادة بناء الكيان الوطني, يصبح التفاؤل المفرط مما لا تحتمله اللحظة التاريخية الحرجة, التي لن تؤثر في مستقبل مصر وحدها, ولكن أيضا العالم العربي والإسلامي والعالم كله, بلا مبالغة أو انفعال. أنقذ المصريون العالم من انسداد تاريخي عندما مكنت السياسات البراجماتية الغربية, فصيلا متخلفا يحاول إعادة التفسير المقدس للالتزامات السياسية والاقتصادية, في محاولة لإلغاء التاريخ والزمن المعاصر, بحماقة الأيديولوجيا المغلقة المصمته, ويسقطها علي الواقع, نافيا التطورات والتراكمات التاريخية التي حدثت عبر التاريخ, وأيضا معميا عن شروط التطور المعرفي والتقني للعولمة, التي جعلت من العالم وحدة واحدة, وعائلة دولية متصلة بطرق غير مسبوقة تكنولوجيا, تحالفت العائلة العالمية الحاكمة التي تدعي مكافحة الإرهاب, مع فصيل يدعم الإرهاب, ويقوم علي أسس فكرية تؤدي مآلتها إلي الإرهاب عينه, عندما تفرض أيديولوجية الفرقة الناجية علي باقي العالم من الكفار من جميع المعتقدات ومنهم المسلمون أنفسهم, وجدت العائلة الدولية أن الفصيل الذي مكنته من الحكم, ليكون جنودها المشاة علي الأرض للتخريب وإضعاف الدول المارقة, قد حول هذه الدول إلي بؤر لتصدير الإرهاب إليها, وأن السيطرة علي الإرهاب, وتجنيده لتحقيق أهداف محددة, ليس مضمون النتائج, ولا يليق بالعائلة الدولية المحترمة, التي تسعي لفرض الديمقراطية وحقوق الإنسان كما تدعي!, ولم ينقذ العالم إلا العائلة المصرية المحترمة حقا التي خرجت بإصرار في ثورتها التاريخية في(30 يونيو), لتعطي الشرعية لخارطة الطريق التي أنجزت دستورا مدنيا, يوفق بين الخصوصيات العربية والإسلامية, وبين منجزات العصر الحديث الإنسانية, من حقوق الإنسان التي تضمن حرية الفرد وسلامة الكيان الوطني للمجتمع, ولا عزاء للخونة العملاء, ولا ل كذابين الزفة سفهاء الأحلام أحداث الأسنان! الكيان الوطني مفهوم تجريدي وتصور نظري لواقع اجتماعي ملموس, يشكله الأفراد الذين لا يستطيعون النمو والتطور إلا داخل المجتمع, الذي يبدأ بنسق الأسرة ويتسع ليشمل الوطن كله, ويا للهول.. فقد اتسع ليشمل العالم كله, بوسائل الاتصال والمواصلات الحديثة, ومن مصلحة كل فرد حتي يحافظ علي أثمن ما يملك وهي حريته, بناء المجتمع الذي ينتمي إليه علي أسس حضارية, لينتمي لمجتمع متحضر سواء كان صغيرا أو كبيرا بحجم العالم! ومهمة المصريين التاريخية بناء مجتمع مصري متحضر, لن يخترعوه بل سيعاد بناؤه علي أسس علمية وعقلانية, فالوعي الحضاري المصري الموروث الذي تميز بالكوزموبولتية أي بالتعدد وقبول الآخر, والتعاطي مع المعارف بثقة بالذات, هو ما حشد هذه الأعداد الغفيرة من المصريين من كل المستويات والفئات علي قلب رجل واحد, ما أغاظ الأعداء, وكذابين الزفة, فيهزون في مهاترات كلامية إعلامية لم تعد تؤثر في طفل رشيد من أبناء مصر, فإعلام الجزيرة أصبح يثير الرثاء أكثر مما يبعث علي الغضب! الوعي الحضاري المصري يعطي الآن المجد للعلماء, خاصة في المرحلة الحالية لعلماء الاجتماع والنفس, لوضع إصلاحات تربوية مقصودة, والتطبيق العملي لدراسات الحراك الاجتماعي, لضبطه بأسلوب عقلاني علمي منظم, ولحسن الطالع أن هناك قبولا عاما بالمشاركة في بناء مجتمع متحضر, يدير دفته جميع أفراد المجتمع الحر, الذين اكتشفوا وملوا زيف أيديولوجيات تجار الدين والدم والألم, وما فيها من السطحية الساذجة, التي تقود للهلاك, بكل هبل وعبط, ترضاه العائلة الدولية التي تقود العالم لنا, وتأنف هي منه لنفسها. عزم العائلة المصرية المحترمة علي بناء مجتمع فاضل, يترجم مواد الدستور إلي واقع سيقود إلي مجتمع دولي فاضل في مرحلة لاحقة, بالوصول إلي قناعة مشتركة أن تعاون الشعوب وإبراز أفضل ما فيها, أكثر خيرية للمجتمع الدولي, عن أوهام الهيمنة والقمع, التي تجر إلي إرهاب أعمي يصيب الجميع, ويستفيد من المنجزات العلمية الحضارية لتتسع دائرته لتشمل العالم.. أعتقد أن من مصر سيتم إرساء مفهوم تنافس الشعوب المنتجة حضاريا, ويبدأ بتشكيل مجتمع فاضل, يعيد الشرف لكل مهنة في مصر, ويحترم حرية كل فرد فيها إذا اتجهنا نحو العلماء ليقودوا دفة الحياة الاجتماعية, فقبل الخوض في بحار السالكين يجب أن ندرج مدارجهم. لمزيد من مقالات وفاء محمود