أثبت خروج الملايين للتصويت بنعم في الاستفتاء علي الدستور أن قوة الشعب المصري الجارفة العارمة هي عنوان الحقيقة, هي قوة لايستهان بها لأنها نابعة من موروث حضاري وثقافي وروحي ووقودها إرادة فولازية وعزيمة لاتلين تحمل طاقة هائلة من الصبر وقوة التحمل, وتظهر دائما في أوقات الشدائد والمحن لكي تلبي نداء الوطن وتقف حائلا ضد أطماع الأشرار وجحافل البغي والعدوان في الداخل والخارج. نعم للدستور اثبتت تماسك نسيج المجتمع ووحدته أن حب الوطن قابع في أعماق الوعي الجمعي للمصريين, وأنه يتغلغل في العقل والوجدان وينتقل بين أفراد الأسرة والعائلة في حالة من الوراثة الاجتماعية بالتقليد والمحاكاة, وليس هناك أجمل من مشاهد الأسرة بكاملها حتي الأطفال والجميع يقفون في طابور الشرف والواجب أمام صناديق الاستفتاء.. وهكذا أثبت الانتظار عدة ساعات في بعض اللجان دون كلل أو ملل استعداد المواطن للتضحية من أجل بناء مستقبله ناسيا همومه ومعاناته, وكم من المسنين والمرضي وذوي الحالات الخاصة شاهدناهم في لجان الاستفتاء وهم يعكسون حب الوطن ويقظة الوعي والاقتناع بقيمة المشاركة السياسية مهما تكن قسوة الظروف وشدة المعوقات. إن ثقافة المصري لها مفعول السحر في مشاركته السياسية حتي وان لم يكن لديه حظ من التعليم, فهو ابن الحضارة وصاحب التاريخ وقد ظهر ذلك في تلقائية البسطاء وفرحتهم واقتناعهم بدورهم الإيجابي في التصويت بنعم. ان أصحاب الفئات المهمشة وسكان العشوائيات وأفراد الطبقات الفقيرة لم يفكروا في مقاطعة الدستور أو التقاعس عن الإدلاء بأصواتهم لأن نداء الضمير وحب الأرض وتأصل الهوية المصرية بداخلهم أقوي بكثير من معاناة العوز والحرمان وضيق سبل المعيشة, ولأن الأمل وهو غذاء الروح ودافع حب الحياة مازال يدق في أعماق نفوسهم ومازال يحمل لهم الكثير, هذا فضلا عن المخزون الروحي بالإيمان الحقيقي في عدالة السماء والشعور بأن الخير آت لامحالة من عند رب العرش العظيم. وقد أثبت التصويت بنعم أيضا أن هناك حالة من جوع الفرحة سيطرت علي أبناء هذا الشعب الطيب الكريم مع طول السنوات العجاف للحكم الظالم المستبد, وعندما انفرجت الأزمة وزالت الشدة شاهدنا انطلاقة الفرحة بالبسمة والطبل والرقص والغناء وكأنه عرس سياسي طال انتظاره, وكانت المرأة صانعة الرجال هي مفاجأة الإستفتاء, فظهرت في مختلف أعمارها وألوانها المزدهرة وأشرقت فرحتها في ربوع الوطن وأعلنت أنها وبحق مصدر كل خير وانها صانع أساسي في بناء الوطن.. وأما رجال الجيش والشرطة البواسل فهم أصحاب العرس السياسي الجميل وقد بدت وجوههم مشرقة لسعيها راضية.. انهم رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه ولهم منا كل احترام واجلال وتقدير. د. يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة