بين حين وآخر تطالعنا وكالات الأنباء والصحف بنبأ غرق مجموعة من الشباب المصري الطامح إلي الهجرة إلي أوروبا للعمل بها, واستشرت هذه الأيام ظاهرة الهجرة غير الشرعية. وسماسرة الهجرة غير الشرعية يتحصلون علي آلاف الجنيهات من الشباب الباحث عن فرصة عمل بحجة تسفيرهم إلي إيطاليا أو غيرها عن طريق مراكب متهالكة ثم يقومون بإلقائهم في البحر ويتركونهم لمصائرهم في عرض البحار. وقد كثر الهالكون والغرقي والمطاردون في هذه الهجرة غير الشرعية, كما كثر فيها النصب والاحتيال من جانب عصابات التهجير, وزادت احتمالات الهلكة والردي لدي أصحاب الهجرة غير الشرعية, ونحن بدورنا نسأل علماء الدين لمعرفة الرأي الشرعي حول الهجرة غير الشرعية. ضوابط الهجرة يقول الدكتور جمال الدين حسين عفيفي, أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر, إن هؤلاء الشباب يعرضون أنفسهم لكثير من المخاطر, ويقعون في خطأ كبير لأنهم يجازفون بأعمارهم ويقتحمون المخاطر علي أساس أنها حقائق مع أنها أوهام, والمؤمن الحقيقي لا يكون كذلك, بل هو كيس فطن فهو لا يقدم علي السفر إلي أي منطقة إلا إذا كان لديه مستند حقيقي للسفر, وما يفعله هؤلاء فهو إلقاء بالنفس إلي التهلكة وهذا أمر قد نهانا الله عنه لأنه لا يجوز لعاقل أن يعرض نفسه لخطر قائم علي الوهم, كما أن هؤلاء الشباب يضيعون أموالهم ويجعلون هذه الأموال فريسة لأولئك الذين فقدوا ضمائرهم وغرروا بهم, ونقول لهؤلاء لو أننا أخذنا الحذر عملا بقوله تعالي:( وخذوا حذركم) لما وقعنا في تلك المشكلة, كما أننا لو حكمنا عقولنا فإننا من الممكن أن نستفيد بالأموال التي قد نعطيها لأولئك الذين فقدوا ضمائرهم في البداية بمشروعات ولو كانت بسيطة في الأماكن التي نقيم فيها بين أهلنا وأصدقائنا فإن هذا سيكون أجدي وأنفع, بل إن هؤلاء الأهل والأصدقاء قد يكونون وسائل عون لنا علي النجاح فيما نقوم به من أعمال, ويجب أيضا أن نعلم أن كثيرا من الذين نجحوا لم يبدأوا إلا بدايات صغيرة وبسيطة وبالصبر والتحمل نجحوا وأصبحوا من المشهورين, وذلك مصداقا لقوله تعالي:( إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب), فعلي العاقل أن يصبر وأن يبدأ بعمل ولو بسيطا. أرض الله واسعة من جانبه يقول الدكتور محمود حربي عبدالفتاح أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر, إنه لا خلاف بين الفقهاء في مشروعية الهجرة في سبيل الكسب والرزق والعمل, قال تعالي:( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) فالله رغب في الهجرة وذكر أنه يترتب عليها وجود السعة في الرزق, وهذا ما قررته الآية الكريمة:( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) أما الهجرة غير الشرعية فهي حرام, لعدة أمور أحدها, أن فيها مخاطرة بالنفس وقد قال تعالي:( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وقال أيضا( ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة). وأكد الدكتور محمد حربي, أن الهجرة غير الشرعية فيها مخالفة لأمر الحاكم وإذنه, وطاعة الحاكم واجبة في غير معصية, قال تعالي:( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) كما أن الفقهاء يرون أن للحاكم تقييدا مباحا, فالهجرة وإن كانت مباحة شرعا فإن للحاكم تقييدها بشروط, فإذا خولفت تلك الشروط كانت معصية, أما من مات في أثناء هذه الهجرة, فإنه لا يعتبر منتحرا شرعا, لأنه لم يباشر قتل نفسه, وكان يغلب علي ظنه النجاة, والأحاديث الواردة في هذا الباب تفيد أن المنتحر هو من باشر قتل نفسه عن عمد, ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي, صلي الله عليه وسلم, قال:( من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردي فيها خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تحس سما فقتل نفسه, فسمه في يده, يتحساه في نار جهنم, خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالد مخلدا فيها أبدا) وهو صريح في أن المنتحر هو الذي باشر قتل نفسه عن عمد. تحري الكسب الحلال وأضاف: أما بالنسبة للمهاجرين حينما يصلون بدون غرق, فأدني ما يقال إن في كسبه شبهة الحرام, والنبي, صلي الله عليه وسلم, قال:( الحلال بين والحرام بين, وبينهما أمور مشبهات, لا يعلمها كثير من الناس, فمن اتقي المشبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات, فراع يرعي حول الحمي يوشك أن يواقعه), والمقصود بقول الله تعالي:( وأرض الله واسعة) قد تحمل أن بلاد الله واسعة, أو الدولة واسعة, فللإنسان أن يعمل في أي مكان من أرض الدولة, بحيث يحقق لنفسه الربح الحلال, فبدلا من أن يجتهد في العمل بطرق غير شرعية في غير دولته, فأولي به أن يجتهد في العمل في داخل دولته, أما من ساعده علي أخذ أمواله من أجل مساعدته للهجرة, فهو كسب غير مشروع, وحرام وهو من قبيل أكل أموال الناس بالباطل, لأنه يغرر به, وقال تعالي:( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم). مسئولية الدولة وأكد الشيخ محمود عاشور, وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية, إن الدولة مسئولة مسئولية تامة عن علاج مشكلة الهجرة غير الشرعية والتي يروح ضحيتها الآلاف من شبابنا غرقا سنويا, وطالب مؤسسات الدولة بإيجاد فرص عمل شريف للشباب المتعطل والذي لا يجد عملا, والقضاء علي سماسرة الهجرة غير الشرعية من الذين يقومون بالحصول علي آلاف الجنيهات من الشباب, وتغيير القوانين لتشديد العقوبات علي الهجرة غير الشرعية لتضييق الخناق لمحاصرة هذه الظاهرة. ودعا الشيخ محمود عاشور, الشباب لضرورة إتباع القوانين والطرق المشروعة للهجرة وعدم المجازفة بإلقاء أنفسهم إلي التهلكة وضرورة إتباع نظام البلد وعدم خرق القوانين. وأن تجد الدولة حلا لمشكلة البطالة حتي لا نترك الشباب فريسة لليأس, وإنشاء المشاريع الكبري التي تحفظ حياة وكرامة أبنائنا وحتي لا نصدم يوميا بحوادث غرق مراكب الهجرة غير الشرعية والتي يروح ضحيتها خيرة الشباب.