في التاريخ السياسي للدول الديموقراطية, قد يكون الاستفتاء علي وثيقة قانونية أو دستورية, هو في نفس الوقت استفتاءا علي شخص القائد أو الرئيس . وأبرز مثال علي ذلك أنه بعد ثورة الشباب والطلبة في فرنسا عام1968 أثناء حكم الزعيم شارل ديجول, أراد هذا الزعيم أن يؤكد استمرار شعبيته ورضاء المواطنين عنه, فطرح الاستفتاء علي شخصه عام1969 في صورة استفتاء علي قانون قليل الأهمية يتعلق بالحكم المحلي. وخاطب الفرنسيين قائلا لهم. إذا لم توافقوا علي هذا القانون بأغلبية كبيرة أرضي عنها, فسأقدم استقالتي لكم. وهذا ما حدث بالفعل, فقد استقال الرئيس ديجول, بعد أن حصل علي موافقة الشعب علي القانون المقترح بأغلبية لم تكن كافية في نظره للاستمرار في الحكم. وهذا ما حدث في مصر في استفتاء الدستور, فقد خاطب الفريق أول عبد الفتاح السيسي المواطنين طالبا منهم النزول للتصويت علي الاستفتاء. وقد أدرك المصريون جميعا بحس سياسي أرقي بكثير من الحس السياسي لبعض من يطلق عليهم اسم النخبة, بأنهم لا يصوتون للدستور فقط, ولكن يصوتون للفريق السيسي في نفس الوقت. وقد حصل الدستور وكذلك الفريق السيسي علي موافقة الشعب بنسبة كاسحة هي98.1%, علي خلاف ما حدث في فرنسا عام1969. أول من صك التفرقة بين المصير الوطني, والمستقبل السياسي, هو الرئيس الفرنسي الأسبق جورج بومبيدو. فبعد أن استقال الرئيس شارل ديجول كما أسلفنا, اتجهت الأنظار نحو رئيس الوزراء جورج بومبيدو. وقد سأله أحد الصحفيين سؤالا هو: هل تري لنفسك مستقبلا سياسيا ؟ فرد عليه بومبيدو علي الفور: ليس مستقبلا سياسيا, ولكنه مصير وطنيDestinNational وهذا الاصطلاح ينطبق علي الفريق السيسي أكثر من انطباقه علي جورج بومبيدو, الذي لم يعرف عنه أنه أنقذ فرنسا من أي خطر داهم, أو أعمال ارهابية لعصابة إجرامية دولية. والكل يعلم أن الفريق السيسي لا يسعي للرئاسة, ولكن الرئاسة تسعي إليه. فهذا هو مصيره الوطني, وليس مستقبله السياسي. أهم رقم في نتيجة استفتاء2014, أن عدد من صوتوا بنعم يبلغ نحو عشرين مليون مواطن, أي ضعف عدد من صوتوا بنعم علي دستور2012 تقريبا, والذين بلغ عددهم أكثر قليلا من عشرة ملايين مواطن. والرقم الثاني في الأهمية هو أن نسبة الموافقة علي الدستور كما يعلم الجميع هي نسبة اسطورية وهي1,98%. وأترك للقارئ التأمل في هذه الأرقام واستخلاص ما يراه منها. سخر السيد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي من نسبة الموافقة بأكثر من95%, وقال أنها لا تتفق مع الديموقراطية. وللرد علي هذا الكلام نقول له أن الشعوب في لحظات الخطر تضم صفوفها وتقف وقفة رجل واحد. وأبرز مثال علي ذلك, أنه في انتخابات الرئاسة الفرنسية عام2002, عندما ذهل الفرنسيون بأن الإعادة تجري بين جاك شيراك, والسياسي اليميني المتطرف جان لوبان, حصل جاك شيراك علي83% من أصوات الناخبين, وهي نسبة اسطورية غير مألوفة في الدول الديموقراطية, إلا في لحظات الخطر الكبري. مع العلم بأن خطر لوبان, يشبه, ولكنه أقل بكثير من خطر المنظمة الارهابية العالمية التي كانت تحكم مصر. لا أريد التوقف أمام أكاذيب الأخوان, كقولهم إن الشعب المصري شعب من العبيد, أحب الخضوع لحكم العسكر. وقد أقسم الأستاذ مصطفي بكري أنه سمع بأذنه هذا الكلام الشائن من أحد قادة الأخوان في احدي الفضائيات, أو ما قالته ابنة الرئيس المعزول محمد مرسي معروف أن نساء مصر يعشقن العبودية والذل والعار والعهر والنجاسة( راجع الموقع الالكتروني للأخبار), أو ما قاله المذيع في فضائية رابعة, أن من صوتوا بنعم هم من المغيبين.. إلي آخر هذا الهراء. ولكني أتوقف أمام أكذوبة استطاع كاتبها أن ينشرها في جريدة قومية كبري, يزعم فيها أن من لم يذهب للتصويت فقد قال لا, وأن ما يقرب من ثلثي الناخبين الذين لم يذهبوا للتصويت يرفضون هذا المرشح نفسه, وهو يقصد بذلك الفريق السيسي. وبطبيعة الحال فإن هذا القول, ليس من قبيل الرأي الآخر, أو الرأي المعارض, وإنما هو تدليس وافتراء. فلم يقل أحد من قبل في أي مكان في العالم أن من لم يذهب للتصويت فإنه صوت بلا. ويكفي أن عدد من ذهبوا للتصويت في هذا الاستفتاء يفوق عدد من ذهبوا للتصويت في أي استفتاء تم بعد ثورة يناير2011. فلندع الكاذبين جانبا, فهم يفضحون أنفسهم بأنفسهم, ولن ينالوا شيئا من فرحة الشعب وخروجه المبهر في يومي الاستفتاء. لمزيد من مقالات د.سميرتناغو