الحوار هو: نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين, يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة, بحيث لا يستأثر أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب وقد ثبتت مشروعية الحوار مع الغير بنصوص كثيرة في الكتاب الكريم والسنة, ورد فيها محاورة بين الحق سبحانه وبين ملائكته, إذ قال الله تعالي لهم: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون, وكانت المحاورة بينه سبحانه وبين أنبيائه ورسله وخلقه, من ذلك: محاورته موسي عليه السلام, ومحاورته عيسي, بقوله: وإذ قال الله يا عيسي بن مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب, ومحاورة بين الأنبياء والرسل وبين من بعثوا أو أرسلوا إليهم, وهذا كثير وارد في سورة هود وغيرها, ونظرا لما للحوار من أهمية في التوصل إلي حل المشاكل, فقد شرع في هذه الأمة وغيرها, بحسبانه السبيل الأمثل للوصول إلي الحق في الأمور التي تمثل منعطفا من منعطفات الأمم, والوسيلة السلمية لإنهاء النزاع والخلاف, وخلق مناخ صالح للتعاون والتآزر, هو السبيل الأقوم لضبط الاختلاف وتفعيل قيم التآلف والاتفاق, وهو أساس التفاهم مع الغير, واكتساب العلم وتلقي المعرفة, وأنه أداة التفاهم مع الآخرين, وإظهار القواسم المشتركة بين المتحاورين, وإيجاد وجوه النفع وتبادل المصالح بين المتحاورين, وقد تحاور رسول الله صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين, ولذا استطاع أن يقنع عتبة بن ربيعة بأن ما يدعو إليه هو الحق الذي لا مرية فيه, واستطاع بهذا الحوار أن يغير نظرة عقلاء قريش له, وتحاور رسول الله صلي الله عليه وسلم مع المسلمين في قضايا عدة كانت موضع خلاف بينه وبينهم, من ذلك تحاوره مع عمر في إخفاء الدعوة إلي الإسلام بمكة, وكان لهذا الحوار أثره في إظهارها, إذ قال عمر: يا رسول الله ألسنا علي الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال: بلي, قال عمر: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن, فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما, وأنا في الآخر, له كديد ككديد الطحين حتي دخلنا المسجد, قال فنظرت إلي قريش وإلي حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها, فسماني رسول الله صلي الله عليه وسلم يومئذ الفاروق, وحاوره يوم الحديبية في قبوله شروط الصلح المجحف بعضها بالمسلمين, وعدم إقدامه علي قتال مشركي مكة, إذ قال عمر: يا رسول الله ألسنا علي الحق وهم علي الباطل؟, فقال: بلي, فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟, قال: بلي, قال فعلام نعطي الدنية في ديننا؟, أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم, فقال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا, وكان هذا الحوار المنتج هو ديدن أصحابه من بعده, فقد تحاور عمر مع أبي بكر في قتاله ما نعي الزكاة, واستطاع أبو بكر أن يقنع عمر بأنه علي الحق في قتالهم, كما حاور عمر أبا بكر في جمع القرآن, الذي لم يجمع في زمن النبي صلي الله عليه وسلم, واستطاع عمر أن يقنعه برأيه, فاقتنع, واستطاعا بالمحاورة أن يقنعا زيد بن ثابت بجمعه بعد أن أبدي استغرابه لفكرة جمعه, فالحوار هو السبيل الأمثل لحل المشكلات, باعتباره الطريق الشرعي والمنهج الذي تتقبله العقول للوصول إلي ما يرضي الأطراف المتحاورة, الي تبغي بحوارها الوصول إلي الطريق السوي. لمزيد من مقالات د. عبد الفتاح إدريس