كتب : د.الصاوي حبيب " طبيب عبدالناصر الخاص" كان وجودي إلي جانب عبدالناصر يوميا من يوم12 يوليو1967 م إلي يوم وفاته في28 سبتمبر1970 م وزيارته مرة أو مرتين في اليوم وبعض الأحيان ثلاث مرات كافيا لاعطائي انطباعا شخصيا عن شخصيته. بالإضافة إلي انطباعي العام قبل مقابلته عن أنه يمتلك روح المبادأة, فهو الذي يدفع الأمور ويوجه الأحداث, فقد حرك عجلة الأحداث ليلة7/23 قبل موعدها عندما علم أن الجيش والملك علموا بما اعتزمه الضباط وباسمائهم فبادر بالهجوم عليهم قبل أن يجهضوا التحرك, وعندما نجح ووجد الملك يترنح لم يركن إلي الدعة أو المساومة وإنما بادر بطرده لتستتب الأمور, واستطاع برجاحة عقله أن يأخذ زمام القيادة, وكان وسيلته أنه الأكفأ والأكثر علما وعملا, واستطاع الخروج من العدوان الثلاثي ونحن الأضعف منتصرا سياسيا, وكان رد فعله علي سحب البنك الدولي قرض تمويل السد العالي بارعا عندما أمم قناة السويس, ولم يكن في هذا غرابة, ولكن كان في هذا جسارة أكسبته محبة الشعوب العربية في كل مكان واحترام أعدائه. هكذا كان جمال عبدالناصر قبل أن ألقاه, فماذا كان عن جمال عبدالناصر بعد أن لقيته. قال لي أستاذي الدكتور منصور فايز ذات مرة كثيرا ما تسمع عن عظمة رئيس أو وزير حتي إذا التقيته وجدته أقل مما كنت تعتقد إلا جمال عبدالناصر فقد وجدته أعظم بعد أن التقيته عما كنت أقدره. كانت البساطة هي السمة المميزة لجمال عبدالناصر في مسكنه وملبسه وطعامه وحتي في طريقة عرض الأوراق والتقارير عليه. كان يقيم في منزل تابع للأشغال العسكرية, مكون من طابقين وحديقة واسعة ولم يكن يشبه القصور أو يتصف بالفخامة, ففي الدور الأرضي كانت حجرة المكتب علي اليسار وصالونات علي اليمين الصالون الرئيسي أكبر من الثاني, أما الدور فوق الأرضي فكانت توجد فيه حجرة النوم الخاصة بالرئيس عبدالناصر علي اليمين, وبجوارها حجرة نوم السيدة حرمة ويفصل بينهما الحمام, وخارج حجرة نوم عبدالناصر وملحق بها استراحة أقل حجما بها مكتب ومكتبة, وكانت مائدة الطعام تشغل جزءا من الصالة الرئيسية في نفس الدور. وبالنسبة لملابسه فقد كانت صناعة مصرية, فملابسه الداخلية كابو أما البيجامة فلم تكن تختلف عن تلك التي تراها في منزلك أو منازل أصدقائك, وكان يفضل تلك التي تحتوي علي خطوط طولية, وكان يغير ملابسه مرة يوميا علي الأقل بعد حمام الصباح, وكانت دائما مسغولة ومكوية, وبالنسبة للقمصان فقد كان يتم تفصيلها عند ترزي كان يعرفه, وكانت الكرافاتات تصله كهدااي من أصدقائه, وكان يفضل كارافافات سولكا, وكان يحتفظ في دولاب حجرة النوم بقماش بدل صوف يصله أيضا كهدايا وقد أهداني إحداها ذات مرة. كما كانت البساطة هي السمة المميزة لطعامه وشرابه, فبعد إعداد كتيب خاص للنظام الغذائي الواجب اتباعه بالنسبة له كمريض سكر, اتضح أن أكله أبسط وأقل مما أعددناه, وكان يفضل الجبنة البيضاء, وعموما فقد كان يأكل ماهو ضروري ليعيش, وكان يفضل عصير الليمون وعصير البرتقال كشراب, كما كان يحتفظ بترموس ماء علي الكومودينو في حجرة النوم. ومن خصائص جمال عبدالناصر النظام, فقد كان منظما بطبيعته, حجرته منظمة بطريقة سهلة.. الكومودينو الآخر علي جانب السرير الأيسر عليه الراديو, وفي الركن إلي الأمام يوجد التليفزيون علي منضدة خاصة به, كما يوجد2 فوتيل لم يتغير وضعهما أبدا, وفي حجرة المكتب كانت توجد شنطة دواء تحتوي علي الأدوية التي يحتاجها مرتبة بصورة مستديمة تسمح بأن يعرف مكان أي دواء حتي في الظلام, وأخبرني بذلك عندما وجدني قد وضعت بعض الأدوية في غير موضعها السابق. وكان يتعامل مع الجميع باحترام ولذلك كان الجميع يتفانون في خدمته بإخلاص شديد, ولم ينس جمال عبدالناصر يوما أنه زوج وأب ورب أسرة, فقد كان أول تليفون يطلبه إذا سافر لمأموريات في الداخل أو الخارج للسيدة حرمه للاطمئنان عليها وعلي أولاده ويطمئنها علي نفسه, كما كان حريصا علي تناول طعام الغداء مع أسرته علي الرغم من مشاغله الكثيرة. علي الرغم من كثرة من كان يحادثهم فقد كان الأستاذ محمد حسنين هيكل أكثر من رأيته يتحدث معه تليفونيا ولمدد طويلة خصوصا بعد لقاءته مع الجماهير كما كان الوحيد الذي يجلس معه بدون تكلفة والسيجار في فمه وساقا فوق ساق جلسة صديق مع صديقه وليست جلسة رئيس مع صحفي. وكانت شخصيته تمنع الاقتراب منه أو رفع الكلفة وإن كانت تبث المودة والاطمئان ولعل هذا ما أبقاني داخل مهنة الطب وأشعرني بثقل المسئولية والرغبة في أن أقدم أفضل ما استطيع كطبيب ولم يشعرني بقيمة الموقع وما يمكن أن أحصل عليه من بقائي بجواره. وقد كان عبدالناصر حريصا علي نزاهة من يعملون بجواره, فقد سألني يوما عن موعد انتقالي إلي الشقة التي أسكنها فأخبرته أن هذا تم قبل أكثر من أربعة سنوات من بدء عملي معه, وكان من الضروري أن أخلي الشقة التي كنت أقيم فيها لوجود شروخ طولية بأعمدة الأدوار العليا, وصدر له أمر تنكيس من محافظة القاهرة ووجوب الإخلاء وأطلعته علي أمر التنكيس في اليوم التالي.