يحكي أنه في قديم الزمان, وسالف العصر والأوان, أن سلطانا عظيما كان له ابن وحيد, كان يحب الحيوانات! فانشأ له في حدائق القصر السلطاني حديقة للحيوانات, جلبها إليه من كل مكان, ووضعت في أقفاص حديدية وأوقف عليها الأوقاف لإطعامها ورعايتها.. أقفاص للأسود والنمور والدببة والثعالب والذئاب والكلاب! وكل ذلك حتي يتمتع بها الابن الوحيد ولي العهد.. ولكن كان ينقصها حيوان واحد, هذا الحيوان هو الفيل.. فلما طلب الأمير من أبيه السلطان أن يأتي له بفيل صغير حتي تكتمل له مجموعته من الحيوانات, أرسل السلطان علي الفور رسله إلي بلاد إفريقية, فأتوا إليه بفيل صغير من بلاد السودان.. وكان هذا الفيل هو الحيوان الوحيد الذي ترك حرا في حديقة القصر دون أن يقيدوا حريته بوضعه في أحد الأقفاص الحديدية! فكان يلعب ويمرح ويرتع في حديقة القصر كيف يشاء.. وصادق الابن.. ولي العهد الفيل الصغير.. وكبرا معا سنة بعد سنة.. وكان الأمير يتجاوز عن عبث الفيل ومايحدث من تلفيات, حتي اعتاد الفيل علي إفساد الكثير من الأشياء في الحديقة, كان يتم إعادتها إلي أصلها.. ويوما بعد يوم كبر الفيل, ولم يكن أحد من الحرس أو الخدم يستطيع أن يمنعه من العبث, لأنه فيل ولي العهد, وحتي لايغضب عليهم الأمير!! فلما توفي السلطان الكبير, وتولي ولي العهد أمر السلطنة, بكل مهامها الجسام ومسئولياتها الثقيلة, بدأ يبتعد كثيرا عن الفيل, وترك أمره للحرس والخدم! وفي يوم من الأيام كان باب القصر الكبير مفتوحا, فخرج الفيل إلي عاصمة البلاد, ومضي في الشوارع علي غير هدي, وكان يجر خلفه الحرس والخدم الذين وكلوا به!! وكعادته في العبث, كان يفسد في كل مكان يصل إليه, ويثير الذعر في الأسواق والحوانيت والشوارع!! ولم يكن هناك من الرعية من يجرؤ علي وقفه عند حده, لأنه فيل السلطان المطلق العنان المحاط بالحرس والخدم!! كما لم يكن أحد يجرؤ علي أن يطلب تعويضا عما يفسده هذا الفيل المدلل!! ولكن بدأت شكاوي الناس تتناثر صمتا, ودون أن ينطق بها أحد في العلن!! ولما زاد الأمر عن حدة وفاض, اجتمع الناس بأعيان البلاد, وشيوخ الحرف والطوائف, ووجهاء القوم, ليبحثوا أمر هذا الفيل العابث المدلل, واتفقوا علي أن يلتقي وفد منهم السلطان, علي أن يوضحوا الأمر للسلطان ويستدروا عطفه, ويشرحوا له مايسببه لهم الفيل المبجل من خسائر في الأموال والأرواح, حتي الأطفال الصغار الذين ماتوا تحت أقدامه الثقيلة!! ولما التقوا السلطان. تقدم المفوض بالكلام وقال: الفيل يامولانا!! فلما سمع السلطان ذلك سأل: ماله؟!! وكانوا قد اتفقوا علي أن ينظر المفوض بالكلام إليهم بعد قوله, فيتقدموا واحدا بعد آخر لشرح الشكاوي للسلطان, ولكنهم صمتوا تماما, كأن علي رؤوسهم الطير!! وعاد المفوض يصيح كالمذبوح: الفيل يامولانا؟!! ثم نظر إلي من معه من الوفد, فراهم صامتين كالخشب المسندة!! فلما سأله السلطان: ماله؟!! ولما لم يجد الرجل أحدا يستطيع الكلام, قالها للمرة الثالثة: الفيل يامولانا؟!! فلما سأله السلطان وقد بدا الغضب يظهر علي وجهه: ماله؟!! ألا تتكلمون؟!! فرأي المفوض أن يخرج من المأزق حتي لايبدو أمام السلطان كمن يزعج السلطات, فتكون عاقبته وخيمة, قد يدفع ثمنها رأسه. فقال: يامولانا.. الفيل كبر.. ونريد أن نفرح به.. وكلنا نعلم أن مولانا يحبه.. فزوجه يامولانا.. حتي يأتي لنا بأفيال صغيرة تملأ حياتك أطال الله عمرك وحياتنا بالسعادة والسرور, والفرح والحبور!! فضحك السلطان كثيرا.. وأمر له بمكافأة كبيرة.. جزاء علي تفكيره وتعبه في سعادة الفيل والسلطان!! وانصرف الوفد.. كل إلي حال سبيله.. وأمر السلطان فاحضروا أنثي فيل تكون زوجة للفيل وأما للأفيال الصغيرة القادمة!! ولم يعد أحد من الرعية يستطيع أن يشكو أو يبدي أدني وجع من الفيل وذريته ابدا بعد ذلك. فقد سكتوا, ولا حق للساكن في الشكوي أو التظلم.