ما أقسي علي التلميذ أن يرثي أستاذه, لاسيما إذا كان هذا الأستاذ في قيمة وقامة الراحل الدكتور كمال المنوفي. لقد كان الراحل إنسانا بكل معاني الكلمة, قبل أن يكون مفكرا كبيرا وعلما بارزا في مجال العلوم السياسية. اعتاد المرحوم الدكتور كمال أن يقابل الجميع بوجه سمح بشوش وابتسامة صافية لا تفارقه حتي في المواقف الصعبة. وظل علي الدوام يجسد كل معاني العطاء دون أن ينتظر المقابل, فهو لم يبخل يوما علي تلاميذه بوقت أو جهد أو مساعدة, لذلك حفر له مكانة متميزة في نفوسهم, وبادلوه حبا بحب, ومودة بمودة. أما من حيث العطاء العلمي فسوف يبقي للراحل بصماته البارزة في مجال النظم السياسية, فإذا كانت رسالته للدكتوراه عن الثقافة السياسية للفلاحين قد شكلت فتحا مهما في هذا المجال, فإنه كتابه عن النظم السياسية يمثل هو الآخر علامة بارزة ضمن الأدبيات العربية في هذا الشأن. و لايقل أهمية عنهما كتابه القيم عن مناهج البحث, الذي يعد بحق مرجعا معتبرا يعتمد عليه كثيرون في التدريس والبحث. ناهيك عن إسهامات المرحوم البارزة في دراسة عمليات التنشئة السياسية, والسياسات العامة, وتحليل المحتوي السياسي للمقررات الدراسية في مصر وغيرها من البلدان العربية. ومن أبرز مآثر المرحوم الدكتور كمال المنوفي أنه أسهم بحق في بناء جيل من الباحثين المصريين والعرب المتخصصين في دراسة النظم السياسية, حيث أشرف علي العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه, وناقش العشرات منها. وفي جميع الحالات ظل ملتزما بالجدية والرصانة والموضوعية مشرفا ومناقشا. ومن منطلق قناعته الراسخة بأن قيمة العلم تكمن في منهجه, فقد ظل الدكتور المنوفي حريصا علي تعليم تلاميذه أسس المنهج وأصوله, والتثبت من دقة وسلامة المفاهيم والإجراءات المنهجية في كل أطروحة أشرف عليها, أو شارك في مناقشتها. ولذلك فإن أفضل ماترك المرحوم لعلم السياسة, ليس كتبه ومؤلفاته القيمة فحسب, ولكن تلاميذه المنتشرون في مؤسسات ودول عدة, والذين يمثلون استمرارية له. لمزيد من مقالات د. حسنين توفيق إبراهيم