لا شك أن الأمن والأمان من أهم دعائم المجتمعات ووسائل استقرارها, وإن شئت فقل إنه أهمها, فلا استقرار بلا أمن, ولا اقتصاد بلا أمن, ولا نهضة ولا رقي ولا تقدم ولا ازدهار بلا أمن. وقد دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام لمستقر ولده إسماعيل وزوجه هاجر(عليهم جميعا السلام) أول ما دعا بالأمن والأمان, فقال عليه السلام كما أخبر النص القرآني علي لسانه: رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات البقرة126, فدعا للمكان أن يكون بلدا وأن يكون آمنا وأن يرزق أهله من الثمرات حتي يحقق لهم الأمن الغذائي والنفسي إلي جانب الأمن العام. ولأهمية هذا الأمن أقسم به الحق سبحانه وتعالي فقال:( والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين), ويقول نبينا,, ب: من أصبح منكم آمنا في سربه معافي في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها, واعتبر الإسلام حرص الإنسان علي توفير الأمن للآخرين ووفائه بذلك شرطا من شروط الإيمان. وقد أشار الحق سبحانه إلي تحقيق الأمن والأمان لمصر وأهلها, فقال سبحانه علي لسان يوسف عليه السلام:( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) يوسف99, علي أن النعم إنما تدوم بالشكر والمحافظة عليها. ومن وسائل المحافظة علي نعمة الأمن والاستقرار: 1- تحقيق العدل بين جميع أبناء الوطن, فإن الله عز وجل ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة, ولا ينصر الأمة الظالمة ولو كانت مسلمة, والمقصود بالعدل هو تحقيق العدل في جميع جوانبه من العدل في الحكم, إلي العدل في القول, إلي العدل في القسمة, إلي العدل في توزيع ثروات الوطن, إلي العدل في الحصول علي فرص العمل, إلي العدل في تكافؤ الفرص في الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. 2- تطبيق القانون بحسم علي الصغير والكبير دون أي تردد أو مجاملة أو محسوبية, يقول نبينا, ب:( إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه). ومن هنا شرع الإسلام من الأحكام ما يحافظ علي النفس والمال والعرض, فشرع القصاص لحفظ النفس, وحد السرقة لحفظ المال, وحد الزنا وحد القذف لحفظ العرض, وحد الحرابة للمفسدين في الأرض, فقال سبحانه: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيمالمائدة.33 3- التكافل والتراحم بين جميع أبناء المجتمع: فمجتمع لا تراحم فيه لا يمكن أن يكون آمنا, فنحن في سفينة واحدة, يقول نبينا, ب:مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعا. ومن هنا تأتي أهمية العناية بتطوير العشوائيات وتحسين الظروف المعيشية لساكنيها, وتوفير الحاجات الأساسية لجميع أبناء المجتمع, ذلك أننا عندما نوفر الحد الأدني من الحياة الكريمة للأكثر فقرا واحتياجا, فإننا نوفر الأمن والأمان للأسر الأكثر ثراءولساكني المناطق, وهو ما نؤمل تحقيقه من خلال إنشاء منظومة الأمان الاجتماعي الذي نسعي جميعا جادين لتحقيقها في القريب العاجل. 4- التربية الإيمانية الصحيحة التي تقوم علي الثقة في الله عز وجل, وبيان أن ما كان للإنسان فسوف يأتيه, وأنه لن تموت نفس حتي تستوفي أجلها ورزقها, والتأسي بحياة النبي, ب وحياة أزواجه وأصحابه وتابعيه الذين لم تكن الدنيا أكبر همهم, ولم تأخذ من حياتهم فوق ما تقوم به أسس هذه الحياة, ومن هنا دعا الإسلام إلي البعدعن كل مظاهر الترف والإسراف والتبذير, ودعا إلي التراحم والتكامل وتحقيق الأمن المجتمعي لكل أبناء المجتمع. 5- التعاون المجتمعي في كشف المفسدين والمخربين والضرب علي أيديهم بيد من حديد, يقول نبينا, ب:انصر أخاك ظالما, أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره قال تحجزه, أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره أخرجه البخاري. وهنا نؤكد أن الإسلام قد نهي عن كل ألوان الإفساد في الأرض, فالإفساد والاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة أو تعطيل الطرق أو الدعوة إلي تعطيل مسيرة الحياة وكل ما يضر مصالح الوطن مما لا يقره دين ولا خلق ولا عقل سليم, ويجب علي المجتمع أن يقف صفا واحدا في مواجهة هذا الفساد, مع تأكيدنا أن الدولة المصرية تتعرض لمحاولات إسقاط فاشلة عبر إنهاك جيشها وشرطتها بمخططات ودعاوي خبيثة مشئومة, فعلي الجميع أن يتنبه لذلك, وأن يقف صفا واحدا في كل وجوه وألوان الفساد والإفساد في الأرض, كل يؤدي دوره من باب قول نبينا,, ب:( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) أخرجه الإمام مسلم. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة