هل تراجع دور الأزهر وتقلص دوره في الدستور الجديد كما تدعي بعض التيارات والجماعات الإسلامية؟ وهل تنازل الأزهر عن مرجعيته الفقهية في تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية التي أحيلت إلي المحكمة الدستورية كما كان معمولا به في دستور1971؟ ممثلو الأزهر في لجنة الخمسين يؤكدون أن إسناد تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية إلي المحكمة الدستورية العليا صادف أهله. وأكد علماء الأزهر أن مشروع الدستور الجديد مطابق للشريعة الإسلامية, وأن ما ورد به من نصوص حول مرجعية المحكمة الدستورية في تفسير القوانين ذات الصلة بالشريعة الإسلامية لا يعد انتقاصا من دور الأزهر أو مساسا بمكانة هيئة كبار العلماء. وأوضح العلماء أن المحكمة الدستورية لديها من الكفاءات الفقهية ما يؤهلها للقيام بهذه المهمة الجليلة, وأن الأزهر الشريف بهيئاته ومجمعه الفقهي هو المرجعية التي تستند إليها المحكمة الدستورية في بيان الحكم الشرعي حول القضايا الفقهية الخلافية. يقول الدكتور عبدالله النجار, عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر وأستاذ الشريعة والقانون وممثل الأزهر الشريف بلجنة الخمسين لتعديل الدستور, إن الدستور الجديد شيء عظيم, ولا يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية, ولا يهدر الحقوق ولا تعد مواده نظرية كما كان في السابق, ودعا المصريين إلي رفض ما سماها بالأصوات الناشزة التي تشكك في الدستور, خاصة أن هذا الدستور يعد فتحا عظيما لمصر والمصريين وبوابة الأمل. وأوضح أن ما ورد بالدستور الجديد حول اختصاص المحكمة الدستورية العليا كان معمولا به منذ دستور1971, فالمحكمة الدستورية ليست دخيلة في هذه المهمة, ولكنها ذات تاريخ عريق فيها ولديها من الكفاءات الفقهية والشرعية ما تستطيع به أن توائم وتقرر إذا كان النص المطعون عليه دستوريا مخالفا لمبادئ الشريعة أو موافقا لها, يساعدهم في ذلك فقههم القانوني, لأن هذا الفقه يساعد في تأصيل المبادئ الشرعية وإنزالها علي الواقع من خلال دراسة وافية له, وهم في سبيل تلك المهمة يرجعون إلي المراجع الفقهية المعتبرة وآراء الفقهاء, كما أنهم لا يتهيبون من سؤال أهل الذكر من علماء الأزهر الشريف, ولا يعتبرون ذلك نقيصة في حقهم, لأنهم يبحثون عن الأساس الذي يقيمون عليه العدل في مسألة منظورة أمامهم, وقد سن هذه السنة الحميدة رائد الفقه الدستوري المعاصر المستشار الدكتور عوض المر عليه رحمة الله, فقد كان ذا باع طويل في العلوم الفقهية وأصول الفقه مع تعمقه في دراسة القانون, وكانت لديه قدرة خاصة علي المزج بين الفقهين بطريقة يقتدي بها من الباحثين المعاصرين ومن أهل الفقه الدستوري والقضاء, وقد كان رحمه الله في بداية إرسائه تلك القواعد الفقهية التي تضمنتها أحكامه وأصبحت مرجعا لمن بعده يرجع إلي الأزهر الشريف. وكانت له اتصالات وثيقة بشيوخه الأجلاء. وقد التقيت في الأيام الأخيرة, ونحن نعد الدستور, عددا من أشياخ تلك المحكمة التي يحق لكل مصري ومسلم أن يفخر بهم, وكل واحد منهم يعتبر أمة في البحث الفقهي الرشيد. وأضاف: أنا مطمئن إلي المحكمة الدستورية العليا, وأن تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية حين أسند إليها لاقي إسنادا صحيحا ووجد محله وصادف أهله الأقوياء الأمناء علي حد وصف القرآن الكريم, وأود أن أطمئن الناس جميعا إلي أن النص الدستوري الذي ورد في ديباجة الدستور حين أسند التفسير إلي المحكمة الدستورية العليا قد حقق المقصود من أن تكون المرجعية في الشريعة الإسلامية مرجعية صحيحة وجادة وآمنة ومحايدة وموضوعية ومنزهة عن الانحراف بها إلي غير مقاصدها الحقيقية أو نزعها من أصولها الشرعية. الأزهر جهة الاختصاص ويوضح الدكتور نصر فريد واصل, مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء, أن تفسير المحكمة الدستورية العليا ليس معناه تراجع الأزهر أو تقليص دوره, لأنه المختص بتفسير مبادئ الشريعة الإسلامية, فهو أهل الذكر والاختصاص في تفسير مبادئ الشريعة, حيث إن المحكمة الدستورية العليا هي صاحبة الاختصاص في أن الأمر يدخل في نطاق الشريعة أم لا, فإذا وجدت المحكمة أن الأمر يدخل في إطار الشريعة ترجع إلي الأزهر الشريف إذا احتاجت ذلك, وقد كان النص الوارد في دستور2012 غامضا, فقد يفهم البعض منه أن المحكمة ملزمة بالرجوع إلي الأزهر الشريف في كل أمر شرعي, ولذا لزم التعديل في دستور.2013 وأضاف: إذا احتاجت المحكمة الدستورية العليا الرأي من هيئة كبار العلماء أو الأزهر, فإن الأزهر يفسر لها ما غمض عليها في هذا الأمر, وقد كان هذا هو الأمر الحادث حينما كانت المحكمة تطلب إلي الأزهر تفسير مسألة ما, وكان الأزهر يتعاون مع المحكمة الدستورية في ذلك الشأن, أما ما يشاع من أن هذا يعد تراجعا لدور الأزهر الشريف أو تقليصا لدوره فهو كلام عار عن الصحة يراد به إثارة الفرقة والبلبلة وشق الصف. الهوية الإسلامية ويقول الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الشريعة بكلية الحقوق, انه ربما يزايد البعض علي أن في اعتناق مشروع الدستور لهذا التفسير الأحكام قطعية الثبوت وقطعية الدلالة استبعادا لمرجعية الأزهر وتقليصا لدور هذه المؤسسة العريقة, والتي هي بحق أقدر علي بيان المقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية انطلاقا من رصيدها العلمي الذي لا يستطيع أن ينكره أحد وعطائها في مجال العلوم الشرعية والفقه الإسلامي, لكن هذا الاعتراض عند التحقيق ليس عليه سند صحيح, ذلك أن التفسير الذي أخذت به المحكمة الدستورية العليا ترجع فيه هذه المحكمة عند نظر قضية تتعلق بحكم من أحكام الشريعة الإسلامية إلي طلب الحكم الشرعي من الأزهر, وقد حدث هذا مرارا في ظل دستور1971, حيث كانت المحكمة تطلب إلي مجمع البحوث الإسلامية بيان الرأي في الأحكام قطعية الثبوت وقطعية الدلالة, الأمر الذي يكشف عن حرص قضاة هذه المحكمة العريقة علي معرفة رأي الأزهر في بيان أحكام الشريعة الإسلامية باعتباره صاحب الاختصاص بالشريعة الإسلامية والخبير بفقه هذه الشريعة, لكن يبقي لتأكيد أن استبقاء دور الأزهر في المنظومة التشريعية المصرية أمر ليس محل جدال, ذلك أنه لا يمكن فصل الدين عن مجمل الحياة الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر عن ثوابت الشريعة الإسلامية, لذلك فإنه لا يجوز أن ينظر البعض إلي أن ما نص عليه الدستور بشأن الرجوع إلي تفسير المحكمة الدستورية العليا يعني استبعاد دور الأزهر أو تغييبه عن ساحة التشريع في مصر, ذلك أنه لا يجوز في بلد عريق مثل مصر يعيش شعبها علي التدين, ويحافظ في دينها علي قيم الأديان السماوية أن يغيب دور الأزهر أو يتم استبعاده تحت أي مبرر, ومما يؤكد هذه الحقيقة أن مشروع الدستور قد نص علي دور الأزهر باعتباره هيئة علمية مستقلة تلتزم الدولة بالحفاظ علي استقلاله والقيام بدوره في نشر الدعوة الإسلامية والعلوم الإسلامية, وأن شيخ الأزهر مستقل لا يقبل العزل, فهذا المعني الذي دلت عليه نصوص مشروع الدستور إنما يبرهن علي دور هذه المؤسسة التي تضرب بجذورها في مسيرة الوطنية المصرية, وتعد علي رأس القوي الناعمة التي تعتز بها مصر في منطقتها العربية وعالمها الإسلامي, علما بأن هذا النص لم يأت في أي من الدساتير السابقة قبل الدستور الحالي والدستور المعطل. وتبقي حقيقة أن نؤكد أنه لا مجال بأي حال للتقليل من دور الأزهر أو الانتقاص منه; لأنه من المعلوم أن مصر الأزهر هي مفخرة لوطنها العربي وأمتها الإسلامية ولو كره الكارهون. بين المبادئ والأحكام وفي سياق متصل أكد الدكتور حامد أبو طالب, عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية الشريعة والقانون الأسبق, أن الاختلاف الذي حدث في تفسير عبارة مبادئ الشريعة الإسلامية, وهل هي النصوص أو الأحكام المستمدة من النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة أم هي جميع الأحكام الشرعية الواردة في كتب الفقه؟ فلا شك أن الأحكام الواردة في كتب الفقه فيها خلاف بين الفقهاء في مختلف مذاهب أهل السنة, أما الأحكام المستمدة من النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة فلا خلاف عليها وإن كانت قليلة إلا أنها محل اتفاق بين جميع فقهاء أهل السنة وغيرهم, ولذلك عندما نقول إن هذه الأحكام هي المصدر الرئيسي للتشريع نكون صادقين ويكون أمرا محتملا وواردا; لأنها تشمل آيات المواريث ونحوها, فلا شك أن الميراث مصدره الرئيسي هو الشريعة الإسلامية, ولذلك فهذا التفسير متسق مع الواقع, أما إذا قلنا إن كل الأحكام الشرعية الواردة في كتب الفقه هي المصدر الرئيسي للتشريع فمعني ذلك أننا نقع في حرج نتيجة عدم تطبيق كثير من هذه الأحكام مثل حكم الردة وحكم الزنا وحكم الربا ونحو ذلك. ولا شك أن هذه الأمور كلها مطلب شعبي وشرعي, وجميع الناس تهفو نفوسهم إلي ذلك إلا أن الوضع العام في المجتمع قد يحول دون تطبيق هذه الأحكام في الفترة الحالية, وعندما تتحسن الأمور وتزيد الدخول ويرتفع مستوي المعيشة ويرقي المصريون في فكرهم ونشاطهم يمكن تطبيق ذلك والنص علي أن هذه الأحكام هي المصدر الرئيسي للتشريع. وأضاف: أما عن موقف الأزهر وأعضائه تجاه هذا الأمر فهم يلاحظون الوضع القائم في مصر, فما معني أن ينص علي ذلك في الدستور ويصعب تنفيذه من حيث الواقع, ثم نفاجأ بمئات بل آلاف دعاوي غير الدستورية لهذه الأحكام مما يسبب اضطرابا في المجتمع؟, وليس من العقل التصدي والتصدر في هذا الوقت بضرورة ورود هذا النص, لأنه سيتسبب في مشاكل كثيرة مصر والمجتمع بأكمله ليس مهيأ لها في هذا الوقت.