أكاد أوقن إزاء الأحداث والمواقف التي تطالعنا هذه الأيام, أن الشعب في صحوته القوية التي أيقظتها الثورة مازال مشتتا أمام ما اعترض المسار من تحديات ومخاطر تروعه بها فئة ضالة هدفها إعاقة بناء مصر الحديثة صاحبة الريادة الحضارية إقليميا ودوليا ولذا نري فريقا من الشعب انساق وراء مشاعره المضادة فوقف يناقض في صدام شغله عن العلم والعمل والانتاج فاختلت رؤيته إلي ما تتطلبه مصلحة الوطن من توجيهات شاملة, وفريقا آخر اختلطت لديه معاني الوطنية والديمقراطية والحرية فصار مذهبه معيبا مع أن كلا منهما له مضمونه وآفاقه ودلالاته. فأما عن الفريق الأول فإني أري أنه يجب ألا تشغلنا الأحداث والتجاوزات التي يخشي أن تكون معطلة لمسيرة التغيير الثوري, عن استشراف المستقبل بما له من أولوية تؤكد أن الركب متجه لا محالة إلي مصلحة الوطن مهما اعترضه من معوقات مآلها إلي زوال. وبحسبنا أن رجال الشرطة والقوات المسلحة البواسل يبذلون أقصي جهودهم وتضحياتهم في التصدي بحزم للإرهاب وعناصره ومأجوريه سعيا إلي تحقيق أمن الوطن واستقراره. وأما عن الفريق الآخر فيجب مراعاة ان الفرق بين بين مغزي الوطنية ومعني الديمقراطية ومفهوم الحرية فالوطنية في عبارة مبسطة غير مقيدة بالصياغة الاكاديمية لتعريفها.. هي الشعور بالانتماء للوطن والتفاعل معه بإيمان قوي نحيا به قلبا وقالبا, والاعتزاز به كشرف لا ترتفع أعناقنا إلا به, والغيرة عليه بما يقتضيه ذلك من أداء الواجب نحوه والحرص علي مصالحه كأولوية لا تباري, ودحض أية محاولات للنيل من سلامة أرضه أو المساس بوحدته أو استقراره. واستطرادا أقول إنه ما من وطني بحق إلا ويقدس رموزا ثلاثة لابد أن معانيها ترسخت في وجدانه بحكم غيرته علي وطنه, ألا وهي العلم والنشيد الوطني والدستور. فاحترامها واجب وطني والنيل منها أو من أيها فيه إهدار لوطنية بل شرف من تجرأ علي ذلك. والديمقراطية تعبير عن نظام سياسي هو في الواقع نتاج تفاعل حقوق الشعب وتطلعاته باعتباره مصدر السلطات مع رؤي وتوجهات من أوكل اليهم تنظيم متطلباته وترتيب أولوياتها والحفاظ علي أمن الوطن واستقراره بما بقتضيه ذلك من الخضوع لقواعد المسئولية السياسية والقانونية. والنظام الديمقراطي يسوده رأي الأغلبية ويؤمن بمبدأ تداول السلطة, غير هذا المعني لا يمكن اختزاله في الصراع السياسي, بل إن رائده الحوار البناء الذي يدور بوعي وادراك فيما بين قوي الشعب الوطنية بهدف استنهاض المصلحة العامة للوطن, وبالتواصل مع سلطة الحكم المختارة حتي يبلغ المسار غاية الأمر منه. أما الحرية فالمقصود بها حرية التعبير عن الرأي بالقول أو الفعل وهي لا يمكن بحال أن تكون مطلقة بل إن التعبير بالقول له قواعده وضوابطه والتعبير بالفعل مشروط بالسلمية وعدم الاعتداء وإلا كانت الحرية ردة إلي فوضي التجمعات البدائية التي كانت تنطلق بلا حدود أو قيود سعيا إلي متطلباتها الخاصة ولو اصطدمت بغيرها إلي أن ارتقت البشرية إلي مجتمعات متحضرة تضمها دول استلزمت خضوع كل منها علي استقلال لنظم خاصة بها تنسق أمورها وتوفر حمايتها وتحدد للحرية الشخصية قيما رائدها الأساسي ألا تفتئت علي حقوق الآخرين وحرياتهم, وضوابط مهنية وأخلاقية في حالات حصرية ثلاث هي: الدفاع أمام المحاكم والحوار في البرلمان والنشر في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية. ومؤدي ما تقدم أن من لا تتفاعل لديه الوطنية بهذه المعاني ولا يشعر بشرف الانتماء إلي وطنه والارتباط به ارتباط حياة وعزة وكرامة, لا يسوغ أن نطلق له حرية إبداء الرأي في نظام البلد أو مقدراته, ولا يصح أن يكون صوته مسموعا إذا تطرق إلي سياسة البلاد وتوجهاتها أو إذا خرج مطالبا بالقول أو الفعل بإطلاق حرية الرأي متخذا من حقوق الإنسان ذريعة لمطلبه. وتدور بخلدي تساؤلات عدة مفادها: أين هي الوطنية أو الحرية في محاولة هدم كيان الوطن وزعزعة أمنه واستقراره بتظاهرات متكررة تعطل الطرق ووسائل النقل, وتخريب الممتلكات العامة والخاصة وترويع المواطنين وذويهم وتعطيل الدراسة في الجامعات والتعدي علي أئمتها وإفساد عقول الشباب وتحريض الإناث علي الانسياق إلي تلك الأعمال المغرضة, ثم تحدي القوانين ومقاومة السلطات, وما لذلك كله من هدف إلا إعاقة البناء الدستوري الذي يتطلع اليه المواطنون المخلصون لوطنهم أملا في استقرار البلاد. أين هي الوطنية أو الحرية في إهانة رجال القوات المسلحة والشرطة الذين وهبوا حياتهم لحماية الوطن ومقدراته وطعنهم بعبارات قاسية وشائعات كاذبة مغرضة إن دلت علي شيء فهي تكشف عن أن هؤلاء الخوارج قد أضلهم حقدهم فجنحوا إلي محاولة تفتيت مشاعر المواطنين وإشاعة الفرقة بين أفراد الوطن وذويهم, وما هم بالغين مرادهم وسيرد المولي عز وجل كيدهم في نحورهم. ثم أين هي الوطنية الحقة في الصراع الدائر حاليا بين القوي السياسية الذي أدي إلي تفرقها وسلبيتها في التحرك الشعبي تمهيدا للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة التي تستوجب التضافر والاستعداد لمواجهة تداعيات تلك الفئة الضالة الجاحدة بالوطن والوطنية؟. إلا أنني علي الرغم من ذلك كله مازال يملؤني الأمل بأن الممارسة السياسية فيما نحن مقبلون عليه من مؤسسات دستورية تنفعل فيها الحوارات الجادة حول الخطط والأنظمة والتشريعات التي لن تستهدف إلا مصلحة الوطن.. ستطهر المفاهيم التائهة من قبيل ما تقدم, وستبرز لنا الكوادر السياسية الفعالة المؤهلة لتوجيه هذا البلد إلي ما فيه الخير لمواطنيه. لمزيد من مقالات المستشار: أحمد مهدي الديواني