إن الاختلاف والبغي وتفريق الدين من علل أهل الكتاب التي كانت سببا في هلاكهم ونسخ أديانهم وبقاء قصصهم وسائل إيضاح للدرس والعبرة لمن ورثوا الكتاب والنبوة. ولعل ما يعانية عالم المسلمين اليوم لايخرج عن أن يكون أعراضا للمشكلة الثقافية وخلالا في البنية الفكرية التي يعيشها العقل المسلم وأثارا للازمة الأخلاقية التي يعاني منها السلوك المسلم وما من سبيل إلي خروج إلا بمعالجة جذور الأزمة الفكرية وتصويت الفهم وإعادة صياغة السلوك الخلقي كضمانة ضرورية وإلا كالذي يضرب في حديد بارد. إن الاختلاف في وجهات النظر بدل إن يكون ظاهرة صحة تغني العقل المسلم بخصوبة في الرأي والاطلاع علي عدد من وجهات النظر ورؤية الأمور من إبعادها كلها وإضافة عقول إلي عقل انقلب عند المسلم عصر التخلف إلي وسيلة للتناكل الداخلي والإنهاك وفرصة للاقتتال حتي كاد الأمر أن يصل ببعض المختلفين إلي حد التصفية الجسدية والي الاستنصار والتقوي بأعداء الدين علي صاحب الرأي المخالف لقد وصلت حدة الاختلاف إلي مرحلة أصبح المشرك معها يأمن علي نفسه عند بعض الفرق الإسلامية التي تري إنها علي الحق المحض أكثر من المسلم المخالف لها بوجهي النظر والاجتهاد حيث أصبح لا سبيل معها للخلاص من التصفية الجسدية إلا بإظهار صفة الشرك. إن أزمتنا أزمة فكر ومشكلتنا في عدم صدق الانتماء, فعندما كانت المشروعية العليا الأساسية في حياة الأمة المسلمة للكتاب والسنة استطاعت إن تحمل رسالة وتقيم حضارة علي الرغم من شظف العيش وقسوة الظروف المادية فكان مع العسر يسر, حيث أوقف الإسلام التشرذم والتآكل الداخلي ووجه العرب وجهة الإله الواحد الحق وألغي الآلهه المزيفة التي كانت تقسمهم وتفرق بينهم, ولكن للأسف عاد الإنشقاق إلي الأمة. إن الاختلاف ظاهرة طبيعية لايمكن تفاديها أبدا فهو مظهر من مظاهر الإرادة في الإنسان ما لم يتجاوز حدوده بل إنه ربما كان ظاهرة ايجابية كثيرة الفوائد إذا بقي ضمن الحدود والآداب التي يجب الحرص عليها ومراعاتها ولكنة إذا جاوز حدوده ولم تراع أدابه فتحول إلي جدال وشقاق كان ظاهرة سلبية سيئة العواقب تحدث شرخا في الأمة وفيها ما يكفيها فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء إلي معاول للهدم. وعلي الرغم من أن المولي عز وجل أمرنا بالاعتصام بحبل الله والبعد عن الفراق والنزاع إذ إنها تؤدي إلي الفشل والعجز عن الوصول إلي أي حل فقد طغي اليوم علي اختلافاتنا كل وسائل التكفير والتفسيق والتبديع والتشويه والتسفيه وتبع ذلك الموالاة والمعاداة لكل من اختلفنا معه وتجاهلنا التماس الأعذار للآخرين سواء لجهلهم أو لاجتهادهم أو لأنها مسائل اجتهادية لا إجماع عليها وتجاهلنا الرفق في التعامل مع بعضنا البعض وأصبح الكل يتحدث والكل يقدم الحجج والبراهين ولو بغير علم فإذا تحول الاختلاف إلي خلاف والخلاف يكون جذريا في كل شيء كما أنه في حالة الخلاف يحاول أحد الطرفين أو كلاهما فرض رأيه علي الجميع دون أن ينسي تحقير الطرف الآخر والنيل منه ويصبح النقاش حلبة مصارعة كل واحد يحاول أن ينتصر لنفسه ويعجز صاحبه وينتظر تصفيق المتفرجين وقد قال فيه رب العزة سبحانه وتعالي والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم الحج51 وعند الخلاف يبدأ الطرف الآخر يخوض في آيات الله ويستهزأ بها ويتخذ القرآن عضين, ويتبع هواه في تفسير آيات القرآن, ويرفض منها ما غم عليه فهمه أو يحاول أن يجعل بعض آيات القرآن محدودة الزمن ومرتبطة تاريخيا بسبب نزولها بالمخالفة لقوله تعالي: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون سبأ28, أقول عندما يحدث ذلك فإن الله سبحانه وتعالي وضع لنا القاعدة القرآنية وأخبرنا كيف نتصرف في ذلك فقال سبحانه وتعالي: وقد نزل عليكم في الكتاب إن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتي يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا( النساء140). H دكتوراه في القانون وخبير بجامعة الدول العربية لمزيد من مقالات د. عادل عامر