يذكر قرار الإدارة الأمريكية تجميد أغلبية المساعدات العسكرية لمصر بموقف مشابه للإدارة الأمريكية في الخمسينيات أدي إلي تداعيات خطيرة في العلاقات المصرية الأمريكية وفي توجهات السياسة الخارجية المصرية وعلاقاتها الدولية. منذ الانقلاب العسكري الذي تحول إلي ثورة في مصر في يوليو2591 كان لقادة ثورة يوليو هدفان: إعادة بناء القدرات العسكرية للجيش المصري ورفع مستويات المعيشة للشعب المصري من خلال مشروع بناء السد العالي. وفي البحث عن مصادر خارجية لهذين الهدفين الاستراتيجيين كان اختيار قادة يوليو هو التوجه للولايات المتحدة والغرب والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي. وبالنسبة للهدف الأول وهو تسليح الجيش المصري ظل قادة يوليو علي مدي عامين في اتصالات مستمرة مع الولاياتالمتحدة عبر وفود قادها الفريق محمد إبراهيم رئيس أركان الجيش المصري وأحد الضباط الأحرار هو علي صبري, غير أن هذه الاتصالات بات بالفشل, وتصادف أن تقع غارة إسرائيلية علي جنود الجيش المصري في غزة في مايو5591 أحرجت النظام الثوري وأظهرته في صورة العاجز عن الدفاع عن البلاد. أما الهدف الثاني وهو بناء السد العالي فقد استمرت المفاوضات مع الولاياتالمتحدة ومع البنك الدولي ممثلا في رئيسه يوجين بلاك الذي زار مصر عدة مرات وقبلت مصر بمطالبه, إلا أن الرئيس الأمريكي فاجأ مصر بدعوة السفير المصري في واشطن أحمد حسين لكي يبلغه رفض تمويل إنشاء السد العالي, والتقدير الأمريكي أن الاقتصاد المصري لا يحتمل هذا المشروع. وكان واضحا أن الرفض الأمريكي متأثرا برفض النظام الثوري في مصر التعاون مع المخططات الأمريكية في الشرق الأوسط في سياق سياسة الاحتواء, في الحالتين كان رد النظام في مصر جاهزا وحاسما فحول احتياجات الجيش المصري من السلاح جاءت صفقة الأسلحة التشيكية عام5591 والتي في تقدير باحثين أمريكيين وقعت كالصاعقة علي جونفوستربلس, أما مشروع بناء السد العالي, فقد جاء الرد بالإعلان في62 يوليو6591 تأميم قناة السويس, وتلاه الاتفاق مع الاتحاد السوفيتي علي المشاركة في بناء السد العالي, وهما التطوران اللذان كانا نقطة تحول حاسمة في علاقات مصر الدولية حتي السبعينيات. والآن مع القرار الأمريكي بتجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر, هل ستلجأ مصر إلي بدائل مثلما فعلت في الخمسينيات خاصة لضمان توفير القدرات العسكرية للجيش المصري؟ مع استبعاد أن تدخل مصر في مواجهة مع الولاياتالمتحدة مثل تلك التي تطورت في الخمسينيات والستينيات, ولكنها بالتأكيد سوف تبحث عن بدائل حيث ستتجه الأنظار كما حدث في الخمسينيات إلي روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي, وحيث تشير التقارير إلي استعدادها لتلبية احتياجات الجيش المصري, وإن كان هذا لو تحقق فيمثل مهام أمام الجيش المصري, فبعد أن ظل علي مدي أربعين عاما يتدرب علي نظم التسلح الأمريكية, في إعادة التكيف مع نظم جديدة, أما السؤال الموازي فهو عن مصادر تمويل الأسلحة الجديدة, وقد تتجه الأنظار إلي دول عربية مثل السعودية ودولة الإمارات التي صدرت عنها إشارات عن استعدادها لدعم مصر إذا ما تخلت عنها الولاياتالمتحدة. لقد ربطت الإدارة الأمريكية بين القرار الأمريكي وبين تطبيق خريطة الطريق وإجراءاتها في بناء نظم ومؤسسات ديمقراطية, وواضح التلاعب الأمريكي في الربط, ذلك أن الإدارة الأمريكية من خلال أجهزتها الدبلوماسية والمخابراتية والبحثية لابد أنها تابعت أن الإدارة الجديدة في مصر بدأت بشكل جاد تطبق إجراءات خريطة الطريق ابتداء من وضع دستور يحظي بالتوافق من القوي المستعدة للانخراط في العملية السياسية, وبدء إجراءات عقد انتخابات برلمانية تليها انتخابات رئاسية, وهي العملية التي أكد الالتزام بها كل المسئولين المصريين علي مختلف المستويات مع المسئولين الأمريكيين الذين يبدو أنهم تجاهلوها عمدا أو عن سوء تقدير. فهل نحن أمام عودة للتاريخ, أم أن الإدارة الأمريكية سوف تراجع حساباتها؟ لمزيد من مقالات د. السيد أمين شلبي