تعيش أمتنا الآن مرحلة من أدق مراحل تاريخها وتمر بمنعطف خطير يستوجب عليها بكل شرائحها وأطيافها, أن تلتقي علي كلمة سواء, وتهتدي بمنهاج رسولها صلي الله عليه وسلم الذي وحدها من فرقة, وهداها من ضلالها وعلمها وزكاها فكانت بحق خير أمة أخرجت للناس. وها نحن نعيش ذكري ميلاد أطهر من مشي علي الأرض وهو رسول الله صلي الله عليه وسلم وتبصر عن كثب إلي أي مدي انتشر الإسلام والأمان علي يديه. ولننظر إلي البشائر التي سبقت مولده وإلي تلك الارهاصات التي ظهرت في الدنيا, فقد روت كتب السيرة النبوية العطرة العديد من ارهاصات المولد النبوي الشريف, مثل تصدع ايوان كسري ومثل جفاف بحيرة ساوة, واخماد نار فارس. وجاء لنا القرآن الكريم بارهاص عظيم في سورة من سوره الا وهي سورة الفيل وفيها خاطب رب العزة سبحانه وتعالي رسوله ومصطفاه عليه الصلاة والسلام: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول. إن هذه السورة الكريمة تطلعنا علي رعاية الله تعالي للبلد الحرام والبيت الحرام, وكيف أنه سبحانه رد جيش أبرهة الذي كان يريد هدم الكعبة, ويستولي علي مكة وعلي البلد الحرام والبيت الحرام, مع أنه في هذا العام, وهو عام الفيل سيولد خاتم الأنبياء والمرسلين, عليه الصلاة والسلام, فهل من المعقول أن يولد في بلد استولي عليه الظالمون ليقع كل من في البلد أسري؟! وفي هذا العام الذي ولد فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم حمي الله مكة وحمي البيت من عدوان المعتدين كرامة لبيت الله وارهاصا لميلاد خير خلق الله وخاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. وإذا كانت هذه الإرهاصات جاءت قبل المولد النبوي الشريف, فان الله تعالي منذ الأزل أخذ العهد والميثاق علي جميع الرسل والنبيين أن يؤمنوا بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ووصوا اتباعهم عبر العصور والأزمان ان عاشوا وان عاشروا وعاصروا زمانه أن يؤمنموا به. وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال: أأقررتم وأخذتم علي ذلكم إصري قالوا: أقررنا قال: فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين وقضت الإرادة الالهية من قديم وقبل خلق آدم أن يختم الله سبحانه رسله بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حيث قال: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وقال: كنت نبيا وآدم منجدل في طينته وصان الله سبحانه وتعالي النطفة المباركة التي خلق منها رسول الله صلي الله عليه وسلم, وجعله يتقلب في الساجدين, فبرغم ما كان يعج به المجتمع آنئذ من نظم فاسدة وعلاقات مسفة مثل السفاح ونظام الأخدان ونظام الاستبضاع إلي غير ذلك من النظم والخلافات المتردية, برغم كل هذه العلاقات وغيرها, فان الله سبحانه وتعالي صان رسوله صلي الله عليه وسلم, وحفظ النطفة التي خلق منها من أي دنس, لانه كان يوجد إلي جانب تلك النظم والعلاقات السابقة كان يوجد نظام شريف عفيف نظيف هو ما عليه المسلمون الآن من زواج بولي وشهود وصداق, ومن هذا النظام الشريف العفيف كانت تتقلب نطفة أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام, وقد تحدث عن فضل الله تعالي عليه في ذلك حين قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلي أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء وهكذا نري أن الله تعالي نشر نبأ رسوله صلي الله عليه وسلم منذ الأزل, وقضت الإرادة الالهية أن يختم به الأنبياء والمرسلين, وأخذ العهد والميثاق علي الرسل أن يؤمنوا به وينصروه, وأثني عليه رب العزة حين قال: وإنك لعلي خلق عظيم ان واجب أمتنا في هذه الآونة التي تمر بها ان تتخذ من سيرته صلي الله عليه وسلم نبراسا لها تهتدي به في ظلمات حياتها, وفي مواجهة الفتن التي تعترضها والتحديات التي تعوق مسيرتها. وعلي جميع القوي أن تتضافر علي الحق وأن تسير علي منهاج صاحب الذكري صلي الله عليه وسلم, فتعتصم بحبل ربها وتتعاون علي البر والتقوي, وتحقق خيريتها التي وجهها الله تعالي إليها: كنتم خير أمة أخرجت للناس. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم