شاب في الأربعين من عمره. اختطفه الموت عام1983, قبل أن يكمل مشروعه الثقافي. ولم يتذكره أحد عندما خيمت سحابات الدخان الأسود علي قلب القاهرة. وقت حريق المجمع العلمي. وكان مشروعه الفكري وصف مصر قد صار عنوانا غاضبا لهذا الحريق. فقد عكف زهير الشايب سنوات, من عمره القصير, علي ترجمة مجلدات من وصف مصر التي كتبها علماء الحملة الفرنسية علي مصر, في نهاية القرن الثامن عشر. وكانت حملة غزو واحتلال. وكان قائدها نابليون بونابرت طموحا. وأراد أن يتخذ من مصر نقطة لتكوين امبراطوريته. لكن الحظ لم يحالفه. فقد قصم الأسطول البريطاني ظهر الأسطول الفرنسي في معركة أبوقير. وفر نابليون بعد عام من الهزيمة عائدا الي فرنسا. وانسحب جنود الحملة الفرنسية من البلاد عام.1801 وأفضي هذا الحدث الي اقتناص محمد علي السلطة في مصر عام.1805 وكان غريبا ودخيلا. لكنه تمكن من النهوض بالبلاد. ولا تزال الآراء تتباين حول مقاصده. ولا بأس بذلك الجدل. لكن ثمة حقائق لا يمكن إغفالها, وأهمها أن شيخين مستنيرين من الأزهر الشريف تمكنا في زمنه من غرس زهور الثقافة المصرية, وهما الشيخ حسن العطار, وتلميذه رفاعة الطهطاوي. وكان الشيخ حسن عالما واستاذا بالجامع الأزهر. وتبني شابا موهوبا هو رفاعة. وعندما أنهي الشاب دروسه بالأزهر, زكاه الشيخ عند الوالي محمد علي كي يلحقه إماما وواعظا للبعثة التعليمية التي كانت تستعد للسفر إلي فرنسا عام.1826 وتفوق رفاعة علي كل أفراد البعثة. وتأثر أيما تأثر بالثقافة والسياسة في فرنسا. وهو ما رصده في كتابه تخليص الابريز, في تلخيص باريز, الذي نشره عقب عودته إلي القاهرة عام.1831 وكان العود أحمد. وكرس رفاعة علمه وجهده لنشر الثقافة والتعليم في مصر. وكان يؤمن ايمانا عميقا بثنائية النهضة الجديدة.. الأصالة والمعاصرة. وهكذا مهد رفاعة الدرب لكوكبة من المثقفين والكتاب المستنيرين. بينهم أحمد لطفي السيد وطه حسين ونجيب محفوظ. واشعلوا قناديل ثقافة الوعي وعشق الوطن. وعقدوا قرانا سعيدا بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. واستبشروا خيرا بثورة1952, لكنهم سرعان ما أدركوا أن مشروعها الأثير للعدالة الاجتماعية يتهشم في أتون مطاردتها للديمقراطية. وتكشف النبوءة الروائية لنجيب محفوظ ثرثرة فوق النيل عما ألم بالبلاد من عناء وبلاء. لقد أطفأ حكم الرجل الواحد والحزب الواحد قناديل الثقافة والوعي وصار الظلام حالكا إبان سنوات حكم مبارك. وتربع اللهو الخفي علي عرش الاعلام والثقافة والأمن. وكان القصد نفي العقل في متاهات اللغو. وعم الاستبداد واستشري الفساد. ونشأت العشوائيات, وطرحت أطفال الشوارع. لا وطن لهم, ولا أمهات ولا آباء ناهيك عن اهمال المؤسسات الثقافية, ولا أدل علي ذلك من حريق المثقفين في قصر الثقافة في بني سويف. وعندما أطاحت ثورة25 يناير بمبارك, تولي اللهو الخفي قيادة الثورة المضادة, وتلاعب بأطفال الشوارع, ودفعهم للمشاركة في حرق المجمع العملي إبان أحداث شارع مجلس الوزراء. ولأن الحدث كان جللا. لم يتذكر أحد زهير الشايب, الذي عاني كثيرا وطويلا وهو يترجم اجزاء من وصف مصر. والمثير للدهشة أن اللهو الخفي كان يدير معركة الحريق, ويوزع الاتهامات علي شباب الثورة, ويؤجج الفتنة في الطرقات. ان الثورة لا تحرق منشآت الوطن, وانما الذين يحرقونها هم صناع الفوضي الراهنة, والذين يتربصون بالثورة في ذكراها الأولي الآتية بعد أيام.. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي