الصراع المسلح في جنوب السودان وتحوله من صراع سياسي الي صراع قبلي كان متوقعا قبل استقلال الجنوب في يناير2011 ورغم ذلك لم يعمل أحد علي تفاديه سواء من النخب السياسية المحلية أو دول الجوار الإقليمي. فقد انشغلت النخب الجنوبية عن وضع مشروع تنموي يملك اساسا نظريا لنهضة الجنوب بالصراع مع شمال السودان منذ2005 وحتي اللحظة الراهنة وإن كانت أساليب الصراع قد تفاوتت من صراعات مسلحة محدودة بسبب القضايا التي لم تحل بين الطرفين منذ استقلال جنوب السودان عام2011 وذلك مثل الحدود وتسعير النفط والديون, كما انشغلت أيضا بمقاومة اختراقات شمالية لنخب سياسية وعسكرية جنوبية ربما يكون لبعضها ظل في اندلاع الصراع الراهن في دولة جنوب السودان. وتبدو مسئولية سلفا كير في هذا الصراع مركبة وكبيرة فالرجل بحكم نضاله العسكري الممتد في كل من حركة انانيا حتي السبعينيات ثم الحركة الشعبية منذ الثمانينيات لا يملك القدرة علي المراوغات أو مهارات الاحتواء السياسي وربما تعليمه دون الجامعي ساهم في هذا الوضع من هنا جاءت ترتيباته في التعديل الوزاري الاخير في يوليو الماضي لتزيح كل منافسيه السياسيين دفعة واحدة ما جعله اليوم وحيدا أمام أوزان سياسية وقبلية كبيرة وأهمهم رياك مشار المسيطرة قبيلته النوير علي مناطق إنتاج النفط من جهة وتملك تاريخ من الصراع السياسي والعسكري مع الدينكا من جهة ثانية. وفي المقابل لاتبدو مسئولية مجموعة أولاد جارانج هينة وهم أرملة الزعيم الراحل جون جارانج ربيكا وكل من دينق آلور وزير الخارجية السابق وباجان أموم أمين عام الحركة الشعبية, فهؤلاء جميعا قادوا صراعا علي مستويين الأول مع شمال السودان حينما عرقلوا الي حد ما التقارب بين شمال وجنوب السودان انتصارا لمشروع جارنج المسمي السودان الجديد وهو المشروع الذي استلزم دعما لقطاع الشمال في الحركة الشعبية أما المستوي الثاني من الصراع فقد كان ضد سلفا كير نفسه ومحاولة تحجيم فرصه للفوز بفترة رئاسية قادمة اعتبارا من.2015 وتكمن خطورة استمرار الصراع في جنوب السودان هو تحوله من صراع سياسيي الي صراع قبلي تمتد تداعياته لكل إقليم شرق إفريقيا وتؤثر علي بيئتي حوض النيل و البحر الأحمر بشكل سلبي للغاية علي كل منهما يهدد المصادر المائية في حوض النيل والتجارة العالمية في البحر الأحمر,وذلك بالنظر الي التداخل العرقي والقبلي في هذه المنطقة والحدود السياسية الهشة بين جنوب السودان وكل من كينياوأوغنداوالكونغو وكلها دول تتميز بالهشاشة وبها صراعات مسلحة قائمة بالفعل فجيش الرب يحارب ضد أوغندا منطلقا من جنوب السودان وجواره وشرق الكونغو منطقة اضطرابات ممتدة. الشاهد هنا أن تطورات جنوب السودان تعني تهديدا مباشر لمصر فمن ناحية تملك مصر علاقات تاريخية بشعب جنوب السودان وعلاقات جيدة بنخبه السياسية وسلامة الاثنين من أولويات المصريين خصوصا مع تردد أنباء باكتشاف وجود مقابر جماعية وامتداد القتل علي أساس الهوية ومن ناحية ثانية تعني تداعيات الصراع في شرق إفريقيا تحجيم قدرات مصر في التعاون التنموي مع دول هذه المنطقة وشعوبها وهو مدخل أيضا لتنمية مصر علي الصعيد الإسترايجي, ورغم هذه الإعتبارات المهمة تبدو الحكومة المصرية غائبة تماما عن المشهد الا من مبعوث لوزير الخارجية نبيل فهمي وهو أمر مشكور عليه ولكن حينما يكون الأهتمام بالأزمة علي مستوي وزراء خارجية دول شرق إفريقيا وتكون إثيوبيا ساحة التفاوض المنتظرة لابد وأن يكون المبعوث المصري بدرجة تعبر عن اهتمام مصري مناسب وإلا يكون حديث حكومة الببلاوي عن إفريقيا مجرد فض مجالس.