أكدت دار الإفتاء أن للجهاد في الإسلام غاية إنسانية سامية, وحكمة إلهية عادلة وهي دفع الظلم والعدوان عن المظلومين, وحماية حق الإنسان في معرفة الدين الحق وحرية اعتناقه. وذلك بعد نشر دعوة الإسلام والتعريف بحقائق الدين لمن لم يصل إليه بيان ذلك, ثم إتاحة حرية الاختيار له بعد عرض الإسلام ودعوة الحق عليه بلا إكراه ولا تزييف ولا تشويه. ولفتت دار الإفتاء, في فتوي أصدرها أمس مرصد دار الإفتاء للرد علي الفتاوي التكفيرية, حول بيان مفهوم الجهاد في سبيل الله وهل يجوز منع الابن من الذهاب للجهاد في سبيل الله سواء أكان في سوريا أو العراق أو الشيشان أو أفغانستان أو فلسطينالمحتلة ؟ وهل الجهاد في الوقت الحالي فرض عين؟ وهل موقف أحد الوالدين في منع الابن من ذلك موقف شرعي أو أنه خروج عن طاعة الله عز وجل ومنع من إقامة الفرائض الشرعية كما يقول الابن ؟ إن مصطلح الجهاد في سبيل الله قد يستخدم- كما في كتب الأخلاق والرقاق- بمفهوم أوسع بما يشمل مجاهدة النفس والهوي والشيطان, وإليه أشار الحديث الشهير الذي رواه الإمام البيهقي في الزهد الكبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قدم علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قوم غزاة, فقال صلي الله عليه وآله وسلم:( قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر), قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال:( مجاهدة العبد هواه). وأوضحت الفتوي أن الجهاد- الذي هو القتال- هو في الأصل من فروض الكفايات لابد أن يكون تحت راية ويعود أمر تنظيمه إلي ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة الذين ولاهم الله تعالي أمر البلاد والعباد وجعلهم أقدر من غيرهم علي معرفة مآلات هذه القرارت المصيرية, حيث ينظرون في مدي الضرورة التي تدعو إليه من صد عدوان أو دفع طغيان, فيكون قرارهم مدروسا دراسة صحيحة فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد, بلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها الحكمة أو زمام التعقل. وأوضحت دار الإفتاء أنه ليس لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه دون مراعاة تلك الضوابط والشروط وأضافت الفتوي أنه لو كلف مجموع الناس بالخروج فرادي من غير استنفارهم من قبل ولي الأمر لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم, وقد قال تعالي: وما كان المؤمنون لينفروا كافة, التوبة:122], مع ما في هذا التصرف من التقحم في الهلكة دون مكسب مذكور, مع ما يترتب علي ذلك من إهمال العواقب والدخول في الفتن العمياء والنزاعات المهلكة بين المسلمين والتي تفرزها قرارات القتال الفردية الهوجائية, وأضافت الفتوي أن الجهاد في حق من هو خارج البلاد المعتدي عليها تابع لمدي حاجة من هم داخلها من أهلها, ولا بد فيه من سلوك الطرق الصحيحة, كمراجعة الجهات المختصة بواقع الأمور والمشرفة علي تقدير الحاجة من عدمها, والتي تراعي حساب المآلات والنتائج والمصالح والمفاسد المتعلقة بالاعتبارات الإقليمية المفتقرة إلي موازنات خاصة, وليتم الأمر بشكل رسمي محدد المعالم, حتي لا يقع من أخذته الحماسة والرغبة في الجهاد فريسة لجهات مشبوهة تستغلهم وتوظف حماسهم لخدمة أهداف خارجية باسم الجهاد. وشددت الفتوي علي أنه يجوز للأب أن يمنع ابنه من السفر بغرض الجهاد, ولا إثم عليه في ذلك, ويجب علي الابن المذكور طاعة أبيه ويحرم عليه مخالفته في مراده ورغبته, لما روي البخاري ومسلم في صحيحيهما, عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم يستأذنه في الجهاد فقال:( أحي والداك؟( قال: نعم, قال:( ففيهما فجاهد). واستدلت الفتوي بما قاله الجمهور' يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين, لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية'.