للعلم والعلماء تقدير عظيم في الإسلام, وللمجتمعات الإسلامية التي أقامت أعظم حضارة في العصور الوسطي رؤية لهذا التقدير في حياة الأفراد.. لقد نال كل من العلم والعلماء شرف الاهتمام من كتاب الإسلام القرآن الكريم, وحديث الرسول صلي الله عليه وسلم. , ولسان الإسلام اللغة العربية, وإجماع الأقدمين من مفكري الإسلام بل والمحدثين من الخلف المستنير بشكل قد لا نجد له مثلا في أي من الأديان السماوية الأخري إجماع مبني علي حقائق متغلغلة في صلب العقيدة الإسلامية وأولي هذه الحقائق ما جاء به القرآن الكريم, وهل هناك أكرم وأشرف من أن يكون أول ما نزل به هذا الكتاب المبين علي قلب النبي صلي الله عليه وسلم هو الأمر الصريح بالعلم عن طريق القراءة في قوله تعالي: اقرأ باسم ربك الي خلق, خلق الإنسان من علق, إقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم, علم الإنسان مالم يعلم وأن يكون قسم الله عز وجل بأداة هذا العلم وهو القلم في قوله تعالي: ن والقلم وما يسطرون إلي غير ذلك من إشارات وتعبيرات تدعو إلي تقدير العلم والعلماء. ليس هذا فحسب, بل إن القرآن يضع الأسس التي تحفز الإنسان إلي طلب العلم في قوله تعالي: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ويأمر بطلب العلم في قوله:وقل رب زدني علما, ويرفع العلماء إلي أعلي المراتب والدرجات في قوله تعالي: شهد الله أنه لا إله الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط. ونتابع الآيات الكريمة التي تحث علي طلب العلم فنجدها كثيرة هادفة يحصيها الدكتور عبدالصبور شاهين, مسجلا أن كلمة علم ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم 776مرة, منها(80مرة) ذكر فيها العلم صريحا منسوبا إلي الله عز وجل أو إلي مخلوقاته. كذلك تتضح مكانة العلماء في القرآن الكريم حيث هم أهل خشيته وتقواه في قوله تعالي: إنما يخشي الله من عباده العلماء كذلك هم أصحاب الحق, وأهل الصواب أينما كانوا في قوله تعالي: وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا, وهم بلا ريب أفضل من الذين لايعلمون في قوله تعالي: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات. وينبه سبحانه وتعالي إلي الآفات التي تعوق العلم ومنها الاستناد إلي الأساطير حيث لا يعتمد عليها في قوله: إذا تتلي عليه آياتنا قال أساطير الأولين كما ينبه إلي ضرر الجمود في التفكير حيث يري أهل الجمود وكأنهم الأنعام في قوله:.. ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء, صم بكم عمي فهم لا يعقلون, ويتهكم علي التقليد الأعمي حتي ولو كان للآباء في قوله تعالي: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه أباءنا, أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون. ويحدد القرآن الكريم الفئة التي يرجع إليها وهم العلماء بعينهم في قوله تعالي: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون, ويلعن حامل علم يبخل به ويضن علي غيره في قوله: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله. وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تقدر وتكرم العلم وأهله من العلماء كذلك تولي أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم عناية خاصة وتقديرا عظيما للعلم والعلماء. وهل هناك تقدير أجل وأعظم من إعتبار العلماء ورثة الأنبياء في قوله صلي الله عليه وسلم: إن فضل العالم علي العابد كفضل القمر ليلة البدر علي سائر الكواكب, وإن العلماء ورثة الأنبياء. أو حين يوزن مداد العلماء بدماء الشهداء في قوله صلي الله عليه وسلم: يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء واعتبار مقام من يخرج لطلب العلم مخلصا مثل مقام من يعمل في سبيل الله في قوله عليه السلام: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتي يرجع, وأن أفضل الناس هو العالم الذي يفيد غيره, ويستغني بكرامة علمه عن غيره في قوله عليه السلام: أفضل الناس المؤمن العالم الذي إذا أحتيج إليه نفع, وإن استغني عنه أغني نفسه وأي تقدير من النبي الكريم لأهل العلم والجهاد بعد اعتبارهم أقرب الناس إلي درجة النبوة في قوله عليه السلام: أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد. أما أهل العلم فدلوا الناس علي ما جاء به الرسل, وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم علي ما جاءت به الرسل وسجل الأستاذ العقاد حديثا نبويا عن مكانة العلماء, وتكريم النبي صلي الله عليه وسلم لهم في قوله حين يذكر أمامه رجلان أحدهما عابد, والآخر عالم فيقول صلي الله عليه وسلم: فضل العالم علي العابد كفضلي علي أدناكم. ثم يدعو الرسول صلي الله عليه وسلم إلي طلب العلم في أي مكان في أحاديث منها: اطلبوا العلم ولو في الصين وفي قوله: لا ينبغي لجاهل أن يسكت عن جهله ولا لعالم يسكت عن علمه. ومن العلماء ينبه الشيخ الإمام محمد عبده أمة الاسلام إلي ملاحظة ما أحوجنا إلي تأملها اليوم.. وهي الخاصة بملازمة الإسلام للعلم فيقول: إن المسلمين لما كانوا علماء في دينهم كانوا علماء الكون وأئمة العالم, ولما أصيبوا بمرض الجهل بدينهم إنهزموا من الوجود, وأصبحوا أكلة الآكل. ياليتنا نعود إلي ديننا الحنيف لنتخذ منه حافزا علي التقدم والتطور دون وساطة من أحد, أو فتاوي من أحد. أو وصاية من صاحب غرض أو هدف شخصي.