هل تحتاج مصر إلي عبدالناصر جديد أم مانديلا جديد؟!.. هذا هو السؤال الذي شغل ذهني وأذهان الكثيرين منذ وفاة الزعيم نيلسون مانديلا وتشييع جثمانه في الأسبوع الماضي في جنازة مهيبة هي الأهم في التاريخ الحديث بعد أن شهدت أكبر حشد للزعماء علي مدي التاريخ كله حيث شارك فيها نحو001 رئيس دولة وحكومة من الشرق والغرب, ومن كل قارات الدنيا بلا استثناء. دائما كان العالم منقسما حول الزعماء المتوفين سواء في العصور الوسطي أو في التاريخ الحديث, وكان كل معسكر ينحاز إلي الزعيم الذي يتبع هذا المعسكر أو ذاك, فالزعيم الذي يتبع المعسكر الشيوعي أو الشرقي ينحاز إليه زعماء هذا المعسكر دون غيرهم, وكذا الزعيم الذي يتبع المعسكر الغربي.. أما مانديلا فقد أجمع عليه كل الرؤساء والزعماء والشعوب لأنه اختار الخلود الحقيقي بتقديمه النموذج المثالي للزعماء, فلم يطمع في سلطة ولم يثأر من خصومه, ولم ينهب أموال دولته, واستطاع أن يقيم دولة علي أنقاض كنتونات عنصرية بغيضة يمارس فيها الرق والعبودية في أبشع صورهما, ورغم سجنه72 عاما لم يخرج لينتقم, بل خرج لينشر السلام والمحبة والمصالحة بين أبناء شعبه, وأصر علي عدم البقاء في السلطة إلا لدورة واحدة فقط, فأصبح الرئيس الحقيقي لبلاده مدي الحياة. علي الجانب الآخر فان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قام بثورة عظيمة في يوليو2591 التف الشعب المصري كله حولها, لأنها أنهت الاحتلال البريطاني لمصر, وأعادت لها قناة السويس, وأقامت مشروعا اجتماعيا عظيما للعدالة الاجتماعية, غير أنه للأسف الشديد نسي المبدأ السادس الذي قامت الثورة لأجله وهو اقامة حياة ديمقراطية سليمة, ولو كان فعلها لتغيرت مياه كثيرة, ولأصبحت مصر منارة العالم العربي والافريقي كما تستحق فعلا, غير أن شلة السوء وفساد البطانة جعلت ثورة يوليو تنحرف عن مسارها, وتعجز عن استكمال مبادئها الستة. هذا الفشل كان الدافع وراء قيام ثورة يناير1102, لأنه لو أن هناك حياة ديمقراطية سليمة ما ظهرت فكرة التوريث, وما ظهر تحالف السلطة والمال, وربما لم نكن نري بعض الرؤساء الذين حكموا خلال فترة ما بعد عبدالناصر. قامت ثورة يناير علي أمل إصلاح الخلل, واستكمال مسيرة البناء غير أن ما حدث بعد ذلك كان صدمة هائلة حيث بدأت مخططات تفكيك الدولة وضرب مؤسسات الجيش والقضاء والشرطة وغيرهم من مؤسسات الدولة, وحينما جاء مرسي إلي الحكم كان الأمل في أن يقوم أول رئيس مدني منتخب بلم شمل الأمة والنهوض بها, غير أن الغباء السياسي كان هو السمة المميزة لفترة حكمه, وانتقل من الغباء إلي العناد في محاولة للفوز بالقاضية علي باقي فصائل المجتمع, وكسر شوكتهم في إطار مخطط التمكين ليثور الشعب مرة ثالثة ونرجو أن تكون الأخيرة في03 يونية من أجل اقامة الحياة الديمقراطية السليمة بعد أن فشلت ثورتا يوليو ويناير في تحقيق هذا الهدف. الشعب يريد اقامة حياة ديمقراطية سليمة, ويريد اقامة دولة قوية تأخذ مكانها اللائق تحت الشمس اقتصاديا وعسكريا وثقافيا. مصر محظوظة بشعبها ومظلومة بقادتها فهي تحتاج إلي مانديلا مصري من طين هذه الأرض, ومن شعبها المكافح البطل المتمسك بحريته وبوطنه والمؤمن بالتسامح والوسطية والاعتدال الديني والسياسي, فالشعب المصري يرفض التطرف أيا كان.. يرفض التطرف الديني وينبذه, كما أنه يرفض التطرف السياسي بكل أشكاله وألوانه. لقد لمحت في الجنازة روبرت موجابي صديق رحلة الكفاح لمانديلا في السجون العنصرية, وهو يجلس بين صفوف المشيعين كسيرا, معزولا, كئيبا, بعد أن تحول إلي ديكتاتور بشع, ومجرم, ومصاص دماء, ومطارد من العدالة الدولية لأنه متهم بجرائم ضد الإنسانية. تعفف مانديلا واستغني فكان مصيره التكريم مدي حياته وبعد مماته ليصبح رمزا وأيقونة للتسامح والنضال والعدالة.. أما موجابي فقد استغل نضاله لتحقيق مصلحة شخصية ضيقة, وهي رئاسة بلاده ليتحول إلي مجرم ينتظر الإعدام في أي لحظة مثل أي مجرم وبلطجي. صحيفة التليجراف البريطانية رصدت اهتمام العالم العربي بوفاة نيلسون مانديلا مشيرة إلي ما يعانيه العالم العربي في الوقت الراهن من انقسامات كارثية علي الأصعدة السياسية والاجتماعية والمذهبية, وأن العالم العربي كله من المحيط إلي الخليج ينتظر ظهور مانديلا العرب لينشر المصالحة والتسامح بين أبناء وطنه, ثم بين أبناء الوطن العربي كله. وهاهي أيام قليلة تفصلنا عن الاستفتاء علي الدستور, ثم تبدأ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية, فمن يكون مانديلا مصر والعرب؟! اعتقد أنه موجود.. فقط عليه أن يعلن عن نفسه ببرنامج محدد وواضح وخطوات عملية ملموسة, ووقتها سوف يلتف الشعب المصري كله حوله لينتشل مصر مما هي فيه الآن ويقدم النموذج للعالم العربي كله. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة