لا يستطيع أي متابع للأحداث السياسية التي مرت بها مصر خلال ثلاث سنوات أن يغفل عن حجم التداعيات الاقتصادية و لكن مما لا شك فيه إن أي تحول ديمقراطي في مصر سيسهم في الإسراع في التقليل من أثر التداعيات حين يتعزر الأداء الاقتصادي للدولة من خلال جذب الاستثمارات من جديد وإرساء دعائم ديمقراطية جديدة في مصر لأنها سينتج عنها حتما منظومة اقتصادية اجتماعية أكثر عدلا.. حول الخسائر الاقتصادية منذ25 يناير وحتي الآن وحول رأيه في أداء حكومة د. حازم الببلاوي ورؤيته للأيام المقبلة, كان لنا هذا الحوار مع د. صلاح جودة الخبير الاقتصادي والمستشار الاقتصادي لمفوضية العلاقات الأوروبية. أولا ما هو حجم الخسائر الاقتصادية منذ25 يناير2011 وحتي الآن؟ انخفض الاحتياطي النقدي لمصر من36 مليار دولار في يناير2011 ليصل إلي22 مليار دولار في2011/10/31 وإلي13.6 مليار دولار في2013/3/28 ويعود ذلك إلي زيادة الاستيراد من الخارج نتيجة لعدم تشغيل الطاقة الإنتاجية لمصر بصورة كاملة, وعدم زيادة الاحتياطي النقدي نتاج انخفاض معدل السياحة في مصر بسبب الاضطرابات والوقفات الاحتجاجية والمظاهرات, الغياب الأمني, انخفاض الصادرات نتاج توقف المصانع, انخفاض الجنيه أمام الدولار بمعدل20% خلال خمسة أشهر. لكل هذه الأسباب لم يزد الاحتياطي النقدي لمصر.. فحجم الناتج القومي المصري حتي2010/12/31 كان1.2 تريليون جنيه سنويا أي أن المعدل اليومي للناتج القومي هو5,2 مليار جنيه. وقد أنخفض معدل الناتج القومي ليصل إلي42% من قيمه الناتج القومي وإذا راجعنا الأرقام سنجد أن الناتج القومي المصري خلال التسعة أشهر الماضية وصل إلي525 مليار جنيه. كما تم إغلاق4500 مصنع, ومصانع أخري بمنطقه شبرا الخيمة بمعدل980 مصنعا, بالإضافة لمصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبري وعددها466 مصنعا, وأيضا تم إغلاق بعض مصانع المواد الغذائية وبتحليل بسيط للأرقام نجد أن عدد فرص العمل المفقودة بالنسبة للمصانع المغلقة تبلغ علي أقل تقدير225 الف عامل أي بمتوسط عدد50 عاملا لكل مصنع, كذلك عدد أفراد الأسر المستفادة من المصانع لا تقل عن000 ر900 ألف فرد بمعدل4 أفراد لكل عامل. ولقد أدي انخفاض الناتج القومي خاصة الناتج الصناعي إلي أن تقوم مصر باستيراد معظم السلع الغذائية لها فبعد أن كانت مصر تستورد ما قيمته70% من استهلاك الغذاء السنوي لها أصبحت الآن تستورد ما قيمته86% من قيمه الغذاء المستهلك أي أن هناك نسبه زيادة في الاستيراد تبلغ16%. وكيف تقيم أداء حكومة الببلاوي بعد مائة يوم من توليها؟ وزاره الببلاوي تتمتع بمزايا عديدة لم تتوافر لغيرها من الوزارات ومنها الالتفاف الشعبي و وجود فوائض مالية لسد الفجوات التمويلية تمثلت في12 مليار دولار من الدول الخليجية وعدم وجود وقفات احتجاجيه أو فئوية ضد الحكومة. بالإضافة لقيام وزير السياحة بالعمل علي عوده السياحة, كما قامت وزاره الدفاع بالقضاء علي نسبة كبيرة من الإرهاب في سيناء وعادت الشرطة للشارع. ولكن كان المطلوب من الحكومة أن تقوم فورا بتنفيذ قرارات الحد الأدني للأجور والحد الأقصي للدخل في الحكومة بحيث لا يقل الحد الأدني سواء في الحكومة أو القطاع الخاص عن(1200 جنيه) شهريا. وكان عليها أن تقوم أيضا بزيادة المعاشات بكافة أنواعها لتتلاءم مع متطلبات الحياة ونسب التضخم مع إلغاء كافة المستشارين في الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال والوحدات المحلية فوق سن ال60عاما. كما يجب علي الحكومة أن تسرع في تنفيذ وضع حد أقصي لهامش الربح ووضع بنود قانون للثروة المعدنية والمحجرية لمصر لتدر عائدا سنويا لا يقل عن22 مليار جنيه. كما يجب صدور تشريعات تتواءم مع الحالة التي تمر بها مصر اقتصاد حرب لأننا ما زلنا نحارب الإرهاب. إذن ما هي الروشتة العاجلة التي يمكن ان تصفها لحكومة الببلاوي؟ هذه الوزارة مثقلة بعدة ملفات أهمها الملف الاقتصادي. واري أن علي وزير الاستثمار القيام بخفض مدة تأسيس أي شركة إلي48 ساعة فقط مع عمل خريطة استثمارية لجميع محافظات مصر ولجميع الاستثمارات والمشروعات المطلوبة مع الترويج لها. وعليه أيضا أن يقوم بإعادة تقييم جميع الشركات سواء كانت قطاع عام أو قطاع أعمال أو قطاع خاص أو قطاع استثماري وذلك لمعرفة صافي رأس المال لكل شركة. ومن ناحية أخري علي وزير الصناعة والتجارة أن يجد آلية لعودة جميع المصانع والمنشآت والفنادق والقري السياحية المتوقفة للعمل مرة أخري وعليه أيضا أن يصدر قرارا بعمل المصانع وكافة المنشآت خاصة الصناعات المتوسطة والصغيرة ثلاث ورديات وذلك لاستيعاب العمالة وزيادة الإنتاج وأهم قرار يمكن أن يصدر في هذه الفترة هو ممنوع تصدير أي مواد خام لذلك يجب أن يتم إدخال قيمة مضافة أي تصنيع للمواد الخام وبذلك تزيد قيمة الصادرات من32 مليار دولار إلي42 مليار دولار علي الأقل مبدئيا بالإضافة إلي توفير ما لا يقل عن مليون فرصة عمل. أما فيما يخص وزير التخطيط والتعاون الدولي فعليه أن يعلن بكل شفافية و وضوح عن الديون الداخلية والخارجية لمصر, وحجم الاحتياطي النقدي لمصر والمتاح منه, أسعار الفائدة علي كافة القروض والودائع, وما هو الموقف الحقيقي للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي و أين انتهت هذه المفاوضات. أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية في منتصف سبتمبر أنه سيقوم بفرض التسعيرة الجبرية علي السلع في حاله وجود نوع من أنواع الاستغلال. فما رأي سيادتكم خاصة أن المعارضين وجدوا أن هذا يشكل عوده للنظام الاشتراكي؟. يمكن لنا أن نفرض هامش ربح علي الصناعات المختلفة مثلا يكون هناك20% هامش ربح علي صناعات الغزل والنسيج,25% هامش ربح علي الصناعات الغذائية,30% هامش ربح علي الصناعات الهندسية,35% هامش ربح علي الصناعات التعدينية وهكذا تكون الأسعار قد تم تخفيضها بالكامل. ولكن لابد وان يكون هناك آليات في يد وزاره التموين والتجارة الداخلية حتي تستطيع ان تقوم بتفعيل آليات أي قرار يتم اتخاذه قناة السويس بمثابة كنز استراتيجي لم نستثمره حتي الآن كيف يمكن لنا تطوير منطقة قناة السويس؟ يمكننا إنشاء بورصة للسفن حيث تمر بها حوالي60% من حاويات العالم ويمكننا استغلال ذلك في تصنيع السفن وصناعة الكونتينرات الخاصة بالسفن ويمكننا تولي أمر صيانة وتخريج وعمل مزادات للسفن. كما يمكننا تموين تلك السفن بالغاز ومشتقاته والكيروسين ومشتقات البترول وبالسعر العالمي فإذا قمنا بتموين25% فقط لأصبح دخل مصر من ذلك30 مليار دولار سنويا. فلنا أن نعلم أن طول قناة السويس171 كم ويمر بها60% من حاويات العالم ودخلها السنوي5,5 مليار دولار في حين أن قناة بنما طولها22 كم وتخدم ثلاث دول فقط ونصف في المائة من حجم التجارة العالمية يمر بها ومع هذا دخلها السنوي25 مليار دولار. وبالنسبة للاستثمار بتلك المنطقة فأقول إنه لا يوجد دولة تبيع أراضيها والحل هو حق الانتفاع. للأسف الشديد أقول إن مصر لديها موارد ذكية من أراض ونهر نيل وشواطئ وبحيرات طبيعية وصناعية وآثار ومسارات لخروج اليهود والعائلة المقدسة ومزارات آل البيت وما يكفي من ثروة معدنية ومحجريه ولكن للأسف الإدارة غبية. فعلي سبيل المثال يوجد لدنيا ماء يكفي لزراعة22 مليون فدان بالساحل الشمالي الذي كان يزرع فيه القمح من قبل. حتي القطن الذي كانت تتميز به مصر أهملناه لتتفوق حاليا دولة بوركينا فاسو التي لا تتعدي أل3 ملايين نسمة تصديره. وعلي مصر أن تعود مرة أخري إلي التركيز علي زراعة القطن والقمح مع توفير صوامع لتخزينه ومع إخطار الفلاح عن سعر الشراء وفقا للسعر العالمي مع التأكيد علي أنه ممنوع تصديره كخام. وأخيرا كيف تري الوضع الاقتصادي للبلاد بعد إجراء الاستفتاء علي الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ بعد إعداد الدستور والاستفتاء عليه وصدوره سيتم استكمال المؤسسات التشريعية من مجلس الشعب إلي مجلس الشيوخ وبعد ذلك تكتمل المؤسسات الدستورية للدولة بالكامل يمكننا التعامل والتعاون مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي و البنك الدولي وذلك بسبب استكمال المؤسسات الدستورية مع إعادة تقييم التصنيف الائتماني لمصر وذلك بسبب سد الثغرات الموجودة في عدم وجود مؤسسات دستورية. ومن هنا يجب إصدار مجموعة من التشريعات والقوانين التي تساعد علي النهوض باقتصاد بالبلاد وعودة الاستثمارات مع العمل علي توفير مزيد من فرص العمل وزيادة الصادرات وخفض الواردات مع حكومة قادرة علي أن تضع خريطة استثمارية للبلاد...