جاءت أحداث العنف ومشاهد التخريب والانفلات الأخلاقي التي شهدتها جامعة الأزهر وغيرها من الجامعات والمدارس المصرية, لتكشف عن غياب دور الأسرة والمنهج الإسلامي في تنشئة الأبناء. وأن ما يعانيه المجتمع اليوم من خلاف بين أبنائه نتيجة الاختلاف في التوجهات والرؤي ووجهات النظر, يعكس انقساما وانفصاما بين لبنة المجتمع الأولي, وهي الأسرة, فقلما نجد اتفاقا بل حوارا هادئا نصل به إلي توافق وتعايش هادئ, وكثيرا ما يكون الصراخ والشجار, والانتهاء إلي لا شيء هو المحصلة النهائية لكل حوار يدور بيننا, وإذا كنا كثيرا ما نطالب بحوار مجتمعي للتوافق والتعايش الآمن بين فئات وأطياف الوطن الواحد وإصلاح المجتمع, فإن ذلك لا يتأتي إذا كان هناك حوار ناجح بين أفراد الأسرة أولا.. فلا يختلف احد علي ان صلاح المجتمع ينطلق من الاسرة أولا, فهي عماد صلاحه ومنها ايضا فساده. ودعا علماء الدين إلي ضرورة عودة وإحياء قيم ومبادئ الحوار بين افراد الاسرة, باعتباره النواة الأساسية لصلاح المجتمع وتصالح أفراده, كما يعد الحوار الأسري وسيلة تربوية ناجحة لإعادة ترتيب البيت من الداخل. وأكد العلماء أن غياب ذلك الحوار يؤدي إلي التفكك الأسري الذي يتسبب في الانفلات الاخلاقي والقيمي في المدارس والجامعات, والشوارع والاماكن العامة, ولعل ما يحدث حاليا في المشهد الحالي في جميع الأماكن خير شاهد علي ذلك. ويقول الدكتور الأحمدي أبوالنور, وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر, إن ما يحدث حاليا في المجتمع, تتحمل الأسرة جزءا كبيرا منه, وذلك لغياب الحوار بين افراد الاسرة الواحدة, موضحا ان الحوار المجتمعي يبدأ اساسا من محيط الاسرة الصغيرة التي هي عماد المجتمع, فإذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله, والحوار المقصود هنا ليس الكلام وتقديم العظة فقط, ولكن هو حوار مترجم بالافعال والسلوك العملي, لما له من التأثير المباشر علي جميع افراد الاسرة. وأوضح أن ذلك يبدأ بمعاملة الزوج زوجته بإعطائها حقوقها وواجباته نحو اهل بيته من تحمل المسئولية بكل معانيها من مأكل و ملبس و أمن و امان, فإذا قام الرجل بتلك الواجبات يكون له أخذ كل حقوقه من زوجته التي هي أيضا لا بد ان تؤدي واجباتها نحو زوجها من تحمل المسئولية بكل معانيها, وأيضا نحو اولاده فإن هي فعلت ذلك تأخذ حقها كاملا من زوجها, وذلك كله من منطلق قول الرسول صلي الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, الإمام راع ومسئول عن رعيته, والرجل راع في اهله و مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها, والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته. المرونة في التعامل وأشار الي ان الحوار والتعامل مع الابناء يكون في اطار تطبيق قول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم.. ليس منا من لم يرحم صغيرنا... بحيث لا يقتصر ذلك علي طريقة التعامل بين أطراف الاسرة بل لا بد ان يسري ذلك المنطق في الاستماع لوجهة نظر كل فرد من الاسرة مع الأخذ بها إذا كانت صائبة واحترامها إذا كانت غير موفقة مع امكان بيان الخطأ فيها دون تجريح أو توبيخ وإعطاء التوجيه والنصيحة بنوع من اللطف و المرونة. وأوضح انه اذا لم يلتزم الأب بالرحمة والرفق والمودة في التعامل مع الابناء وصغار السن فلن يستمع احد له منهم, وأيضا الأبناء إذا لم يلتزموا باحترام وتوقير الكبير في الحوار مع الكبار فلن يستمع احد لهم, إذن فهي قاعدة معممة علي الجميع والنتيجة معروفة, مؤكدا انه اذا نجحنا في غرس التطبيق الصحيح للحوار الاسري داخل البيت, فمن المؤكد سهولة تطبيقه وجني ثماره مع جميع من نتعامل معهم وعلي رأسها حفظ الحقوق والواجبات مع كل الناس, سواء في العمل او البيت او المدرسة والجامعة, وغير ذلك. وشدد علي ضرورة ان يكون الوالدان بمنزلة المدرس والمعلم في البيت, بمعني أن عليهما ان يتثقفا بالثقافة الاسلامية الصحيحة, وعلي استعداد دائم ومتواصل للرد علي جميع اسئلة الأولاد خاصة الاسئلة التي تتعلق بجانب التربية الدينية وتشغل بال الصغار. لغة هادئة من جانبه, أوضح الدكتور عبدالباسط سلامة هيكل, بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر, أن القرآن الكريم سجل حوار لقمان إلي ابنه, لنري فيه حرص الأب علي الحوار مع ابنه, وكما تحدث لقمان لابنه بتأكيد صلته بربه في قوله تعالي: يا بني أقم الصلاة تحدث إليه في صلته بالناس وأدب الحديث اليهم في قوله تعالي واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير, مشيرا الي ان حالة من التشنج والارتباك تسري في مجتمعاتنا, توصيفها أننا ما بين أصم لا يسمع إلا صوت نفسه أو أبكم يعجز عن تقديم نفسه, تلك الحالة من التشوه بدأت من بيوتنا لغياب الحوار الأسري, عندما نخرس أولادنا رهبة ونقول عنه احتراما, نصنع حوارا من طرف واحد, نقتل فيهم أجمل ما فيهم صوت الفكر ولسان القلب, فيتطلع خارج منزله إلي من يستمع إليه, يشعره بأنه إلي جواره, أولادنا في حاجة إلي أن نفكر ونبدع طرقا لنعلمهم كيف يتحابون ويترابطون, وكيف يتحدثون ويتحاورون وليعلم الجميع أن لغة الوالدين أمام الأبناء كلغة الطير أمام صغارها فاحرص علي ألا تسمع أولادك إلا تغريدا, كلاما وسلوكا.