من المفيد أن تستمع إلي رأي يخالف رأيك وتقدره وتعدل موقفا لك سبق أن اتخذته أو تبنيته, لكن من الجميل والمشجع أن تستمع لآراء اخري تجدها تتفق جميعها علي رأي لك أو فكر تبنيته. وقد تحققت الحالة الاخيرة عقب نشر جريدة الأهرام لمقالي المعنون نحو برنامج تنموي للريف المصري فقد سمعت وطالعت الكثير من كلمات الثناء والاطراء من زملاء اكاديميين ومصرفيين ورجال اعمال أجلاء. ومن المؤسف أنني لم أسمع أي شئ من أهل السياسة أو الحكومة أو حتي قيادات الاحزاب. وقد شجعتني مواقف الاخوة والزملاء علي الكتابة مرة أخري حول موضوعات لخدمة مصر. فمنذ أيام قليلة, تصفحت إحدي الدراسات الحديثة عن الشروع في إنشاء منطقة صناعية ولوجيستية قرب منطقة أو إدرنهس التركية في مدينة تسمي هافسا الواقعه قرب الحدود مع بلغاريا واليونان, أي في منطقة تربط تركيا بمداخل الاتحاد الاوروبي. ونعود الي مصر, فتوسعة أسواق التصدير لا يقل اهمية عن تنمية مناطق العمران وتحسين مستويات معيشة سكانها, كما ان القضاء علي التهريب عبر حدودنا الشرقية امر جوهري وحتمي. وأري أن لدينا منطقتين سبق ان تناولت في إحدي مقالاتي أهميتهما الاستراتيجية للأمن المصري هما الجزء الشرقي من محافظة شمال سيناء, والجزء الغربي من محافظة مرسي مطروح. وكلتا المنطقتين قد عانتا من مشكلات تطرف ديني وتحزب قبلي أهملتهما حكومات مصر طوال عقود من الزمان, وآن الأوان للانتباه اليهما. وسأبدأ بالمنطقة الغربية المتاخمة لحدودنا مع ليبيا قبل منفذ السلوم, حيث يربطها مع الوادي الطريق الساحلي العابر, وحتي مدينة مرسي مطروح يوجد خط السكك الحديدية, وتقرب المنطقة من مطار العلمين, ومطار مطروح. ويستطيع المسافر عبر هذا الطريق رؤية حجم النقل البري المتجه الي منفذ السلوم يوميا. فإذا كان من المستقر عليه سياسيا ان استقرار ليبيا كدولة سيأخذ وقتا غير قليل, وأن ما بعد نهاية الاحداث سوف يحتاج الي عمليات مكثفة من البناء والتشييد لطرق وجسور ومصانع وما يلزم ذلك من مركبات بانواعها المختلفة لاعادة بناء الدولة مترامية الاطراف بعدما لحق بها, فإن قطاعات الانتاج المصرية التصديرية يجب ان تكون مستعدة للاستجابة للطلب الآتي من الغرب. لذلك فإني أدعو الحكومة وجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة المصرية الي البدء في تنفيذ منطقة صناعية وسوق تبادل تجاري ومناطق تخزينية في نطاق جغرافي مسور ومسيج في هذه المنطقة, وتعتبر هذه المنطقة منطقة جمركية بيننا وبين ليبيا أو بيننا وبين دول الجنوب الاوروبي. كما أقترح أن يدعي لتنفيذ هذا المشروع مستثمرون مصريون وعرب لكي يسهموا في توفير رأسمال مناسب لشركة مساهمة مصرية تتولي تشييد الموقع وإدارته وتشغيله لمدة محددة( بنظام حق الانتفاع بالاراضي), مع منح الشركة امتياز استغلال الارض لمدة تحددها دراسات الجدوي بما يضمن للمستثمرين معدل عائد مقبولا. وتستطيع الدولة ان تعتبر هذه المنطقة منطقة اقتصادية خاصة وتمنح الشركات والصناعات والخدمات العاملة بها مزايا ضريبية أو تسهيلات مصرفية او غير ذلك من عوامل تيسيرية تمكن من سرعة انجاز الاعمال. وفي تصوري أن البدء بمنطقة تخزينية كبيرة يمكن أن يشجع نمو المنطقة, ويشجع التجارة البينية بيننا وبين ليبيا, وستخلق فرص عمل جديدة لأبناء قبائل مطروح وسيوة, وستنعش اقتصاد المحافظة بالتالي. أما الموقع الثاني فمعروف لنا جميعا, فكل من عاني من نقص المواد البترولية والسلع المدعمة يعرفه تماما. فماذا بعد تدمير الانفاق؟ هل ستتوقف احتياجات سكان غزة وسلطتها المؤقتة من البضائع المصرية؟ واقترح تشييد منطقة خدمية وتجارية مسيجة وليس منطقة تجارة حرة كما سبق للبعض أن اقترح, علي ان تقام بالكامل بعيدا عن الحدود وداخل الحدود المصرية, لتحوي مخازن للبضائع المصرية ومعارض تجارية للبيع, يكون دخول البضائع والخروج منها بنظام, وتظل الارض مملوكة للدولة, ويمنح لأبناء سيناء حق البناء عليها واستغلالها لفترة محددة. ويمكن أن ينطبق علي هذه الحالة ما ذكرناه عن المنطقة المقترحة علي الحدود الغربية بأن تكون عمليات الانشاء والتشييد والادارة والتشغيل دون تملك للارض او للمباني لشركة مساهمة مصرية يباع جزء من اسهمها لسكان سيناء, والباقي لمؤسسات مصرية, علي ان تباع البضائع باسعارها الاقتصادية وليس بأسعارها المدعمة, وتسدد عنها الجمارك عند التصدير. واخيرا اقول إنه ليس من مصلحة مصر أن ندفن رءوسنا في الرمال واموال وخيرات الشعب المصري يستفيد منها الآخرون, وليس من مصلحة اقتصاد مصر ان يبقي رهن التفكير الحكومي المقيد, ولأن الدولة المصرية الجديدة لابد ان تكون هي الراعي للنشاط الاقتصادي والمشجع والمحفز له, فإنني أرجو من حكومتنا المؤقتة ان تتبني مثل هذين المشروعين وتسعي للبدء إن اسعفها الوقت في اتخاذ اجراءات تنفيذهما مادام ان فيهما مصلحة الاقتصاد والشعب المصري.. فهل من مجيب؟. لمزيد من مقالات د. محمود ابوالعيون