أمضي رايت35 عاما من حياته المهنية في البحث وراء شخصية أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وأجري مقابلات مع أكثر من500 شخص من أصدقاء وأقارب بن لادن ومسئولين في20 دولة وخرج إلي العالم قبل خمس سنوات بكتابه الذي حصل علي جائزة بوليتزر أرقي الجوائز الأمريكية في الصحافة تحت عنوان البروج المشيدةLoomingTower, وروي خلاله قصة الأفكار المتشددة عبر العقود الأخيرة وصولا إلي القاعدة وهجمات سبتمبر في الولاياتالمتحدة. علي عكس ما تروج له الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس أوباما صاحب الفضل في مقتل زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن أن التنظيم أصبح ضعيفا بعد مقتل العقل المدبر, إلا أن التنظيم مازال يمثل تهديدا ليس فقط للغرب ولكن للمسلمين, رغم أن نائب أسامة بن لادن أيمن الظواهري لا يملك الإمكانيات المطلوبة لإحكام قبضته علي زمام الأمور وهناك من هو أقدر منه لقيادة التنظيم... هكذا يري الصحفي الأمريكي المتخصص في شئون تنظيم القاعدة لورانس رايت بعد أن صدرت الطبعة الثانية من كتاب البروج المشيدة.. القاعدة والطريق إلي11 سبتمبر والذي أحدث ضجة بعد أن قدم رؤية جديدة للمخاطر الكارثية لاستمرار التنظيم وتحليلات لأبرز اللاعبين الأساسيين فيها وكيف تقاطعت مساراتهم قبل الوصول إلي11 سبتمبر, ومعلومات خطيرة- لم يكشف عنها من قبل. يري رايت أن تنظيم القاعدة لم يكن من الممكن أن ينتهي في حالة بقاء بن لادن علي قيد الحياة, والآن بعد موته, ما زال تنظيم القاعدة قائما, يمثل تهديدا, ليس فقط للغرب, ولكن للمسلمين أيضا. فقد أودي بحياة الكثير من المسلمين ربما أكثر من الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في أحداث11 سبتمبر. ومن خلال رسم ملامح شخصيتي أسامة بن لادن وأيمن الظواهري يتتبع رايت جذور الميليشيات الإسلامية وعالمها السري بما يتضمنه من تكوينات ثقافية مدمرة. يقول رايت: لقد حاول كل منهما ومنذ اللحظة الأولي جر القاعدة إلي الطريق الذي يريد, ومن المهم أن ندرك كيف التقي بن لادن والظواهري في منتصف الطريق واستطاعا التوصل إلي تسوية مفادها أن هدف التنظيم هو إعلان الجهاد في العالم. حيث لم يكن من الممكن أبدا أن ينجح بن لادن بمفرده, أو الظواهري بمفرده في تأسيس التنظيم دون الاستعانة بالآخر, فابن لادن يملك المال والعلاقات, ولكنه يفتقد القدرة علي التنظيم والتنظير اللذين كانا يميزان الظواهري, الذي أمده بالمقاتلين المدربين جيدا من جماعته المصرية الجهاد. وعندما أسسا تنظيم القاعدة في بيشاور في عام1988, كان بن لادن معاديا للشيوعية, والتنظيم بالنسبة له يعني إمكانية طرد السوفييت من أفغانستان والاشتراكيين من اليمن الجنوبي, أما بالنسبة للظواهري فالقاعدة كانت فرصة ذهبية لتقوية جماعته الجهاد, من خلال توفير التدريب والدعم المالي لمواصلة حربه ضد النظام الحاكم في مصر.ويري لورانس أن أيمن الظواهري يمثل الترشيح الأكثر احتمالا لأن يصبح الزعيم الجديد للقاعدة, لكنه شخصية انقسامية مثيرة للجدل, يرتكن إلي تأييد جماعة الجهاد التي فشل في قيادتها عندما كان موجودا في مصر: لا أتوقع أن يفعل الظواهري الكثير في المستقبل لعدد من الأسباب أهمها أن الظواهري لا يملك قدرات خاصة تمكنه من إحكام القبضة علي التنظيم, كما أنه لا يتمتع بشخصية جذابة ولا يمتلك القدرة علي التأثير في الشباب, وهو لا يملك الكاريزما الشخصية مثل بن لادن وبالتالي فهو غير قادر علي جذب أنظار الجمهور مثل مؤسس التنظيم. ومن جهة نظر رايت أن هناك من أجدر من الظواهري لقيادة التنظيم مثل أبو يحيي الليبي المنظر الشرعي للقاعدة, وهو في الأربعينيات ومتزوج من موريتانية, وأب لثلاثة أبناء, اسمه الحقيقي محمد حسن قايد..ظهر اسمه لأول مرة ضمن قيادات الجماعة الليبية المقاتلة وفي تنظيم القاعدة بعد العاشر من يوليو عام2005 عندما فر مع ثلاثة آخرين من أعضاء القاعدة من سجن باجرام الأمريكي في أفغانستان وهو عبارة عن حامية جوية شديدة الحراسة وصارمة القوانين, وكان للنجاح المدوي في خطة الهروب والتضحية من أجل الوصول إلي مخبأ بن لادن, من بين العوامل التي جعلت أسامه يثق به ويوكل إليه مهام رئيسية. ومن ثم صعد أبو يحيي بقوة الصاروخ في سلم التراتبية القيادية للتنظيم, واحتل مكانا فسيحا في قلب زعيم القاعدة, فكان ذراعا إعلامية وخطيبا شرعيا مفوها يحث علي الجهاد ومتدربا علي استخدام الأسلحة; رغم أنه لم يكن ذا خلفية عسكرية, إضافة إلي تضلعه في العلوم الشرعية من خلال الدروس التي تلقاها لمدة خمس سنوات في موريتانيا, وبحكم جذوره الليبية وعلاقة المصاهرة بموريتانيا يعتبر أبو يحيي الليبي فرس رهان باعتباره أحد أبرز أمراء الدولة الإسلاميةفي منطقة المغرب الأمر الذي يؤهله لخلافة بن لادن. وهو شخصية ملهمة, وقد تلقي تدريبا دينيا, لذا يتوقع أن يكون له مريدون. كما أنه ليس مصريا. فالمصريون يثيرون القلاقل والنزاعات داخل تنظيم القاعدة. أما البديل الآخر المتاح, فهو أنور العولقي, ولكنه ليس جزءا من الجماعة الرئيسية. وقد تلقي تدريبا دينيا يعطي ثقلا لكل البيانات التي يدلي بها, كما أثبت بالفعل قدرته علي التأثير في الشباب ودفعهم لاتباع نهجه. واستعرض رايت ما أسماه بجذور الفكر التكفيري لتنظيم القاعدة, وأرجعها إلي سيد قطب الذي اعتبره الأب الروحي والمعلم الأول ليس فقط لزعماء القاعدة ومنفذي الهجمات, وإنما لجميع الميليشيات الإسلامية, وكيف يري أن سيد قطب هو المسئول الأول عن هجمات11 سبتمبر وليس بن لادن أو الظواهري, بل ذهب إلي أن الصراع أصلا- علي حد تعبيره- بين الإسلام والغرب قد بدأ منذ صعود سيد قطب للسفينة في الأربعينات متوجها لأمريكا, حيث تحول هناك من شخص متحرر يؤمن بالحداثة إلي شخص آخر انغلاقي وتكفيري. ويبدأ المؤلف لورانس رايت في سرد قصة حياة بن لادن مع التركيز علي التحليل النفسي للشخصية, وإن كان لم ينجح في تقديم الكثير الذي لم تذكره الكتب التي سبقت كتابه. ويقول رايت إن بن لادن كان أبعد ما يكون عن شخصية المحارب الذي يقاتل الاحتلال السوفيتي في أفغانستان. ولكنه كان في الحقيقة أضعف من أن يحارب وكان عالقا في الوحل, يعاني آلام المنفي وآلام اعتلال الصحة, ويمكن أن يسقط صريعا من شدة الخوف قبل المعركة.كما يزعم رايت في كتابه أن بن لادن كان في البداية أبا متحررا وزوجا غير منضبط. وأنه لم يكن يكره الأمريكيين وكان يسمح لأبنائه بلعب أمريكية, وحتي بعد إعلان حربه علي أمريكا كان يسمح لعناصر القاعدة بمشاهدة أفلام هوليوود, خصوصا أفلام الممثل السابق وحاكم كاليفورنيا الحالي آرنولد شوارتزنيجر. كما يقول نقلا عن مقربين لابن لادن إن إحدي زوجاته كانت تفضل استعمال أدوات الماكياج الأمريكية الصنع, وإن أخري كانت تحمل شهادة الدكتوراه في سيكولوجية الطفل من أمريكا.ويكشف رايت عن أن بن لادن ترك وراءه خطابات وكلمات وتراثا لفظيا وجده في كتب وأفلام وتسجيلات صوتية ومذكرات وملاحظات كتبها آخرون, ولم يكتبها بنفسه, وهذا ما مكنه من رسم شخصيته التي يعتبرها رايت في جوانب كثيرة منها غير حقيقية. وبعد خروج السوفييت من أفغانستان, كان بن لادن يمتلك جيشا, ولكن بلا عدو يحاربه, أما الظواهري فقد تم اجتثاث مقاتليه في مصر ولم يعد لديه قوات, وأصبحت أمريكا بالنسبة للظواهري تمثل هدفا أسهل من النظام المصري الحاكم, وبمهاجمتها يتم استبدالها بالاتحاد السوفيتي كعدو للإسلام والمسلمين. ويقول رأيت: إن الظواهري هو المسئول عن إدخال مصطلح تكفير الآخر في رأس بن لادن وهو ويعني أن يحل دم كل من يعتبرونه- من وجهة نظرهم وحسب فهمهم هم للدين- كافرا بمن في ذلك المسلمون, ومن هنا كان استعداد مختطفي الطائرات في11 سبتمبر للموت تنفيذا لفكر الظواهري, الذي أقنع بن لادن بتبنيه, وهو قتال الكفرة, والشهادة من أجل الجنة الموعودة. وينهي رايت كتابه قرب الحدود الباكستانية, حيث يسير الظواهري أو شخص يشبهه ممتطيا جواده في أطراف إحدي القري, قبل أن يختفي في الجبال. ويقول إن هذه ليست النهاية, فالستار لم يسدل بعد, وإن هذه هي القضية, فقصة القاعدة والطريق للوصول لأي11 سبتمبر لم تنته بعد.