يأتي الاحتفال بذكري المولد النبوي الشريف هذا العام بعد سلسلة من الأحداث الجسام التي شهدتها الأمة في الأيام الحالية.. تفجيرات هنا, ومحاولات اغتيال هناك.. شهداء وضحايا تغتالهم يد الإرهاب الغاشمة.. ومن أسف أن تفخر بعض الجماعات المنتسبة زورا وبهتانا للإسلام, كجماعة أنصار بيت المقدس وغيرها, بإعلان مسئوليتها عن ذلك. لعل هذا ما دعا علماء الدين إلي التركيز علي قيم التسامح والسلام في خلق النبي صلي الله عليه وسلم, لبيان موقف الإسلام من الجرائم التي ترتكب من بعض أتباعه, وبراءته من كل ما يهدد أمن وأمان البشرية جمعاء وليس المسلمين فقط. يقول الدكتور السعيد محمد علي, مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف, إن المتأمل في سيرة النبي صلي الله عليه وسلم يجده سمحا بطبعه, فهو عليه الصلاة والسلام الذي خلق علي أحسن ما تكون الأخلاق, وأسمي ما تكون الطباع, وأفضل ما تكون السجايا, تجلي هذا في كل أحواله صلي الله عليه وسلم مع أقرب الأقربين وأبعد الأبعدين, فهو عليه الصلاة والسلام الذي لخصت رسالته في كلمة واحدة وهي الرحمة, لقوله تعالي وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فعاش النبي بهذه الكلمة رحيما بالدنيا كلها, مع أهله وحتي مع أعدائه. ولو أردنا أن نقف علي سماحته صلي الله عليه وسلم مع مخالفيه في العقيدة لوجدناه قدوة ونموذجا بمعني الكلمة لكل معاني الرحمة والتسامح, وقد روي الإمام مسلم أن جماعة من قبيلة دوس ومنهم أبو هريرة قالوا للنبي: يا رسول الله, ادع علي دوس وذلك لما اقترفته دوس من اضطهاد الصحابة والنيل من المسلمين, فما كان من النبي صلي الله عليه وسلم إلا أن قال: اللهم اهد دوسا وائت بهم مسلمين. فهدي الله قبيلة دوس ببركة دعاء النبي. وقد روي البخاري أيضا ان قبيلة ثقيف, نالت من الإسلام والمسلمين الأمر الذي أدي بصحابة رسول الله إلي أن يستنصروا لرسول الله في أن يدعو عليهم, فما كان من النبي إلا أن دعا لهم وقال: اللهم اهد ثقيفا. وهنا يعلمنا النبي صلي الله عليه وسلم كيف يكون التسامح والعفو لملاقاة العنت والاعتداء. وإذا تأملنا قوله تعالي في القرآن الكريم ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا لوجدنا كيف أن الله تعالي يأمر بالتسامح وعدم الاعتداء علي المشركين ولو منعونا من الوصول إلي البيت الحرام. وكل هذه صفات أرساها لنا الإسلام وطبقها الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم, فإذا انتشر خلق التسامح بين الناس, عم الود أرجاء المعمورة وأطياف المجتمعات وأبناء الوطن الواحد. والأكثر من ذلك أن الله تعالي دعانا في وطننا هذا مصر إلي أن نكون أمة واحدة, ويظهر هذا في قوله تعالي في سياق حديث القرآن الكريم عن السيدة البتول والسيد المسيح وحديث القرآن بشكل عام في سورة المؤمنون وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون. ما احوجنا ونحن نحتفل بذكري المولد النبوي أن نتحلي بهذا الخلق وهذا التسامح مع من نتفق معه, ومن نختلف معه علي السواء. فالتسامح لا يبدو خلقا إلا مع من تجاوز حدوده واعتدي, عملا بقوله صلي الله عليه وسلم فيما ورد عنه, إن الله تعالي أمرني بأن أعفو عمن ظلمني وأصل من قطعني وأعطي من حرمني. من جانبه طالب الدكتور زكي محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر الدعاة والوعاظ بالتركيز علي قيم العفو والتسامح والسلام في أخلاق النبي صلي الله عليه وسلم,عند الاحتفال بهذه الذكري العطرة, مشددا علي ضرورة الاستفادة من خلق النبي صلي الله عليه وسلم وتطبيقه علي الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم, وأضاف: ما أحوج المنتسبين للإسلام والمتحدثين باسم الدين ويدعون للتشدد والعنف ويباركون عمليات التخريب وترويع الآمنين المسالمين, ما أحوج هؤلاء وغيرهم ممن ينشرون التشدد والغلو, إلي أن يعيدوا قراءة تاريخ السيرة النبوية العطرة ويتعلموا من مواقف وحياة النبي صلي الله عليه وسلم ويراجعوا إسلامهم ويصححوا مفاهيمهم الخاطئة والمغلوطة, ويعودوا إلي الجادة. واختتم د. زكي عثمان مؤكدا أنه لن تقوم لنا قائمة وينصلح لنا حال إلا بالاقتداء والتأسي عملا وليس قولا بكل ما جاء به, فالنبي صلي الله عليه وسلم جاء حاملا رسالة ربه جل وعلا, رحمة للعالمين وبلسما للبشرية وهداية للخلق أجمعين.