المنطقة صحراوية نائية معزولة تماما عن الوادي, وأقدمت مجموعة من القطط تتهادي, قال الرئيس في محبسه متأملا: كل قطة لها ذيل. ياعظمة الخالق, ذيل واحد لكل قطة, حكمته, وسأل الرئيس نفسه, كيف فاته هذا الأمر في السابق؟ واستغرق الرئيس في إحصاء القطط وذيولها, وهو يكرر ويعيد ويزيد في القول: لكل قطة ذيل؟؟ كنا في المنتجع, جمع زميلي أوراقه, ووقف قال: نلتقي في العشية. تركناه وشأنه, ليذهب الي الجحيم أو الي القطط عند رأس الشارع, واليوم يوم الحكايات حول القطط والغيمة البيضاء المحملة بالجواهر بعد مقتل الثعبان السام أمس. من جانب آخر فخامة الرئيس الأمر علي نحو آخر تماما, قال لنفسه كل قطة لها ذيل هذه مصيبة, لأن الذيل يتبعه فم, والفم يسعي الي طعام, وتصبح القضية ليس كل قطة لها ذيل بل كل قطة لها فم. فكيف نتعامل مع القطط الجائعة التي تطاردنا ليل نهار في طرقات المنتجع وعلي شاشات العرض؟ قال الرئيس ضاحكا كما يفعل دوما عند اشتداد المصائب: هذا قدرنا.. المشاهد أن حديث القطط يشغل الرئيس, خاصة عندما تخرج من المرآة في الليل وتتكوم علي فراشه, وتروي القصص ولايزجرها إلا إذا اقتربت من الأمور السياسية, وكانت هذه هي شروط اللعبة التي التزم بها الجميع منذ تولي الرئيس مناصبه الحيوية, القطط مثلها مثل الوزراء ورجال الحكومة والأحزاب والعصافير والكلاب وصغار العاملين في المنتجع لايسمح لها مطلقا بالحديث في السياسة. أقوال عم حمزة الثالث. طابت أوقاتكم قال عم حمزة بعدها شيئا حول رداءة الجو في هذه الأيام وهو يسوي طبلية الطعام فوق التل.. وعندما فرغ من نشرته الجوية الساخرة من ربيع هذه الأيام, سأل بعدها بطريقته المراوغة كعادته, قال: ما الفرق بين تناول الطعام جلوسا علي الأرض الي مائدة منتصبة وحولها كراسي فخمة كما يفعل السادة داخل القصر, وأكمل حمزة, الجلوس الي مائدة طعام, متعة يعرفها العظماء فقط. كنا خمسة نجلس داخل خيمة واسعة ورياح ثقيلة تعوي حولنا, ولم نهتم بسؤاله عن موائد الطعام ونحن نجلس علي الأرض وسط الخيمة, لم ننتظر شرحا أو زيادة بسبب الجوع. لم نلتفت الي مايشغل عم حمزة حول متعة الجلوس الي مائدة عند الأكل, كنا جوعي من السير في الصحراء لعدة ساعات وعلي أكتافنا معدات وأجهزة ثقيلة. كنا نود الطعام أولا ثم الثرثرة بعد ذلك في متاهات عم حمزة حارس البادية وحارس شبه جزيرة سيناء, وحواديت لا نهاية لها الي جانب أوراق لم يكشف عنها عم حمزة ويطلق عليه حكايات البر الآخر؟ كما أن تاريخ الرجل ملتبس علينا؟ تارة يتحدث إلينا وكأنه عاصر هوجة أحمد عرابي وتارة كأنه عاصر ثورة الزعيم سعد زغلول وعاش سنوات الصراع بين الملك أحمد فؤاد والزعيم سعد زغلول, ويخلط الحكايات عن عمد كي يختلط الأمر علينا. يرقبنا عم حمزة ويضحك ويظل الغموض يلفه وهو يسير بيننا في الخيمة, أو يقف علي بابها وعلي الرغم من جدية حديث الثورات الذي يتقنه عم حمزة كمؤرخ هاو يشار اليه بالبنان, الشيء المؤكد والوحيد أنه عاش بقلبه وعقله ثورة1952 ومابعدها وحتي أيامنا هذه رجل عجوز جعبته مليئة عن جمال عبد الناصر والثوار والسادات وحتي هذه الأيام الأخيرة لحكم حسني مبارك وسوزان مبارك وجمال وصفوت الشريف وأحمد عز. هل الرجل الذي يتحرك أمامنا هو حمزة الأول أم حمزة الثاني؟ أم حمزة الثالث؟ رجل من فمه تتساقط حكمة السنين وعلي وجهه ملامح الأبد وكأنه سليل صناعة متفردة لوحدها لاتعرف الموت ولا الفناء. تزيد وتتوسع حكاياته منذ قدومه الي الصحراء ولايفصح أبدا عن حقيقته أو مصادره. قلنا: عم حمزة كائن افتراضي لا وجود له, رجل من خيالات ثورة المعلومات والاتصالات لاضرر من الثرثرة معه علي الطعام أو أثناء السير, فهو رجل يعرف أصول الضيافة, ولايتدخل فيما لايعنيه, ولايسأل عما يشغلنا. والأهم من ذلك كله: يزودنا بطعام لذيذ ويحمي قطعة من تراثنا وإرث الأجيال. من قتل الثعبان ياحمزة؟ علم أهل القصر بما جري للثعبان السام أمس فثارت ثائرتهم ذبحه الصول حمادة بسيخ ساخن وأصابه في مقتل, وكان السؤال الذي لايفارق أهل القصر بسبب الخوف من الثعابين ونزعة الانتقام لديها, أين قتله حضرة الصول حمادة خارج الخيمة أم داخل الخيمة في الفراش؟؟. وهنا اختلفت أقوال الضباط والجنود, بعضهم قال: أمسك به حمادة داخل الخيمة في المساء والبعض الآخر قال: كان الثعبان خارج الخيمة. والفرق بين الحالتين كبير في عرف أبناء الصحاري, الحيوان الذي يتسلل داخل خيمة خلسة يستحق القتل دون رحمة أما من يظل في الخارج يتمتع بالحماية وحسن الضيافة. ووقف عم حمزة أمام باب الخيمة متوجسا فبعد قليل ينطلق صراخ يهز المعسكر وتزأر اشتباكات, وتقوم مشاجرة حول قطعة مجوهرات في حلق الثعبان سرقها حمادة بعد أن اجهز عليه غير ملتفت الي شعار المرحلة: كل قطة لها ذيل وكل ثعبان في حلقه جوهرة.