مع إعلان الحكومة عن قانون جديد يستهدف مواجهة ظاهرة الأيدي المرتعشة من خلال التفرقة بين القرارات الخاطئة للمسئول والمتخذة بحسن نية وتلك المتعمدة.. ظهر الي السطح تساؤل أساسي هو: هل يؤدي القانون الجديد الي دفع العمل الاقتصادي وعودة الإنجاز الذي غاب لفترات طويلة, خاصة بعد وصف صندوق النقد الدولي الأخير الأوضاع المالية في مصر بالهشة في ضوء الارتفاع الكبير للمديونية المحلية, والعجز في الموازنة العامة, ووجود سوقين للصرف رغم ضيق الفجوة بينهما.؟ الخبراء أكدوا أن التردد الحكومي أسهم في ضعف الأداء الاقتصادي وذلك إلي جانب الاضطرابات السياسية, وضربوا المثل علي ذلك بعدم اتخاذ قرارات لهيكلة الدعم وترشيده وترك الممارسات الاقتصادية في الاسواق وعدم الوصول لاتفاق بالنسبة للحد الادني للأجور علي مستوي القطاع الخاص.. وأكدوا في هذا الصدد ضرورة حسم ووضع سياسات وتنفيذها بالنسبة للقضايا السابقة كلها.. وأكد الخبراء أن قانون حسن النية وحده لا يكفي لمواجهة الأوضاع الاقتصادية السابقة, وأن المطلوب آليات وتشريعات أولا لمنع تضارب المصالح, وثانيا للشفافية فيما يتعلق بالنظم الحكومية.. بالإضافة إلي تبسيط الإجراءات وتوحيدها وتقليل التكلفة المالية للاستثمار والتراخيص وخلافه وتخلص الحكومة من التردد في قضايا طال انتظار قرارات بشأنها خاصة فيما يتعلق بهيكلة الدعم, حيث ادي الانتظار لظهور مشكلات مثل انابيب البوتاجاز الأخيرة.. التردد في اتخاذ القرارات أهم شكوي المستثمرين الدكتورة أمنية حلمي رئيس مركز الدراسات الاقتصادية تكشف أن هناك استبيانا تم عمله أكد أن اهم ما يعاني منه المستثمرون في السوق المصرية هو التردد في اتخاذ القرار الاقتصادي وعدم استقرار السياسات الحكومية, فهذه الشكوي تأتي بعد الاضطرابات السياسية والضعف الأمني, ومظاهر التردد في اتخاذ القرار كثيرة, فحتي الآن لم يتم اتخاذ قرار لتبسيط الإجراءات اللازمة عند استخراج تراخيص البناء مثلا كذلك تنفيذ العقود وتسجيل الملكية وتسوية حالات الإفلاس ودفع الضرائب, والمثال الثاني علي التردد الحكومي هو دعم الطاقة.. ووضع سياسية لتسعير الطاقة وهيكلة الدعم, فهل سيتم التحول من الدعم العيني للدعم النقدي؟ وماهي الآليات المطلوبة لتعويض محدودي الدخل؟! فمازال هناك تردد بالنسبة لترشيد دعم الطاقة رغم أن الأرقام تؤكد أن نسبته للانفاق العام21%, كذلك من مظاهر تردد الحكومة عدم حسم الممارسات الاحتكارية في الأسواق والتصدي لها كما ينبغي, ايضا يظهر التردد في عدم تسوية المنازعات ووجود الشركات المتخصصة وعدم الوصول لحل بالنسبة للحد الأدني للأجور في القطاع الخاص بعد اعتراض القطاع الخاص علي هذا الحد الادني في ضوء وجود حجم من البطالة كبير يصل ل4 ملايين عاطل, ولاشك ان تردد الحكومة في العديد من الموضوعات له تداعيات سلبية, فعلي سبيل المثال يؤدي التردد في اتخاذ قرارات بالنسبة لمنازعات الاستثمار إلي اللجوء للتحكيم الدولي وخسائر بمليارات الدولارات وفقد ثقة المستثمرين في الأداء الاقتصادي وجدية الإصلاح.. مؤشرات علي التدهور.. نتيجة التردد الحكومي وتقول الدكتور أمنية حلمي, لقد عمق ذلك التردد من سوء الأوضاع الاقتصادية وأدي لمزيد من التدهور, فعلي سبيل المثال ادي التردد إلي انخفاض معدل الاستثمار من22.4% عام2008/2007 إلي14% كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي.. وخلال الفترة من2011/2010 حتي مارس2013 كان هناك خروج من استثمارات البورصة من قبل المستثمرين والذين احجموا عن الاستثمارات الجديدة, إلي جانب خروج الموجودة, كل ذلك أدي لتباطؤ معدل النمو الاقتصادي الحقيقي لما دون ال2% وهو ما أدي لزيادة البطالة ووصولها ل13% في يونيو2013 وبين الشباب ل27.7%, كذلك تراجعت قيمة الجنيه مع تراجع الاستثمارات خاصة الأجنبية حيث تراجعت ب19% من ديسمبر2010 وحتي سبتمبر2013 وانخفض صافي الاحتياطيات الدولية من35.6 مليار دولار في ديسمبر2010 إلي5,13 مليار دولار في مارس..2013 إلا أنها سرعان ما عادت وارتفعت بفضل المساعدات من دول الخليج وهذه لها ارتباطات سياسية أكثر من أداء اقتصادي, كذلك أدت الممارسات الاحتكارية الي ارتفاع معدلات التضخم الي10.1% في سبتمبر2013, وأعلن رئيس الجهاز المركزي ان الرقم زاد في اكتوبر لأكثر من11%. ومعني ذلك زيادة الآثار السلبية, والي جانب ذلك زيادة عجز الموازنة العامة الذي بلغ نتيجة عدم ترشيد الدعم لحوالي138% وذلك وفقا للبيانات الاولية لموازنة2013/2012, وأدي العجز الي مزاحمة الحكومة القطاع الخاص في الائتمان المصرفي وتفضيل البنوك للاستثمار في أذون الخزانة عن منح قروض للقطاع الخاص وهو ما أثر سلبيا علي الاستثمار. نتائج التردد الحكومي.. ترصده التقارير الدولية في هذا الإطار رصد تقرير للتنافسية الدولية يصدر عن المنتدي الاقتصادي العالمي في2014/2013 وثان عن البنك الدولي ويتعلق بسهولة ممارسة انشطة الأعمال لعام2014 رصد التقديرات نتائج التردد والحكومي, حيث أكد التقرير الأول تدهور القدرة التنافسية للاقتصاد المصري فبعد أن كان ترتيبه ال70 من بين133 دولة2010/2009 بلغ حاليا118 من148 دولة.. وهذا تدهور كبير يعكس تدهور القدرة التنافسية لمصر من إجمالي148 دولة.. كذلك تأخر ترتيب مصر فيما يتعلق بسهولة ممارسة أنشطة الأعمال, فبعد أن كنا في المركز ال94 من131 دولة أصبحنا في المركز ال128 من189 دولة. الأمور تتفاقم.. نتيجة التردد الحكومي كل ذلك يؤكد أن الأمور تتفاقم نتيجة التأخر والتباطؤ في اتخاذ القرار.. وحول أسباب تردد الحكومة في اتخاذ القرارات تقول أمنية حلمي.. متخذ القرار لديه نوع من التردد لعدة أسباب أولها الملاحقة القضائية المتعسفة, فالقانون لا يفرق بين من أهدر المال العام بهدف الربح أو تسبب في ذلك نتيجة سوق التقدير, كذلك فهناك بلاغات كيدية للإساءة عن كسب وهمي غير مشروع, وهناك تضارب في المصالح, حيث يجد متخذ القرار أن هناك تعارضا بين واجبه العام ومصالحه الخاصة, كذلك فمتخذ القرار يجمع بين السلطة التشريعية والتنفيذية وهذا يؤثر علي النزاهة والحياد والاستغلال. أيضا ضمن أسباب التردد عدم وضوح الضوابط التشريعية وسقف الشفافية وغياب آليات تعويض المستثمرين المتضررين. وتشير أمنية حلمي إلي أنه حتي الآن لا يوجد قانون للحد من تضارب المصالح, فالمناخ الاقتصادي الذي يعمل فيه المستثمر غير مناسب ونضرب علي ذلك3 أمثلة: الأول اتخاذ قرار الحد الأدني للأجور بالقطاع الخاص والذي مازال موضع نقاش والثاني التحول من ضريبة الدمغة للقيمة المضافة وما يتردد من رفع التضخم نتيجة لذلك بلغ حاليا11% أيضا فرض ضريبة الدمغة علي التعاملات في البورصة فبينما كان الهدف زيادة الحصيلة للموازنة العامة للدولة, أدي انخفاض التداول الي250 مليون جنيه نتيجة ارتفاع التكلفة علي المستثمرين الي انخفاض الحصيلة نقدا لأن توقيت فرض الضريبة لم يكن مناسبا, فالضريبة أدت لخوف المستثمرين وزعزعة ثقتهم ولم تجلب حصيلة أو ايرادات. وحول وسائل التخلص من التردد الحكومي والنهوض بالأداء الاقتصادي تشير رئيسة مركز الدراسات الاقتصادية أولا إلي ضرورة الحد من تضارب المصالح وضبط الإطار التشريعي, وإنفاذ القوانين بفاعلية مثل المنافسة ومنع الاحتكار وعمل نظم وآليات لتسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة عن طريق الوساطة ونظم الصلح الودية وذلك أفضل من اللجوء للمحاكم, كذلك آليات تعويض المستثمرين نقديا أو من أصول الدولة وتحديد فترة زمنية لحل أي مشكلة في مصر. فحاليا يمكن أن تستمر قضية في المحكمة ل30 سنة, كذلك لابد في التشريع الجديد ان يتم التفرقة بين متخذ القرار للتربح ومتخذ القرار الذي اخطأ التقدير, وأيضا تناسب العقوبة مع الجرم, فمن يخطئ في التقدير تطبق عليه إجراءات إدارية أو عقوبات مالية, أما في حالة التربح فيتم ملاحقته جنائيا, وهذا يستدعي وضع ضوابط للسلطة التقديرية ووضع ضوابط لمن يتقدم ببلاغ كيدي وتقديم متخذ القرار لإقرار ذمة مالية قبل تقلده للمنصب وبصفة دورية أثناء الخدمة ولمدة5 سنوات بعد الخدمة.. وهناك أهمية للعمل في إطار شفاف خاصة فيما يتعلق بالنظم والمشتريات الحكومية. ويتبقي الأمر المهم المتعلق وبصورة سريعة لتبسيط الإجراءات وتوحيدهاوتقليل التكلفة المالية وتحديد مدة زمنية ونظام الشباك الواحد, كذلك ضرورة إنفاذ القوانين, فمصر لديها غابة من التشريعات ولكن لا تنفذ بالفعل, كذلك هناك ضرورة لتعديلات تشريعية موجودة منذ الخمسينيات والستينيات مثل تسوية الإفلاس, حيث يهدف في مصر الي خروج الشركة والاتجاه في العالم كله حاليا إعادة الهيكلة وليس استسهال الخروج من السوق, وهناك العديد من القوانين التي تحتاج لتعديل ومنها قانون البناء, وتبسيط إجراءات الترخيص وتناسب وثيقة التأمين مع قيمة الأعمال. ويقول الدكتور محمد تيمور إن القانون الجديد المقترح هو جزء من الحل وليس كله, ويجب ان نفهم جميعا أن القانون المقترح لا يمكن أن يكون محصنا لقرارات تشوبها عمليات الرشوة أو التربح أو تعارض المصالح لكنه يحمي من اتخذ القرار بناء علي بحث الموقف ودراسته, ومن ثم لا يمكن بعد هذا ان نسائل المسئول علي تغير الظروف وبالتالي تغير النتائج المتوقعة أو وجود ظروف معينة تحبذ قرارا معينا, ويشير إلي أن التردد الحكومي الحالي يستدعي تغيير ثقافة البيروقراطية المصرية في اتجاه تشجيع الموظفين وإثابتهم علي السرعة في الإنجاز وتحقيق أهداف الدولة في جذب الاستثمار والتيسير علي المستثمرين مع تقييم أعمالهم ومحاسبتهم علي أي قصور. ويضيف ليس من المقبول بعد قيام ثورتين متتاليتين أن نعيش نفس معاناة القضايا والمشكلات القديمة ومن ثم فنحن في حاجة لمجموعة سريعة من السياسات والقرارات التي تحسم قضايا الدعم والاستثمار والاجور, ويبقي بعد ذلك لتوصيف حالتنا الحالية قول أحد الرؤساء الأمريكيين فرانكلين روزفلت في أوقات الكساد ليس هناك ما يجب ان نخافه إلا الخوف نفسه. وكانت نتيجة ذلك مجموعة من القوانين والقرارات في المائة يوم الأولي من حكمه أخرجت أمريكا من أزمتها الاقتصادية.