كان تقديري قبل أن أزور سنغافورة لأول مرة أنني سوف أشاهد دولة آسيوية متطورة مثل دول ما يطلق عليه في عقد التسعينيات من القرن ال20 ب النمور الآسيوية.. ولكن الواقع الحقيقي الذي شاهدته ولمسته خلال زيارتي.. أكد لي أنني أزور دولة ديجتال.. كل ما فيها بالعلم والأرقام وصلت إلي مرحلة من التقدم والتحضر فاقت تصوراتي وقراءاتي عنها من قبل في الصحة والتعليم والمواصلات والاقتصاد وتخطيط الطرق والمدن والخضرة التي تحيط بك في كل مكان وكأنك في حديقة مفتوحة تتناثر بها المساكن والمباني.. فالمباني والطرق لا تشكل إلا40 % من مساحة الجزيرة الدولة.. أو الدولة الجزيرة و إل60 % الباقية هي للخضرة والحدائق.. وتأكدت خلال زيارتي لسنغافورة أن الاستثمار في البشر هو الذي يصنع التقدم وليس غني الدولة بالموارد الطبيعية.. لأننا في مصر بالمقاييس العالمية دولة غنية بالموارد الطبيعية.. لكنها لم تضع قدمها بعد علي طريق التقدم بسبب ضعف وفساد التعلم!. ومن هنا كان سؤالي الأول للسفير زين العابدين رشيد وكيل وزارة الخارجية السنغافورية.. ما هي الأسس أو القواعد الرئيسية التي شيدتم في ضوئها هذه الدولة الناجحة المتحضرة؟ قال زين العابدين: إن هناك أربع قواعد أو محاور اساسية ارتكز عليها المؤسسون الأوائل لهذه الدولة عندما استقلت وأصبحت ذات سيادة في عام1965 هي التسامح والكفاءة والتعليم والعدالة واسمح لي بأن أتحدث قليلا عن مبدأ التسامح الذي التزمت به سنغافورة حتي قبل نشأتها كدولة. ربما تعرف أن الجزيرة كانت تحت الاحتلال الإنجليزي وقاعدة بحرية اساسية لبريطانيا العظمي في جنوب شرق آسيا.. فقد نجح أهالي الجزيرة سواء كانوا من أصول صينية أو هندية أو ملاي أو عرب في العيش معا والعمل معا والتزاوج من بعضهم بالرغم من اختلاف الأعراق والأديان.. وكان مبدأ التسامح أحد المباديء الأساسية التي تأسست عليها دولة سنغافورة عند استقلالها عام1965 ولم تعرف التوترات العرقية أو الدينية طريقها إلي هذه الجزيرة إلا في فترات قليلة ونادرة.. منها ما حدث في عامي1963 و1964 بين المسلمين والصينيين. ثانيا: الكفاءة.. فقد طبقت الدولة الناشئة مبدأ الكفاءة بكل شفافية في مجالات العمل بعيدا عن المحسوبية أو الوساطات.. وعاقبت بصرامة كل من يحابي أعراق معينة أو أديان محددة في العمل أو المسكن.. ولذلك شعر السنغافوريين بانتمائهم لدولتهم واجتهدوا في تطويرها وتحسين أوضاعهم المعيشية في نفس الوقت. ثالثا: التعليم.. وتوقف السفير زين العابدين.. وقال: أريد أن أقول لك ولكل دول العالم النامي.. أن سنغافورة لم تنجح اقتصاديا وتحقق هذا التقدم الذي يراه العالم كله نموذجا الآن.. إلا لأنها اهتمت بالتعليم.. وكان لديها ذخيرة جيدة من المتعلمين خاصة هؤلاء الذين تلقوا تعليمهم في إنجلترا أو أوروبا عموما.. واليابان واسترليا.. ولم يكن من الممكن أن تنجح سنغافورة في تحقيق التقدم الصناعي.. وأن تصبح مركزاي ماليا لآسيا أو ميناءي عالميا يقدم خدمات لكل السفن العابرة.. لولا أن لديها ذخيرة جيدة من المتعلمين ومستوي تعليم رفيع. وفيما يتعلق بمبدأ العدالة.. فقد حرصت حكومة رئيس الوزراء المؤسس لي كوان يوقع مطلع عقد الستينات من القرن ال02 علي بناء مؤسسات قضائية قوية لتحقيق مبدأ العدالة الذي ينص عليه الدستور بين كافة السكان البالغ عددهم5 ملايين. وقد أبديت دهشة بالغة من مستوي الإنفاق العالي الذي لاحظته في أماكن كثيرة زرتها في سنغافورة والارتفاع الخرافي لأسعار السلع والخدمات.. ولكن زالت دهشتي عندما علمت أن متوسط دخل الفرد السنوي يصل إلي496.65 دولار.. وأن اجمالي الناتج المحلي لسنغافورة وفقا لأرقام2012 نحو275 مليار دولار!. فقد نجحت الحكومات والتي شكلها لي كوان يو.. الذي تولي منصب رئيس الوزراء لأول مرة في عام1959 أي قبل الاستقلال ولم يتركه إلا في عام1990 في وضع أسس التقدم لهذه الدولة الصغيرة وأدرك أنها بلا موارد تذكر فكان تركيزه علي الاستثمار في البشر والاستفادة بقدر الإمكان من موقع سنغافورة الاستراتيجي وتحويلها إلي ميناء عالمي للسفن العابرة من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط إلي آسيا.. والعكس وتحولت الجزيرة إلي مركز مالي مهم للعديد من الدول الآسيوية والخليجية والأوروبية والأمريكية.. كما نجح لي كوان يو في ادخال التصنيع إلي سنغافورة وأصبحت اليوم من أكثر الدول تقدما في الصناعات خاصة المتقدمة مثل الالكترونيات والحاسبات والسفن والسيارات.