جامعة بدر تطلق النسخة الأولى من قمة التكنولوجيا والأعمال الدولية 2025    233.5 تريليون جنيه قيمة المدفوعات عبر نظام التسوية اللحظية خلال 11 شهرًا    سحب رعدية وتساقط تلج وبرق و تلج.. تحذيرات هامة خلال الساعات المقبلة    4 بلاغات جديدة و«ناني».. ارتفاع ضحايا الاعتداء الجنسي من جنايني مدرسة دولية بالإسكندرية    ارتفاع عدد مصابي مصنع الإسماعيلية ل18 عاملًا    اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة 2026 واستضافة العريش لمؤتمر أدباء مصر    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    «القاهرة للعرائس» تكتسح جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل    القاهرة الإخبارية: قصف مدفعي إسرائيلي متواصل في المناطق الصفراء شرق غزة    روني: صلاح يدمر إرثه في ليفربول.. وسيندم على ما قاله خلال عامين    حسام حسن يوجه رسالة لحسن شحاتة: نتمنى له الشفاء العاجل    وزير الشباب يبحث مع وفد معمل لندن مستجدات اعتماد المعمل المصري للمنشطات    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين في واقعة السباح يوسف    وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    وزير الأوقاف يحيل إمام مقصر ...ويوجه بضبط خطة سير العمل العاملين بالاوقاف بضرورة الالتزام بالضوابط    النقل تكشف عن أحدث فيديو وصور لمحطات الخط الثاني للقطار الكهربائي السريع    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    رئيس الوزراء يبحث مع منظمة «الفاو» سبل تعزيز الأمن الغذائي    قافلة «زاد العزة» ال89 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    إطلاق قافلة زاد العزة ال 89 إلى غزة بحمولة 256 ألف سلة غذائية وملابس    طرح البوستر الرسمى لفيلم القصص قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر    أخصائي تغذية: العسل الأسود أهم فائدة من عسل النحل    العسقلاني: الأهلي فاوضني قبل الرباط الصليبي.. وهذه قيمة الشرط الجزائي في عقدي    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    جامعة قنا تنظم ندوة توعوية عن ظاهرة التحرش    منذ لحظات .. محمد صلاح يصل مقر تدريبات ليفربول قبل قمة إنتر ميلان بدوري الأبطال.. فيديو    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    عشرات المستوطنين يقتحمون باحات الاقصى واعتقال ما لا يقل عن 21 فلسطينيا من الضفة    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    الجوهري: العلاقات بين مصر والصين تمثل نموذجاً راسخاً لشراكة استراتيجية شاملة    الصحة تنفي وجود فيروسات جديدة وتؤكد انتظام الوضع الوبائي في مصر    انطلاق تصويت أبناء الجالية المصرية بالكويت فى الدوائر المغاة بانتخابات النواب    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" يزورون المتحف المصري الكبير    وزير الثقافة يعلن اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026    بعد ساعات من التوقف.. إعادة تشغيل الخط الساخن 123 لخدمة الإسعاف بالفيوم    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    أسعار اليورانيوم تتفجر.. الطاقة النووية تشعل الأسواق العالمية    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    مجلس الدولة يفتح باب التعيين لوظيفة «مندوب مساعد» لخريجي دفعة 2024    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    الدفاع الروسية: إسقاط 67 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روح الدستور

أنصت بعناية شديدة, كما أنصت الكثيرون, لقراءة مواد الدستور الجديد, والأذن قد تفهم قبل العين أحيانا, ثم قرأته في تأن وتؤدة من غير إحساس بأي عقدة أو توجس أو سوء ظن, وحاولت أن أرصد بعض ملامحه وما تميز به عن الدساتير التي سبقته وقد كنت عضوا في اللجنة الأولي التي ذهبت مع النظام السابق.
أقول نعم لهذا الدستور وقد حدد في كلمات جلية واضحة لا لبس فيها, ولا تحتمل شكا أو تفسيرا, حدد هوية مصر. إن الإسلام دين الدولة, واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع( مادة1) أليس هذا تحصيل حاصل للواقع المصري منذ ألف وأربعمائة سنة, لا مجال للمزايد, ولا خوف لأي إنسان يعيش علي أرض مصر وقد أكدت هويتها منذ قرون متصل, هي أمة واحدة ذات سيادة لا تقبل التجزئة ولا ينزل عن شيء منها نظامها جمهوري ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة وسيادة القانون, ثم تأتي( المادة4) لتؤكد أن السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية التي تقوم علي مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين المواطني, وقد ناقشنا طويلا في اللجنة الأولي اقتراحا قدم بنص يقول: السيادة لله, وأسقط كلمة الشعب وكأنه يسقط دور ورسالة الإنسان المكلف من قبل خالقه ليكون خليفة له علي الأرض والإنسان أدري بشئون دنيا, وهل ينكر مؤمن أن لله السموات والأمر, وأن الحياة رسالة ووديع, وأن حق الإنسان في هذه الدنيا إنما مصدره هبة خالقه له, فالسيادة للشعب إنما هي منحة من الله ترفع من قدر الإنسان ولا تنقص من حقوق الله, وإن كان أهل القانون يقولون إن القانون أمر, وروح القانون أمر آخر, وأن القانون أمر والعدل أمر آخر, يمكن القول إن الدستور أمر وروح الدستور أمر آخر, فالمواد النظرية هي جسد الدستور, وممارسته وتطبيقه هي روحه وحياته.
أزعم أن روح الدستور المصري الجديد تنزع بشدة إلي إعادة الكرامة للإنسان المصري, لشخصه كإنسان, لحقه كمواطن, فالدستور أكد حقوقه, رجلا كان أو امرأة, طفلا أو كهلا, صحيحا أو مريضا أو معاقا, عاملا أو فلاحا, غنيا أو فقيرا, عالما يحمل أعلي الشهادات أو بسيطا قليل الثقافة, لقد وضع الدستور الجديد الإنسان المصري نصب فكره واهتمامه, ومن ثم سقطت الطبقية والعنصرية والاستعلاء بالحسب والنسب, والتميز بسبب الدين أو العرق أو المذهب, فحرية العقيدة مطلقة والبشر كافة هم عيال الله, متساوون أمام القانون. إن النزعة الإنسانية لا تخفي في سطور هذا الدستور وأزعم أنها نزعة من صميم نسيج الإنسان المصري تتجلي بنوع خاص في أوقات الشدة والمعاناة, فهو لا يحب بطبيعته العنف وسفك الدماء والتدمير إنه صانع الحضارة وحامل ضمير الإيمان منذ عهود قديمة.
في شجاعة وصدق أكد الدستور الجديد الوحدة الحضارية المصرية فمصر هي مصر, والمصريون هم المصريون لم يذوبوا في شعوب غازية أو محتلة لم تغير جوهر طبيعتهم في أي عصر بل ازدادت عمقا ورسوخا في بناء شخصيتها وخبرتها, وتميزت بمرونة فائقة في استيعاب أي ثقافة أو تطور أصاب العالم, لقد ازاح الدستور تراكم التراب ومهد الطريق لتوهج العقل المصري, وتقوية الإرادة الوطنية وأيقظ الوعي الوطني والإنساني لحقائق العصر, فمصر كما أشار إفريقية وعربية ومن أمم البحر المتوسط, إنها دولة طموح تسعي للخروج من كهوف العصور الوسطي واستشراف مستقبل واعد برغم زحام القضايا وثقل المسئولية, أكد صيانة والحفاظ علي المؤسسات التي تقوم عليها الدولة, حقوق القضاة فهم غير قابلين للعزل لا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون( مادة184) وأعلن التزام الدولة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور( مادة11) ونلاحظ أنها وضعت المرأة قبل الرجل في تعبير يتسق مع حضارة العصر, يرتقي بمكانتها ولا يبخس حقا للرجل ولا يتعارض مع قيمنا وتراثنا وإنما يفتح المجال لطموحات المرأة ويخرجها من عصور العبودية والرق.
أما الأهمية القصوي التي أولاها الدستور للجيش وللشرطة( من المادة199 إلي المادة205) لا يمكن إدراك معناها وضرورتها إلا إذا عرفنا طبيعة مصر الدولة الزراعية الآمنة التي لم تعرف في تاريخها وجود ميليشيات أو مرتزقة أو عسكر, هذه تعبيرات لا تمت بصلة للذهنية المصرية, لقد عرفت مصر بجيشها من أبناء الفلاحين والطبقة المتوسطة, إن جذورهم النفسية والاجتماعية تمتد إلي أعماق الأرض والنيل والزرع, نفهم لماذا قال نابليون: أعطني جيشا مصريا أغزو به العالم, وتجربة محمد علي أثبتت سمة خالدة في الجيش المصري وحدته لا تمزقها ثورة أو قلق, أو فقر, أو عدو, فقد أقام جيشا مصريا ساد حوض البحر المتوسط خلال حكمه ودق أبواب الأستانة وهدد الامبراطورية العثمانية التي استغاثت بالغرب.
إن انتماء الجيش المصري من أصغر جندي إلي أعلي قائد, انتماء خالص لمصر, الوطن, والشعب, والقانون, فالجيش المصري هو العمود الفقري لمصر التي تمتد سهولها الخضراء تحيط بنيلها الوديع وتسكب صحراؤها الغامضة الصامتة أمنا وسكينة, وفضاؤها الملتحف بالبهاء والجمال. وختاما إن هذا الدستور قد كتب, ومواكب الشهداء تطوف بأنحاء مصر, لتلهم المصريين بناء حضارة جديدة وتعلن لضميرهم أن أرواحهم هي بذور هذه الحضارة وطاقة خالدة لخلق حياة أفضل, كتب هذا الدستور وسيل دموع الثكالي والأرامل والأيتام لا يجف وأنين المظلومين والفقراء يتردد صداه في فضاء الوطن, نقول نعم لهذا الدستور نبض ثورة شعبية هائلة زلزلت الأمم والشعوب وكأنه يقول: هذه هي مصر الحقيقية بين أيديكم فماذا أنتم فاعلون بها ؟.
لمزيد من مقالات د. الأنبا يوحنا قلته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.