تصاعدت بشكل غير مسبوق حدة الخلافات بين رموز الطائفة السنية في لبنان, ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني أعلي مرجع ديني سني, وهو يشغل منصب المفتي منذ عام1996. وفشلت جميع الأطراف في كتم الخلافات منعا للحرج أمام الطوائف الأخري في لبنان, وخرج الخلاف والتباعد إلي وسائل الإعلام وساحات القضاء. وفيما يشبه المقاطعة من رموز الطائفة السنية, يعيش المفتي قباني في شبه عزلة عن القيادات وفي مقدمتهم سعد الحريري رئيس تيار المستقبل, ونجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال, في الوقت الذي يحظي بمساندة من الدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق. وظهرت في عيد الأضحي بوضوح ومن قبله عيد الفطر حالة المقاطعة للمفتي قباني, وبشكل غير مسبوق في تاريخ لبنان حيث أدي صلاة العيد بدون حضور أي مسئول رسمي يمثل الطائفة السنية, استجابة لقرار رؤساء الحكومات السابقين برفض الصلاة خلفه. من التقاليد الراسخة في لبنان, أن يقوم رئيس الوزراء أو من يمثله من الوزراء باصطحاب المفتي من منزله إلي المسجد في موكب رسمي لاداء صلاة العيد, حيث يكون رئيس الوزراء وكبار رجال الدولة المدنيين والعسكريين من الطائفة السنية, إلي جانبه في تأدية الصلاة, ثم يقوم الوزير المخصص باصطحاب المفتي عقب انتهاء صلاة العيد من المسجد إلي دار الفتوي, لكن كل هذا لم يعد يحدث منذ عيد الفطر, وتكرر في عيد الأضحي, واستعان قباني بعدد من أنصاره للذهاب معه إلي مسجد محمد الأمين الذي بناه الحريري, وفيه ضريح والده رفيق الحريري وكل الشهداء الذين لقوا حتفهم معه في جريمة اغتياله, وكان افتتاحه حدثا مهما. والأزمة مشتعلة مع المفتي قباني, الذي كان في نظر الحريري الأب والأبن رمزا للطائفة السنية, وحاضرا في كل المناسبات ويحظي بالدعم المادي والمعنوي, لكن بسبب مواقف له وتقربه من النظام السوري وحزب الله, بعد أحداث مايو2007, التي تمت فيها مهاجمة إذاعة دار الأفتاء ومحاصرة منزل المفتي, تغيرت آشياء لديه.. ويبدو أن حساباته تغيرت وفتح اتصالات لم تنسجم مع قناعات الحريري وتيار المستقبل, وحدث الشقاق المفاجيء واصبح رجل الدين الأول في لبنان شخصية عير مرغوب فيها تلاحقه اتهامات في تبديد أموال دار الإفتاء دون أن يتم اثبات الاتهامات حتي الآن. واللافت أن خصوم سعد الحريري في السياسة, وأبرزهم رئيس الوزراء الأسبق عمركرامي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي, مع موقف الحريري ضد قباني علي الرغم من دعم المفتي للنظام السوري, الذي هو قريب من كرامي وميقاتي. وكان أكثر من82 عضوا من أصل104 أعضاء يمثلون الهيئة الناخبة( للمفتي) بمن فيهم رؤساء الحكومات( باستثناء الرئيس سليم الحص) قد تقدموا بمذكرة تطالب بعزله قبل انتهاء ولايته في سبتمبر2014. أما ولاية المجلس الشرعي فانتهت في ديسمبر الماضي, وقررت غالبية أعضاء المجلس التمديد للمجلس لمدة سنة علي الأكثر. لكن المفتي رفض هذا القرار وتمسك بإجراء الانتخابات. وبعد يومين من اعلان قباني فوز15 عضوا في المجلس الشرعي بالتزكية, اجتمع رؤساء الحكومة السابقون باستثناء الحص في مقر رئاسة مجلس الوزراء التي تعود في لبنان للطائفة السنية, وأصدروا بيانا اعتبروا فيه هذا الإعلان' باطلا بطلانا كاملا', وشارك في الاجتماع رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي, ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام, ورئيسا الحكومة السابقان عمركرامي وفؤاد السنيورة, وممثل عن الحريري الموجود خارج لبنان. وغاب رئيس الحكومة السابق سليم الحص, الذي كان قد حضر اعلان المفتي فوز15 عضوا بالتزكية. ويقول خصوم المفتي, إنه يستعجل انتخاب مجلس شرعي جديد مؤيد له, ليتمكن في وقت لاحق من الحصول علي موافقة هذا المجلس للتمديد له, متهمين إياه ونجله بالتورط في قضايا فساد مالي, ما تسبب بإفلاس عدد كبير من مؤسسات دار الفتوي. لكن المفتي يتحدي واعلن انجاز انتخاب أعضاء المجلس الشرعي الاسلامي الاعلي عن محافظة الشمال طرابلس بعد اجراء الانتخابات في كلية الشريعة الاسلامية في طرابلس, التابعة لدار الفتوي في لبنان, وقد اقفلت أبواب دائرة الاوقاف الاسلامية الواقعة في دار افتاء طرابلس بوجه الهيئة الناخبة, مما أضطر مفتي الجمهورية إلي نقل الانتخابات إلي كلية الشريعة. وعلي أثر ذلك عقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلي إجتماعا طارئا في دار الفتوي بطرابلس, لدراسة القرارات في حضور الوزير في حكومة تصريف الاعمال أحمد كرامي ممثلا الرئيس نجيب ميقاتي, أحمد الصفدي ممثلا الوزير محمد الصفدي, ومفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار, مفتي البقاع الشيخ خليل الميس, ونائب رئيس المجلس الوزير السابق عمر مسقاوي والأعضاء. لرفض الانتخابات ونتائجها. وتستمر الأزمة المثيرة دون حلول فالمفتي يتمسك باستكمال ولايته والطائفة السنية ممثلة في رموزها ترفض وموقف السنة بات حرجا بعد أن اتسع الشقاق مع المرجع الديني الروحي علي عكس ما يحدث في الطوائف الأخري.