في البدء كان السؤال, لغزا تفتح به الأساطير الطريق أمام النجاة من الموت, وينزل الوحي نصوصا مقدسة للإجابة عليه.. والآن لا يزال السؤال مفتاحا للإجابة, وفاتحة للطرق إلي المعرفة. وعندما فتح الفيلسوف الهولندي فونس إلدرس بوابة مشروعه العلمي حول فهم الاسلام, تسلح بالأسئلة الصحيحة, وتجاهل ما يقدم علي الجانبين من رؤي تفسر الإسلام علي هواها, مركزا علي طروحات مفكرين إسلاميين, حاولوا قراءة نصهم المقدس بطريقة عقلانية. فونس إلدرس المولود في1936 والمتخصص في الدراسات الانسانية حاور ثمانية من المفكرين والباحثين المسلمين هم: نصر حامد أبو زيد, أسما بارلاس, عبد الله النعيم, آمنة نصير, رضا أصلان, أنور مجيد, عمير أوزساي ومحمد أوسطاي في اطار برنامج وثائقي بعنوان' الاسلام غير المعروف' قبل ان يجمع الحوارات في كتاب يصدر قريبا. تؤمن الباكستانية أسما بارلاس بالمساواة الجذرية بين الجنسين, علي أساس قراءتها للقرآن. وتري ان الذكورية الاسلامية تفسر كلام الله بأساليب تمنحهم الأفضلية, ثم تصبح الدائرة مغلقة ويصعب تحديها. تقول بارلاس, مؤلفة كتاب' المسلمات: قراءة معكوسة للتأويل الذكوري للقرآن' والتي تعيش بالولاياتالمتحدة, إن القرآن أفق مفتوح علي قراءات عدة وإن التوحيد يتخطي اختلافات' الجندر' أو النوع. أما المفكر الإسلامي نصر حامد أبو زيد, الذي اضطر للرحيل عن مصر بعد اتهامه بالكفر في تسعينات القرن الماضي, فيري الإسلام كدين للعدالة الاجتماعية. وقد بدأ يطرح أسئلة حول عدم المساواة فيما كانت مصر تدخل مرحلة التحرر الاقتصادي, ما أدي للمزيد من الثراء, وفي الوقت نفسه المزيد من الفقر. ويؤكد نصر علي التعددية في تفاسير النص المقدس, حيث يقول: اذا التزمت بالتفسير العقلاني, فإنك تنظر إلي القرآن بعين واحدة, أما إذا التزمت التفسير الأدبي, فإنك تنظر له بالعين الأخري. عليك أن تفتح كلتا عينيك فالإيمان الحقيقي هو الإيمان الذي يسمح بالشكوك ويستوعبها ويسمح بالأسئلة.. فمن لم ينتقد لم يعتقد كما يقول أهل التراث. عبدالله النعيم صوفي ملتزم بمفهومين في آن: الإسلام والعلمانية وهو من الرافضين تماما لفكرة الدولة الإسلامية, حيث يقول إنها فكرة لا وجود لها في القرآن, وأنها لم تنتشر إلا في القرن العشرين كنوع من رد الفعل للاستعمار الاوروبي. النعيم صاحب كتاب' الإسلام والدولة العلمانية' ترك السودان إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام5891, بعد إعدام أستاذه محمود طه لاتهامه بالكفر في عهد النميري. وقد أثرت تلك التجربة في رأيه بأن الدين يزدهر فقط عندما تكون الدولة محايدة. وأن الفتاوي في معظمها ليست أكثر من نوع من التسلط أو القبضة المتسلطة غير الإسلامية. الدكتورة آمنة نصير أستاذة الحديث في جامعة الأزهر تركز علي مناقشة الشريعة والجهاد كمفهومين أسيء تفسيرهما بشكل جذري. وهي تفرق بين الشريعة وبين التراث الثقافي الذي يسيء للمرأة بصورة منافية للتصور الإسلامي. فالإسلام يأمر الرجال والنساء بأن يكونوا عادلين ومحبين في تعاملهم مع بعضهم البعض. وعن الجهاد تفرق نصير بين الصراع الروحي الداخلي, وبين آخر خارجي يبرره فقط الدفاع عن النفس. وهي تري الصراع العربي' الإسرائيلي' سياسيا بالأساس وليس دينيا ويجب أن يتم النظر إليه كذلك. وفي الحوار المتعدد المحاور حول السياسة والمجتمع والثقافة, يؤكد رضا أصلان المفكر الإيراني البارز في تاريخ الأديان والمقيم بالولاياتالمتحدة أن الإسلام دين يقوم بالأساس علي الممارسة أو العمل, أكثر من العقيدة, وهو يقول إن عقيدته الأساسية لا إله إلا الله فيها من المرونة ما يسمح للإسلام بأن يستوعب تصورات الناس عنه, والتي تتعدد باختلاف ثقافاتهم. لكن هذا أيضا سمح للقوي الاستعمارية بتحديد تعريف ضيق للإسلام و المسلمين يسهم في تغذية الصورة النمطية عنهم. إن خطورة بن لادن, كما يقول أصلان, كمنت في قدرته علي ربط المآسي المحلية بالمشكلات العالمية للخروج برؤية واحدة للمعاناة والظلم علي أيدي الغرب. وهكذا فإن شابا هولنديا مسلما يمكنه أن يربط بين العنصرية التي ربما يواجهها وبين الحرب علي الشيشان مثلا, ويربط بين معاناة الفلسطينيين وبين احتلال العراق. وهكذا.. فقد توفرت له هوية سابقة التجهيز. أنور مجيد المتخصص في دراسات الأدب والحضارة والفكر في مابعد الكولونيالية, يدافع عن فكرة علاقة جديدة تقوم علي أساس الثقافات التي تشجع تعددية الرؤي. ويدعو مجيد الذي يعيش في الولاياتالمتحدة الي حوار حقيقي بين الحضارات. كما يري أن الصراع الدائر بين الجهاديين والغرب نتاج صراع عقود في الماضي مشيرا الي هناك صداما حقيقيا بين الاسلام والغرب يعود لقرون ماضية:' تجمعت أوروبا منذ ما يزيد علي1000 عام عندما طورت وعيا موحدا حول الخطر الاسلامي. وقد أصبح المسلمون الآن نموذجا للآخر, وكذا كل الأقليات في التاريخ الحديث'. وفي عصر العولمة, الكل أقلية بصورة أو أخري.' كلنا غرباء في هذا العالم ولكن كل خلافاتنا معا تخلق ثراء يجعل الحياة تستحق أن نحياها'. وبينما يقلق أوزسوي الباحث الإسلامي التركي الأصل والذي يعيش في ألمانيا من أن يعاد تدوير فكرة معاداة السامية لتصبح معاداة للإسلام ما قد يؤدي في النهاية إلي مزيد من الانعزالية- فإنه يبدي تفاؤلا بأن تلك المساحات من الصراع ستؤدي في النهاية إلي تفاهم أكبر بين الثقافات المختلفة. وهكذا نستطيع أن نتخلص من الصور النمطية التي نتسلمها من الأجيال السابقة.' علي المسلمين أن يتخلصوا من صورة أوروبا غير الأخلاقية, وعلي الأوروبيين أن يتخلصوا من صورة الإسلام غير العقلاني'. وأخيرا يعتقد أوسطاي- المفكر الاقتصادي التركي بجامعة دورهام ببريطانيا- أن الأزمة الاقتصادية كان سببها الانفصال بين عالم المال والعالم الواقعي. لكن الحل لا يقدمه نظام البنوك الإسلامية, التي يري أنها تأخذ اتجاها تشريعيا ضيقا نحو مسألة منع الفائدة. ما يأمله أوسطاي حقا هو الوصول إلي اقتصاد أخلاقي يقدم فرصا متساوية للمصادر, ويدرك انه بغض النظر عن الاختلافات فإن البشر متساوون في علاقتهم بالله. لمزيد من مقالات مها شهبه