وشهد شاهد من أهلها, فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أن جماعة الإخوان, قامت بسرقة ثورة الشباب في(25 يناير) بمصر, الذين تواصلوا عبر شبكة التواصل الاجتماعي ليس بدافع الدين أو أي أيديولوجية, بل كانوا يريدون أن يدرسوا ويتعلموا وأن يكون لهم مستقبل, لا حكومة فاسدة, تمنع عنهم كل ذلك, هذا التصريح لكيري اعتراف بالحق الذي أنكرته دولته, ودعمت هذا الفصيل, كما هو ثابت وموثق بشتي الطرق, حفاظا علي مصالحها, ظنا منها أنه قادر علي السيطرة علي شعب حضاري مثل الشعب المصري, بل لقد اعترف أن الجيش المصري قام بإعادة الديمقراطية في30 يونيو, هو اعتراف متأخر, لكنه أفضل من المكابرة والاستمرار في الطريق الخاطئ, ويليق بمثقف سياسي كبير مثل( جون كيري), كما ظهر في مناظراته مع( جورج بوش) في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في سنة2004, فالحقيقة لابد أن تفرض نفسها في النهاية, المهم الصبر, راح تروح فين الشمس عن قفا الحاصدين, شيء لزوم الشيء, كما علمنا الآباء الأوائل في حضارتنا الممتدة, فالثقة في الذات تفرض احترامها في النهاية. هدف الناس في أحداث(25 يناير), كان الإصلاح ورفض تسليم الحكم لمجموعة من رجال الأعمال المغامرين, بعد أن فقد الرئيس الأسبق( حسني مبارك) الرغبة والقدرة علي الحكم, آلت الأمور كما أسميهم لشلة جهنم, من رجال أعمال مدعومين من الرأسمالية العالمية كامتداد لها, استخفوا بالشعب فخرج للإطاحة بهم, ولم يطعهم كما ظنوا, وانتفضت الدولة بكل مكوناتها جيش وشرطة وشعب, بهدف الإصلاح لا بهدف هدم الدولة, فإبليس نفسه ما يخربش بيته! فحتي الشرطة لم تكن راضية عن الأوضاع قبل25 يناير. كان هناك من يريد خراب البيت, بهدم الدولة, ومؤسساتها من جيش وشرطة وقضاء, وتلويث رموزها الوطنية كلها, الحية والميتة, وإطلاق التهم الجاهزة, والتعميم الأعمي, لتحويل هبة يناير إلي ثورة, تدحر كل ما هو قائم من أجل إيجاد شيء جديد, في عملية تغيير هائلة, وإحداث تبدلات هائلة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, استغل ذلك العملاء من الطابور الخامس ممن تلقوا التمويل والتدريب, لإثارة الفوضي وهدم الدولة, وتحقيق مصالح العدو علي حساب الشعب, ومعهم تجار الدين بمسمياتهم المختلفة, والتقوا علي هدم الدولة, لإنشاء دولتهم الجديدة, فأغرقوا الشعب في متاهة المثاليات الفكرية, وارتمي المدركون لخطر العملاء من الطابور الخامس في أحضان تجار الدين علي أنهم بتوع ربنا, وارتمي المدركون لخطورة التجارة بالدين في براثن الكلامنجية من الطابور الخامس, وأصبحت كل وردة تريد الإصلاح, بجوارها عقربة تريد الهدم, وأصبحت الفضائيات تأكل من هذا المرعي وتستزيد من البلبلة.. زي أكل الحمير في النجيل, لا الحمار يشبع ولا النجيل يخلص! قاد المجلس العسكري, برئاسة المشير العظيم( حسين طنطاوي), البلاد في ظل فتنة لم يسبق لها مثيل, وإن كان نصف الشعب قد أدرك خطورة العملاء وتجار الدين, إلا أن النصف الآخر وقع ضحية البلبلة, ولم يكن باستطاعة( المشير) أن يقول كما قال من جاء بعده, نضحي بنصف الشعب حتي يعيش النصف الآخر,, وتحمل المشير الإهانة الشخصية من حثالة العملاء, كما تحمل الإقالة فيما بعد, ليخوض الشعب التجربة, لينتقل من المثالية الفكرية, التي تطرح شعارات فارغة, ويعيش التجربة التاريخية, وتراجع الجيش تراجعا تكتيكيا, في انتظار أمر الشعب, فإن نجحت التجربة استمرت وأثمرت الديمقراطية الموعودة, وإن فشلت, فيبدأ الشعب طريق الحداثة من جديد, ولكن هذه المرة من أسفل, من القاعدة الشعبية العريضة, ولا تفرض عليه من أعلي, كما كان الحال من النخبة المثقفة قبل ثورة(23 يوليو), أو من الزعماء الثلاثة بعدها, فالأحداث التي تلت هبة يناير ما هي إلا مرحلة انتقالية مرتبكة سبقت تبلور الثورة الحقيقية. لم يفصح سيادة المشير عن حجم الضغوط الخارجية التي مورست عليه, ولكننا جميعا نعلم حجم الضغوط الداخلية التي مارسها العملاء من الطابور الخامس, وأيضا الانتهازيون من المثقفين, الذين أيدوا تجار الدين, لمنافعهم, فكانوا كالقطط يقرءون من غير علم, وعليهم أن يختفوا خجلا, إن كان عندهم ذرة ضمير, بينما المثقف الحقيقي كان يقف حائرا مغلول اليد, في ظل الفتنة, التي استخدمت فيها كافة الشعارات الأيديولوجية الجوفاء.. لا نستطيع أن نجزم أن المشير( طنطاوي) أعد خطة ذكية للتعامل مع الواقع الملتبس, حتي يفصح هو عنها, ولكننا نري مسار الأحداث قد أوصلنا إلي الثورة الحقيقية, ثورة شعب, رفض هدم الدولة المتحضرة, ليضع مكانها دولة متخلفة, رفض عزل رموز وطنية ذات كفاءة, ليضع مكانها نخبة منحطة جاهلة, رفض الشعب عن بكرة أبيه تدمير الوطن وتفتيته, وإدخاله كهف القرون الوسطي, وتطلع إلي الحرية والديمقراطية المتكاملة والفن والثقافة والتربية والرقي والتهذيب والتقدم, وإلي الحلواني الذي بني مصر, بكل هذه الحلويات القيمة, فقامت ثورة الحلويات الحضارية والمعنوية والإنسانية ثورة حقيقية اسمها(30 يونيو), قضت علي الفتنة الداخلية, وأصبح الآن في مقدورها تخليص العالم من الإرهاب بلا مبالغة, فليس كل من صف الأواني قال أنا حلواني! ثورتنا المباركة تذكرني بثورة( الما يجي إيشين) اليابانية, كدلالة معرفية للتحليل المقارن للتقدم الاجتماعي نحو المستقبل, التي بدأت...1868 وهي ثورة ثقافية بالأساس, استطاعت علي مدار جيل واحد, أن تجعل من اليابان قوة عسكرية عظمي, وبعد الحرب العالمية رغم الهزيمة, أصبحت قوة اقتصادية هائلة, لأنها ثورة ارتكزت علي الشعب وقواه الكامنة, وإن كانت تحت حكم إمبراطور تقليدي ولكنه أصبح حاكما عصريا, فكيف نكمل الما يجي إيشين المصرية, فلذلك حديث لاحق. لمزيد من مقالات وفاء محمود