في واحدة من المرات القليلة بمصر تنجح فكرة مبتكرة في خلق حالة من التوافق والتناغم بين جهات حكومية وأخري خاصة.. فكرة إذا طبقت وتم تنفيذها كما ينبغي لفتحت آفاقا جديدة أمام التنمية في جنوب الكون ولا سيما في محافظات الصعيد المصري. والتي تعاني نقصا حادا في المشروعات الاستثمارية وخلق فرص العمل للحد من تفشي ظاهرة البطالة, إضافة الي فتح أسواق جديدة للمنتجات والصناعات القائم حاليا هناك. والقصة تبدأ عندما أعلن مجلس الأعمال العربي أمريكا اللاتينية برئاسة الأمير فهد بن مقرن بن عبد العزيز عن أول مبادرة عالمية لتنمية الجنوب في كل أرجاء العالم خاصة في بلاد العرب وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وتم عقد المؤتمر التحضيري للمبادرة بمحافظة الأقصر خلال شهر اكتوبر الماضي. وشيئا فشيئا تبلورت الفكرة المبتكرة علي يد صلاح أبو المجد وهو شاب مصري يشغل منصب الأمين العام للمجلس العربي أمريكا اللاتينية حتي تحولت الفكرة الي واقع يستهدف انشاء أول بنك دولي لتنمية الجنوب لمساعدة الفقراء في تنمية مدنهم وأنفسهم.. واقتنعت دول أمريكاالجنوبية بالفكرة إضافة الي معظم محافظات الصعيد فيما عدا محافظتي البحر الأحمر والوادي الجديد اللتين لم تلبيا أية دعوة بما فيها دعوة الأهرام للندوة التي بحثت مستقبل هذه المبادرة الكبري وكأنهما لا يعنيهما الأمر, أو انهما من أهل الشمال وليس الجنوب. في السطور التالية ننشر ما دار في ندوة الأهرام حول المبادرة العالمية لتنمية الجنوب.. المستقبل والمقومات, الآمال والفرص, امكانات المحافظات المصرية وكيفية تعظيمها...! صلاح ابو المجد الامين العام لمجس الاعمال العربي أمريكا اللاتينية رئيس المنتدي الاقتصادي الدولي لتنمية الجنوب: أكد أن الهدف من هذه الندوة هو تقديم عروض تفصيلية للتعرف علي أوجه التعاون في مجال الاستثمار بمحافظات الصعيد لتسليط الضوء عليها في اجتماع المنتدي الذي سيعقد بالاقصر في يناير المقبل والذي سيترتب عليه بطبيعة الحال تقوية وتعزيز التعاون المشترك في شتي المجالات بين الدول المشاركة في المنتدي. وأوضح أن التعاون الاقتصادي لن يقتصر علي تعزيز فرص التجارة والاستثمار فحسب, بل سينعكس إيجابيا علي العلاقات بين الجانبين في جميع المجالات, مشيرا إلي أنه لا يمكن تحقيق هذه الاهداف دون إسهام المؤسسات الحكومية لدول المنطقتين وتفعيل التشاور المستمر وتبادل الخبرات والتجارب من أجل التغلب علي التحديات والمخاطر الاقتصادية المشتركة. السفير هاني بسيوني مساعد وزير الخارجية لشئون أمريكا اللاتينية: مصر لديها12 سفارة في دول أمريكاالجنوبية ويوجد تمثيل جيد لمصر في هذه الدول وأن معظم دول أمريكا اللاتينية في حاجة ملحة إلي وجود تبادل تجاري مع مصر خاصة استيراد الأدوية المصرية التي تتميز برخص أسعارها مقارنة بأسعار الأدوية التي يتم استيرادها من دول أخري وكذلك العديد من المواد الخام التي تدخل في العديد من الصناعات بدول أمريكا اللاتينية. وقال أن حجم التبادل التجاري بين مصر وهذه الدول شهد في الفترة الأخيرة زيادة كبيرة حيث ارتفع من6 مليارات دولار عام2001 إلي حوالي25 مليار دولار عام2011, وأن حجم التبادل التجاري بين البرازيل والعالم العربي يمثل نحو75% من إجمالي حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والدول اللاتينية مجتمعة.ص اللواء مصطفي يسري محافظ أسوان: أسوان محافظة غنية جدا بمواردها فكل كيلو متر واحد منها يوجد به خيرات تكفي لنهضة مصر بالكامل, وفي المقابل نستورد بعض المنتجات لعدم وجود مستثمرين يقومون بتشغيل واستغلال تلك الثروات. فمن يتخيل أن محافظة مثل اسوان لا يوجد بها مثلا مزرعة دجاج واحدة في حين نستورد الدجاج من البرازيل فلماذا لا نأتي بالمستثمر البرازيلي هنا لإنشاء مزرعة بدلا من الاستيراد ؟ وقال أن بعد المحافظة عن مناطق التصدير وعدم وجود موانيء وطرق يمثل عائقا كبيرا أمام المستثمرين في المحافظة وأنه يعمل حاليا علي افتتاح المنفذ البري في جنوبأسوان ليكون بوابة لمصر في الجنوب لكل الدول الافريقية من خلال السودان. وكشف أنه توجد بمحافظة أسوان أفضل منطقة في العالم لاستغلال الطاقة الشمسية وتحويلها إلي طاقة كهربائية وهي منطقة فارس التي تتمتع بسطوع الشمس عليها طوال أيام العام للتخلص من أزمة توفير الطاقة. لواء طارق سعد الدين محافظ الأقصر: طالب في الندوة المنتدي الاقتصادي الدولي لتنمية الجنوب بالبحث العميق في كل الايجابيات التي تؤدي الي جذب استثمارات دول امريكا اللاتينية في جنوب مصر, وأشار إلي أن مشكلة التسويق ستظل العائق الأكبر امام أي عملية تبادل تجاري مع هذه الدول وطالب أيضا بفتح اسواق. توازي عمليات الانتاج المستهدفة وبالنسبة لأزمة السياحة قال: طالبت عددا من الجامعات بتنظيم رحلات شبابية للأقصر لتنشيط السياحة في ظل توقف حركة القطارات وعدم وجود خطوط ملاحية لنقل السائحين, وبالفعل بدأت الجامعة الألمانية بالقاهرة في ارسال أفواج شبابية من طلابها كما تم التنسيق لعمل معرض كبير داخل الجامعة للمنتجات اليدوية وتم الاتفاق علي اقامة معرض مماثل في برلين وسوف يتم توسيع هذه المعارض في الجامعات المختلفة. المهندس السعيد إبراهيم غزل رئيس الادارة المركزية لسياسات الاستثمار والاتفاقات الدولية بهيئة التنمية الصناعية: أكد أنه سوف تبدأ الهيئة في حل مشكلات900 مصنع متعثرة من أول يناير المقبل, مشيرا إلي أن وزارة الصناعة اعتمدت500 مليون جنيه لبحث هذه المشكلات والانتهاء من حلها قبل منتصف العام المقبل. وأكد أن البيروقراطية لاتزال موجودة علي الرغم من كل الاجراءات التي تم اتخاذها في الفترة الأخيرة لتسهيل عمليات وإجراءات تأسيس المصانع سواء في اصدار التراخيص أو غيرها من المعلومات التي كانت تعتبر من عوامل الطرد للمستثمرين. وقال إنه عندما ذهب الي الصعيد لزيارة عدد من المناطق الصناعية هناك شعر بأنه يتجول في مقابر, وأن تنمية الصعيد تحتاج الي تضافر كل الجهود وأن الطريق طويل للوصول إلي تنمية حقيقية, وأن وزارة الصناعية تسعي لاستحداث حزمة من المزايا الجديدة لتشجيع الاستثمار الاجنبي بالصعيد خاصة من الدول اللاتينية. وأكد أن اكبر مشكلة تواجه وزارة الصناعة في الموافقة علي إنشاء مشروعات جديدة هي عدم توافر الموارد اللازمة من الطاقة لتشغيل المشروع, وأعلن خلال الندوة عن موافقة وزارة الصناعة علي توفير3 مليارات جنيه لضخهما في المناطق الصناعية بالجمهورية تحت إشراف وزارة المالية وبالفعل تم عمل صندوق خاص لترفيق المناطق الصناعية علي مستوي الجمهورية منها83 منطقة في جنوب مصر. مداخلة من اللواء مصطفي يسري محافظ أسوان: وما هي آليات توزيع تلك الاموال علي المناطق الصناعية؟ المهندس غزل: وزارة المالية حصلت بالفعل علي30% من المبلغ الخاص بالصندوق وسيتم ضخها علي المناطق الصناعية ذات الاولوية علي أن تنتهي عمليات الترفيق بالكامل منتصف العام المقبل, بالاضافة إلي بدء العمل علي إنشاء22 مجمعا صناعيا تخصصيا جديدا سوف يتم إنشاؤها داخل المناطق الصناعية الموجودة بحسب طبيعة كل منطقة بما يناسب نوعية إنتاج المجمعات, كما أن هناك إجراءات جديدة تعمل علي القضاء علي ظاهرة شراء الارض بهدف تسقيعها وبيعها من المستثمرين وذلك عن طريق تخصيص الاراضي في المستقبل بالانتفاع وليس عن طريق البيع وسحب الاراضي من المستثمرين غير الجادين مداخلة من السيد صلاح أبو المجد: في كل اجتماع تحضيري أو ندوة أو لقاء يكشف عن صدام بين البيروقراطية وبين رأس المال, ومن هنا فإنني اقترح من خلال الاهرام أن ننسي الماضي وأن ننظر الي المستقبل وأن نعمل علي حل أزمة عدم الثقة المتبادلة بين رجال الاعمال والدولة وذلك من خلال تشكيل مجلس تنفيذي لتنمية وإدارة مشروع تنمية جنوب مصر يكون تشكيله من المحافظين والوزراء المختصين. محمد حبوشة نائب رئيس تحرير الاهرام: علق بدوره علي الدور الثقافي الذي يمكن أن تلعبه العلاقات المصرية اللاتينية وقال إن هناك أفاقا كبيرة في تلك العلاقات وتلعب الفنون دورا أعتبره القوة الناعمة لفتح مجال قوي للاستثمار, وتزويد هذه العلاقات الثقافية والفنية ودخول الاستثمار والاقتصاد ضمن التبادل الثقافي بين مصر وتلك الدول. وقال إن هناك مظاهر ثقافية كثيرة جدا تساهم عملية نقلها في احداث انتعاشة في الصناعات السياحية خاصة في محافظات الصعيد التي تتمتع ببيئة خصبة لما يوجد بها من مقومات مناخية وتاريخية, وقال إن حجم الموارد المتاحة يؤكد أن مصر تستطيع أن تكون رائدة في مجالات الصناعة والسياحة والزراعة وقال أن النهوض الحقيقي بمصر في هذه المجالات يبدأ من قلب الصعيد, مشيرا إلي أن مصر تشهد حاليا مناخا سياسا جديدا يدعم حرية الثقافة والفنون الدكتور أحمد عزيز وكيل كلية العلوم بجامعة سوهاج والمستشار العلمي للمحافظة.. أكد أن سوهاج تأتي في المرتبة الثانية بعد أسيوط في ترتيب المحافظات الأكثر فقرا ويعتبر سكانها الاقل دخلا علي مستوي الجمهورية, ورغم ذلك فإن سوهاج تحتوي علي الكثير من الثروات الطبيعية والبشرية التي تجعل مصر في المراتب الأولي في الصناعة والزراعة. وطالب باستحداث إدارة مركزية خاصة بتسويق منتجات المناطق الصناعية الموجودة بمحافظات الصعيد لأن المحافظات التي كانت تعتمد بشكل كبير علي السياحة تعاني حاليا من حالة شلل وركود تام في ظل غياب السائحين. خلف خليل مدير عام الاستثمار والصناعة بمحافظة قنا.. قام بعرض تقديم عن محافظة قنا وقال أن هناك منطقتين بالمحافظة الأولي في مركز هو وتقع علي مساحة500 فدان وتم إنشاؤها منذ7 سنوات, وبالرغم من ذلك لا يوجد بها سوي مصنعين فقط بالاضافة إلي9 مصانع أخري تحت الانشاء, والمنطقة الثانية هي منطقة فقط وتقع علي مساحة750 فدان وبها49 مصنعا منها29 فقط منتجية. علي حسين أحمد مدير الاستثمار بمحافظة أسيوط قال إن سفير دولة باراجواي قام بزيارة لمحافظة أسيوط مؤخرا وقام بجولة في المنطقة الصناعية بالمحافظة تم الاتفاق خلالها علي إنشاء مصنع للأدوية لتصديرها إلي باراجواي. وأوضح أن هناك بالمحافظة فرص استثمار متاحة تتمثل في وجود أراض مرفقة تم توصيل المرافق لها تبلغ مساحتها700 ألف فدان لاينقصها سوي توصيل الصرف الصحي وكل دراسات الجدوي لاقامة مشروعات جاهزة ومعدة ولا تنتظر سوي المستثمرين للبدء فيها. سطوحي محمد رئيس مجلس إدارة المستثمرين بمحافظة أسوان طالب بوجود مكتب للتمثيل التجاري بكل الدول المستهدفة تكون وظيفته ترويج المقدرات والمشروعات في هذه الدول والعمل علي جذب رءوس الأموال منها للعمل داخل محافظات الصعيد, وقال انه علي الرغم من توافر كل المقومات التي تجعل من أسوان محافظة رائدة في مجال الصناعة والزراعة والسياحة, فإن المنطقة الصناعية بالمحافظة تعاني من نقص في توريد الغاز الطبيعي خاصة في مصانع السيراميك والأسمنت. ممدوح فيليب رجل أعمال من محافظة الأقصر قال أنه فيما يخص تنمية السياحة بالمحافظة فإن التبادل الثقافي بين مصر والدول اللاتينية أصبح ضرورة ملحة لتعريف شعوب تلك الدول بمصر مشيرا إلي أن اعدادا كبيرة من السائحين من دولة البرازيل بدأت في التوافد إلي الأقصر بفضل العودة التدريجية للأمن والبرامج التعريفية التي تقوم بها وزارة السياحة في دول أمريكا اللاتينية وأنه يأمل أن تعود مصر مرة أخري إلي مكانتها قبلة للسائحين من كل دول العالم. أيمن خيري رجل أعمال في مجال صناعة الأدوية بمدينة السادس من أكتوبر أكد أن المشكلة الكبري التي تواجه أي مستثمر سواء في مصر أو خارج مصر هي اختلاف اللغة والغموض الذي يعتري بعض الصفقات وعدم وجود شفافية من الدولة المضيفة للمستثمر, وأشار إلي أنه يجب طباعة كتيبات تشرح فرص الاستثمار المتاحة في محافظات مصر وبكل اللغات اللاتينية وتوزيعها علي المستثمرين وأن تكون المعلومات دقيقة غير قابلة للشك. نبيل الجابري رجل أعمال ومن محافظة قنا: البطالة إحدي أكبر المشكلات التي تواجه التنمية في صعيد مصر, وقد حدث أن أعلنت عن حاجتي إلي200 عامل فحدث أن تقدم14 ألف مما لا يسمح بوجود فرصة لاختبارهم واختيار الأفضل منهم ومشكلة الطاقة أيضا تمثل أكبر عقبة في طريق تنمية الصعيد, فإذا كانت الصناعة تستلزم استهلاك60% من الطاقة الموجودة فإن الواقع يقول أن70% من الطاقة الحالية تستخدم في الإنارة والمنازل وأن30% فقط تستخدم في الصناعات وهي نسبة متواضعة جدا إذا ما قورنت بدول أخري. محمد أبوالقاسم رئيس الغرفة التجارية بأسوان: قال إن التداخل الإداري بين محافظات الصعيد يمثل أزمة أخري في سبيل عمليات التنمية المستهدفة مشيرا إلي أن الطرق الرئيسية في محافظة ما قد تكون تابعة إداريا لمحافظة أخري لا تهتم بصيانتها, وأكد أنه علي الدولة إعادة النظر في التقسيم الجغرافي الحالي لمحافظات الصعيد وإعادة تقسيمها عرضيا وليس طوليا للقضاء علي تلك المشكلة, وطالب هيئة التنمية الصناعية بالتنسيق مع الغرف التجارية بالصعيد للوقوف علي المشكلات التي تواجه المستثمرين ورجال الأعمال أولا بأول.