في الولاياتالمتحدةالأمريكية: أم الحريات; وأم الرجال; ومشعل الديمقراطية... ووطن الشجعان كما يحب أن يسميها العسكريون المتمركزون في فورت براج. في هذه الولاياتالمتحدة التي نقر ونعترف بأنها الدولة الأولي في العالم في هذه الدولة وخلال السنوات الأولي من الهجرة إلي تلك الأراضي الجديدة والشاسعة, كان الأمريكيون يعتمدون في تنقلاتهم علي الخيول. لم تكن هناك سيارات أو موتوسيكلات أو, بالطبع, طائرات, وكانت الخيول هي وسيلة النقل الفعالة, ومن ثم فإنه عندما كان أحدهم يسرق حصانا كانت هذه هي الجريمة الكبري التي لا تغتفر وكان سارق الخيول هو أسوا كوادر اللصوص وأكثرهم انحطاطا ولذلك فإنه عند إلقاء القبض علي هذا اللص الحقير فإنهم كانوا وبدون محاكمة يشنقونه علي الفور عند أقرب شجرة. وكانت الحشود تهلل بأعلي صوتها: اشنقوه عاليا بمعني أنه يجب أن يكون مرئيا أمام أعين الجميع, حتي يكون عبرة للآخرين الذين سيشاهدون هذا اللص وهو يتدلي من الأنشوطة الغليظة والمتينة لحبل المشنقة! وبما أن الأمريكيين كانوا يفعلون ذلك مع لصوص الجياد فأعتقد أنهم لن يثوروا علينا, ولن يتوعدونا, ولن يلجأوا إلي تكوين تحالف قتالي دولي لمهاجمتنا وغزو أراضينا, وذلك في حالة ما إذ طبقنا نفس المبدأ اشنقوهم عاليا علي من هم أخطر بكثير, وأكثر سفالة وإجراما من لصوص الجياد في أمريكا.. وأعني هنا أولئك الخونة والعملاء الذين يشكلون طابورا خامسا ينحر في أحشاء الوطن الوحيد والعزيز الذي ليس لنا سواه, ويهددون هذا الوطن العريق بدمار مؤكد لابد وأنه لاحق بكل من يعيش فوق أراضيه, بل إن هذا الدمار الشامل سوف يلاحق أولئك الذين لم يخرجوا بعد من أرحام أمهاتهم! ولأننا دولة محورية كما كان يسمينا حلفاؤنا الأمريكيون دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر قلب العالم والشريان الرئيسي للحضارة الأمريكية ولغيرها من دول العالم الأول, ولأنه أي علي الجانب الأمريكي أعلن البعض منهم أنهم سيعملون علي إعادة العرب إلي الخيام التي كانوا يعيشون فيها!! وإنه بعد هذه الإعادة وسقوط الدول العربية دولة تلو الأخري, ستكون الجائزة الكبري في النهاية هي مصر... لهذا السبب وذاك كان أن تم منذ سنوات طويلة تجهيز المسرح العربي لهذه النهاية العدمية! وقد شمل هذا التجهيز أربعة محاور: المحور الاول: ويقوم علي إقناع أو بالأحري نقول خداع الإدارة المصرية للسماح بإقامة جمعيات وتنظيمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان, وفي ذلك تصور المسئولون عندنا أن هذا الإجراء الأمريكي هو نوع من السذاجة, أو الهبالة, من قبل الأمريكيين الذين يخرجون علينا بين الحين والحين ببدع جديدة سوف تصطدم بأرض الواقع في منطقة الشرق الأوسط! وبعد موافقة الإدارة المصرية كان أن اعتني الجانب الأمريكي وعن طريق سفارته بالقاهرة التي هي أقرب إلي دولة منها إلي سفارة بانتقاء السعداء من المصريين الذين سيحظون بشرف إنشاء, وتكوين, ورئاسة تلك الجمعيات والتنظيمات التي انتشرت فوق أرض المحروسة أسرع من انتشار النيران في الهشيم كما يقول المثل الدارج عندنا! وفي غضون سنوات قليلة, وبسبب الدولارات المتدفقة, كان أن بلغ عدد هذه الجمعيات والتنظيمات أكثر من ثمانية آلاف جمعية وتنظيم! وظني وإن بعض الظن إثم أن القائمين الذين تولوا رئاسة وإدارة تلك الجمعيات والتنظيمات مثلهم مثل كبار المسئولين المصريين الذين سمحوا بإقامة هذا السيرك السياسي هؤلاء بدورهم ظنوا أن الأمريكيين يتمتعون بدرجة عالية من السذاجة تصل في بعض الأحيان إلي حد البلاهة, وأن المصريين المشهورين بالذكاء والفهلوة سيضحكون عليهم في النهاية! ويقيني وليس ظني هذه المرة أنه بعد فترة وجيزة من إنشاء تلك الجمعيات والتنظيمات أيقن من تولوا إنشاءها, ورئاستها, وتلقي أموالها أيقن هؤلاء بالتأكيد أن المسألة ليست سذاجة من الجانب الأمريكي وأن الفهلوة أغرقت أصحابها في آبار العمالة والخيانة العظمي... أيقنوا ذلك بالتأكيد, ولكن بعد فوات الأوان, وكان بريق الدولارات السهلة يصعب تماما مقاومته! المحور الثاني: أيقنت السفارة الأمريكية بالقاهرة وتوابعها من الإدارات والوكالات المخابراتية الأمريكية المتعددة أيقن هؤلاء جميعا أن هناك دعامتين أساسيتين داخل المجتمع المصري: الدعامة الأولي وتتمثل في ميل وقدر هائل من التدين يعود إلي فجر التاريخ وحتي قبل ظهور الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام... وذلك حسب ترتيب ظهورها, وأيقن الأمريكيون أن أهم أسباب عدم نجاح الوجود السوفيتي في مصر يتمثل في هذا المانع الفولاذي الذي يمثله الدين في نفوس المصريين جميعا, والذي لا يعترف به السوفييت ويقولون عنه إنه أفيون الشعوب! كان هذا من أهم عدم التوافق بين مصر والاتحاد السوفيتي, ومن ثم فإنه بمجئ الأمريكيين كان حرصهم شديدا علي هذا العامل الديني ولكن في ذات الوقت وللسخرية فإن هذا الحرص توجه إلي الجماعات الدينية المتطرفة, وفي طليعتها جماعة الإخوان المسلمين, ظنا من الأمريكيين أنهم يمثلون الإسلام وأنهم القوة الحقيقية والخفية داخل المجتمع المصري, ومن ثم كان التعاون معهم والذي أثمر في النهاية علي توليهم شئون البلاد خلال أتعس حقبة في التاريخ المصري! وذلك عندما خرج الإخوان فجأة بعد أيام من ثورة يناير, وإستولوا عليها تماما دون أي إعتراض أو مقاومة من اولئك الذين أشعلوا هذه الثورة!! المحور الثالث: ويتمثل في الإعلام... تلك الأداة الجهنمية التي تعمل علي تشكيل, وإعادة تشكيل, الرأي العام وتوجيه الجموع الغفيرة لتحقيق الأهداف المرجوة... ذلك إذا كانت وسائل الإعلام أمينة ومخلصة وتتمتع بقدر مناسب من الاحتراف المهني أما إذا كانت علي عكس ذلك فقل علي هذا المجتمع السلام! في هذا السياق كان الإعلام المصري خلال الخمسينات والستينات هو صاحب السيادة المطلقة في المنطقة بأكملها, وكلنا نتذكر كيف كانت إذاعة صوت العرب تهدر من المحيط إلي الخليج وتقود الشعوب العربية كلها لتحقيق الأهداف القومية التي ينشدها الجميع! وهنا لا بد وأن واشنطن ووكالاتها المخابراتية العديدة أدركت ذلك جيدا وأدركت أيضا محدودية عدد الصحف القومية المصرية والتي تنفرد وحدها بالساحة المصرية الهائلة, ومن هنا ألحت واشنطن علي ضرورة تعدد الصحف والمجلات والسماح للقطاع الخاص بإنشائها ووسط هذه الانفراجة تدخلت الدولارات مرة أخري لتمويل منابر معينة تخدم مصالح أخري غير المصالح المصرية! في ذلك خرج علينا فجأة وزير الإعلام السابق صلاح عبدالمقصود وتحديدا في19 يناير من العام الحالي ليعلن بالأرقام عن حقيقة كاشفة ومفزعة وذلك عندما قال إن الإعلام الفضائي ينفق أكثر من6 مليارات جنية بينما لا تتجاوز إيراداته مليار ونصف مليارا جنيه وتساءل وزير الإعلام السابق من الذي ينفق علي هذه الفضائيات وما هو الغرض من هذا الإنفاق؟ وهنا اعتقد أن هذا التساؤل يكشف عن خلل هائل في نظام الدولة القائم في ذلك الوقت فمن المفروض أن وزير الإعلام بالذات أن يكون ملما بكل هذه المعلومات بمجرد أن جلس علي كرسيه في ماسبيرو, ثم بعد ذلك من واجبه أن يتخذ القرار المناسب مع باقي قيادات الدولة لوقف هذه المهزلة التي تخلخل أي دولة وأي وطن! وحتي يستكمل المحور الثالث لهذا المخطط الجهنمي كل فاعلياته وقدراته كان هناك مركز صحفي في الولاياتالمتحدة كل مهمته تنحصر في فبركة أخبار وهمية تخدم اهداف هذا المخطط, وكان هذا المركز قد نشط قبل ذلك بسنوات في الفترة التي سبقت غزو العراق الشقيق وكان من أشهر ما فبركة من أخبار قصة المدفع العملاق العراقي وأسلحة الدمار الشامل التي حصل عليها العراق, وذلك رغم انه من المعروف للداني والقاصي أن العراق ولشديد الأسف لم ينجح حتي يومنا هذا في تصنيع سلاح واحد من الأسلحة الخفيفة أو الثقيلة... ونفس الشئ بالنسبة لذخائر الأسلحة التي اشتراها بأموال أبنائه وللعجب من القوتين العظميين وباقي دول العالم الأول في أوروبا!! المحور الرابع: وينحصر في تكتيكات وتنظيمات ما يسمي ب الجيل الرابع من الحروب والتي تحدثنا عنها بإستفاضة في المقالات السابقة والتي تتمثل في عدم تورط أي قوات عسكرية للدول الكبري والاعتماد علي القوي المختلفة والمتخلفة داخل الدولة المستهدفة وفي مقدمتها التنظيمات والميليشيات الدينية المتطرفة مثل تنظيم الإخوان ومنظمة حماس وكلاهما لعب دورا رئيسيا فيما جري عندنا حتي يومنا هذا. الآن ما هو الحل, هل نتصادم مع الولاياتالمتحدة ؟ أتصور أن هذا هو الإنتحار بعينة ورحم الله إمرءا عرف قدر نفسه... حسنا إذن هل نلجأ إلي قوة عالمية أخري روسيا والصين مثلا وفي ذلك أتصور أنه شكل من أشكال البراجماتية السياسية الرخيصة التي لا تليق بدولة مثل مصر! إذن هل نلجأ إلي الأممالمتحدة ؟ في رأيي الذي لم يتغير طوال السنوات الماضية أن منظمة الأممالمتحدة هي منظمة بلا أسنان, وأنها خاضعة تماما لواشنطن... وإلي حد ما لموسكو وبكين!! بعد ذلك يبقي أمامنا الحل الشرعي والمنطقي والقادر علي إجهاض كل بنود هذا المخطط الشيطاني, وهو الحل الذي يتضمنه قانون مكافحة الإرهاب الذي يناقشه حاليا مجلس الوزراء المصري, والذي تنص مواده علي إعدام ممولي الإرهاب والمؤبد للتحريض والتستر علي الإرهابيين أو تدريبهم علي الاسلحة وفنون القتال, وعقوبات أخري مشددة علي مختطفي وسائل النقل البري والبحري والجوي.... إلخ, ويقيني أن الإعدام لمن يمولون الإرهاب, وبمقتضي حكم المحكمة هو أكثر تحتضرا بكثير من الحكم بالإعدام الذي تصدره مجموعة من الأهالي علي مواطن سرق حصان مواطن آخر.. كما حدث في الولاياتالمتحدة, وكما أشرنا في بداية المقال. فراعين توفيق عكاشة!! أتابع منذ فترة طويلة ما يقوله الإعلامي توفيق عكاشة في قناة الفراعين, ولما كان ما يقوله الرجل يختلف كلية عن الكلام المكرر, والممل, والمملوء بالإطناب الذي تبثه وسائل أخري للإعلام, لما كان ذلك وكانت المعلومات التي يقدمها هي جد خطيرة وكاشفة وتتسق تماما مع ما يجري أمامنا من أحداث جسام لما كان كل ذلك, كان لزاما علي أعداد هائلة من المشاهدين أن تنتظر وتتابع برنامج هذا الرجل بشغف واهتمام وتقدير بالغ وحتي الآن, ورغم مرور أشهر طويلة علي إنشاء هذه المحطة وإذاعة هذا البرنامج لم يحدث أن أخطأ الرجل ولو مرة واحدة أو ثبت أن الأخبار كلها أخبار بالمعني الصحيح للكلمة وبالمفهوم العلمي والمهني الذي تعلمناه في كتب ودراسات الإعلام لم يثبت مرة أن تبين عدم صحة خبر واحد من هذه الأخبار القنبلة التي يطالعنا بها الرجل في برنامجه الوطني المملوء بالإخلاص والحماس! والغريب, ونحن بالفعل نعيش زمن الغرائب, أن هذه القناة توقفت عن البث أكثر من مرة بسبب ضيق الموارد المالية, ورغم خدماتها المخلصة من أجل أمن وسلامة هذا الوطن! والأغرب أنه رغم سيل الإعلانات التي تنهمر علي القنوات الأخري... رغم أن معظمها أقل كفاءة وتأثيرا علي الرأي العام! رغم ذلك ورغم ما هو أكثر خطورة وعجبا, فإن قناة الفراعين بالذات لا تلقي غير الفتات من الإعلانات المحلية, ولا شئ بالمرة من إعلانات الشركات والمؤسسات العالمية.. ومعظمها أمريكية!! أستطيع أن أتفهم موقف تلك الشركات والمؤسسات ذات الأصول الأجنبية وبالذات الأمريكية, ولكنني لا أستطيع أبدا أن أتفهم موقف الشركات والمؤسسات الوطنية التي يدافع هذا الرجل عن ذلك الوطن الذي يضم بين ما يضم هذه الشركات وتلك المؤسسات! في يوم الأحد الماضي ألقي توفيق عكاشة بالقفاز في وجهنا جميعا عندما أعلن بصراحة, وبشموخ, وبعد أن أقسم بالله تعالي أنه لم يدفع حتي الآن المصروفات الجامعية والمدرسية لابنيه, وذلك في ذات الوقت الذي يهدد فيه السادة المسئولون في المدينة الإعلامية بإغلاق القناة التي يدافع من خلالها توفيق عكاشة بشجاعة فائقة عن هذا الوطن الذي انقض عليه كل الأعداء.. والكثير من الأبناء! والسؤال الآن هل نترك مثل هذا الرجل يقف وحيدا؟ أم نقف جميعا بجانبه ونواجه معا هذا الطوفان الذي يهدد الجميع؟ سؤال ستعمل إجابته علي حسم وفصل مواقف أكبر, وأخطر, بكثير من إغلاق قناة تليفزيونية وطنية, وإقصاء إعلامي وهب نفسه لإنقاذ بلاده من مؤامرة حقيرة ومدمرة. لمزيد من مقالات محمد عبدالمنعم