شهدت مدينة القدس خلال الألفية الثانية بعد الميلاد أحداثا مهمة ومصيرية بدأت بالغزوات الصليبية والتي استمرت حوالي قرنين من الزمان وانتهت بالاحتلال الصهيوني. فمع نهايات القرن الحادي عشر الميلادي, شهدت أوروبا الكثير من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين فقر في المواد الخام وازدياد في أعداد السكان وخلافات بين الملوك والفرسان وبين البابا والملوك, فكانت الإغارة علي الشرق حلا مريحا لجميع الأطراف. وقد بدأت عمليات الشحن المعنوي بخطبة للبابا أوربان الثاني سنة1095 طالب فيها العامة بتخليص قبر السيد المسيح من أيدي المسلمين وتطهير القدس منهم.فقاد بطرس الناسك وهو راهب من مدينة أميان الفرنسية أولي الحملات العسكرية التي استمرت قرنين والتي عرفت في الغرب باسم الحملات الصليبية لأنها اتخذت الصليب شعارا لها. والتي سماها العرب حملات الفرنجة. واحتل بطرس الرملة ودمر يافا وحاصر القدس بجنود يقدر عددهم بأربعين ألفا, وبعد شهر من الحصار استسلمت الحامية المصرية الصغيرة التي كانت موجودة هناك, فدخلوا القدس عام1099 وقتلوا فور دخولهم أعدادا كبيرة من سكانها العرب قدر عددهم في الكثير من المراجع التاريخية بسبعين ألفا.وأعلن( الصليبيون) إقامة مملكة لاتينية في القدس, ومدوا نفوذهم إلي عسقلان وبيسان ونابلس وعكا, واستقروا في طبرية. وفي بداية القرن الثاني عشر بدأت المقاومة العربية, فقام عماد الدين زنكي بعد قتال عنيف مع الحاميات الصليبية في استعادة بعض المدن والإمارات من أبرزها إمارة الرها عام1144 م, وواصل خلفه نور الدين محمود التصدي للفرنجة فمد نفوذه إلي دمشق عام1154 م, واستكمل صلاح الدين الأيوبي تلك الانتصارات فكانت( معركة حطين) الشهيرة التي استرد بعدها بيت المقدس عام1187م. وفي عام1258 م شهدت مدينة القدس سقوط الخلافة العباسية بعد الهجوم التتاري بقيادة( هولاكو) الرهيب, وحرق مدينة بغداد ومكتباتها الشهيرة والتي كانت تضم كنوز الحضارة الإسلامية, ثم الاستيلاء علي حلب واغلب أراضي الشام, ثم التوجه إلي مصر للاستيلاء عليها بهدف تدمير الدولة والحضارة الإسلامية, وكان ذلك في عهد الدولة المملوكية ولكن استطاع القائد سيف الدين قطز والظاهر بيبرس صد الغزو المغولي في معركة( عين جالوت) قرب مدينة الناصرة في عام1259 فكانت واحدة من أهم وأشهر المعارك الإسلامية التي قام بها الجيش المصري, ثم واصل خليل بن قلاوون( الأشرف قلاوون) تحرير بقية المدن الفلسطينية التي ظلت تحت الاحتلال الفرنجي حتي أخرجوا من البلاد تماما عام1291 م.واستمر حكم المماليك لفلسطين اكثر من مائتي سنة. ومن آثار المماليك التي لم تزل قائمة في فلسطين حتي الآن بعض الأبنية والمدارس وبناء جسر بجوار اللد, وكان من أعمالهم ترميم قبة الصخرة والحرم الإبراهيمي. في عام1516 م شهدت مدينة القدس انتصار الأتراك العثمانيين علي المماليك في معركة( مرج دابق) بالقرب من حلب ودخلوا فلسطين التي أصبحت تابعة للحكم العثماني منذ ذلك الحين ولمدة أربعة قرون. وخلال الحكم العثماني شهدت مدينة القدس هزيمة الجيش الفرنسي( حملة نابليون1799 م)عندما حاولت فرنسا غزو فلسطين بعد احتلال مصر, ولكن الحملة ارتدت مهزومة بعد وصولها إلي عكا, حيث فشلت في اقتحام المدينة بفضل تحصيناتها وبسالة قائدها أحمد باشا الجزار. وشهدت مدينة القدس فتح بلاد الشام بالقوات المصرية بعد ان قرر محمد علي باشا والي مصر ذلك عام1838 م, فنجح ابنه إبراهيم باشا في فتح العريش وغزة ويافا ثم نابلس والقدس. ولم يدم حكم محمد علي للشام أكثر من عشر سنوات لتعود مرة أخري إلي الحكم العثماني. وشهدت مدينة القدس عام1838 فتح قنصلية بريطانية بناء علي توصية لورد شافتسيري السابع, اليهودي البريطاني مؤسس الفكر الصهيوني والذي طالب بتوطين اليهود في فلسطين بحيث تحل أوروبا مسألتها اليهودية عن طريق التخلص من الفائض اليهودي, وفي سنة1854 م أقيم أول حي يهودي يدعي( حي مونتفيوري) في القدس نسبة الي رجل يهودي استطاع شراء الأرض. وفي التاسع من ديسمبر سنة1917 تم للإنجليز احتلال القدسوفلسطين بعد انتصار القوات البريطانية علي تركيا في الحرب العالمية الأولي بقيادة الجنرال اللنبي ودخلت فلسطين تحت الانتداب(الاحتلال) البريطاني, حيث أتاحت السلطات البريطانية المجال للهجرة اليهودية وإقامة البؤر الاستيطانية في فلسطين بما رأته ينسجم مع وعد بلفور(1917/11/2) من أجل إنشاء دولة اليهود فيها. وشهدت مدينة القدس قيام العديد من الثورات المتواصلة للفلسطينيين منذ الاحتلال البريطاني وأشهرها في العام1920, ثم عام1921 وما تلاها إلي ثورة البراق( بدأت في1929/8/20 واستمرت15 يوما), ثم الإضراب الشهير والثورة عام1936 وما تلاه من ثورة متواصلة(1937-1939). بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي29 نوفمبر/ تشرين الثاني1947 طرح مشروع تقسيم فلسطين( البريطاني) إلي دولة عربية وأخري يهودية, بواسطة الأممالمتحدة للتصويت فصودق عليه بأغلبية, وتم رفضه عربيا. ثم انسحبت بريطانيا مفسحة المجال أمام الصهاينة لإقامة دولتهم في فلسطين عام1948 بمساعدة كل من بريطانيا والولايات المتحدة وفي سنة1967 م استكمل اليهود سيطرتهم علي فلسطينوالقدس بعد نكسة يونية, وعادوا يطلقون علي القدس اسم( أورشليم). وفي نهاية الألفية الثانية بعد الميلاد سنة1980 م شهدت مدينة القدس إعلان ضمها سياسيا إلي دولة الاحتلال تحت شعار توحيد القدس. وكذلك نري من السرد التاريخي السابق أن مدينة القدس والتي يمتد تاريخها إلي بداية القرن الثاني قبل الميلاد أي منذ أربعة آلاف سنة عندما أسسها اليبوسيون وهم من أصول عربية, كانت تحت السيطرة العربية الكاملة لأكثر من الفين وخمسمائة2500 سنة, ورأينا أيضا خلال هذا السرد التاريخي أن السيادة العربية علي القدس كانت تعود مرة أخري مهما طالت فترة الاحتلال.